اثار انهاء المهام القتالية الأميركية بعد حرب مكلفة دامت سبعة أعوام ونصف العام تساؤلات ستفرز جدلا لفترة طويلة قادمة: هل كان ما انفق مستحقا؟ ومن المنتصر إذا كان هناك منتصر؟!
من السابق لأوانه الاجابة عن السؤال الأول حسبما صرح وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس وهو رجل صاحب حكم رصين قال «يستلزم الامر حقا رؤية مؤرخ ليبين ما حدث هنا على المدى الطويل، الزمن وحده سيحدد الحكم على الامور».
والاجابة عن السؤال الثاني أسهل من الاجابة عن الأول بالنسبة لمجموعة كبيرة من خبراء شؤون الشرق الاوسط وتصدر العنوان التالي تحليلا للباحث محمد بازي من مجلس العلاقات الخارجية وهو مؤسسة بحثية مقرها نيويورك (إذن من فاز بالحرب في العراق؟.. إيران).
ومبرر البازي في ذلك ان «الولايات المتحدة اطاحت بعدو إيران اللدود صدام حسين من السلطة. ثم ساعدت واشنطن في تنصيب حكومة شيعية لاول مرة في تاريخ العراق الحديث.
«وفيما انزلقت القوات الأميركية في قتال ضد تمرد واحتواء حرب اهلية وسعت إيران نطاق نفوذها ليمتد لجميع الفصائل الشيعية في العراق».
ونتيجة لذلك تراجع النفوذ الأميركي فيما تنامى النفوذ الإيراني وثمة توقعات بان تملأ إيران الفراغ الذي خلفه خفض عدد القوات الأميركية إلى 50 الف جندي «سيقدمون المشورة والمساعدة» للعراقيين.
وحين أعلن الرئيس الأميركي باراك اوباما استكمال خفض القوات في كلمته 31 اغسطس الماضي لم يشر إلى إيران وهو استبعاد يثير الفضول. ولكنه قال «ينبغي ان نحقق النصر من خلال نجاح شركائنا». وفي حالة العراق وحدهم المتفائلون يجدون سهولة في رؤية نجاح مدو.
فبعد ستة أشهر من الانتخابات البرلمانية لم تشكل حكومة عراقية فيما فشل السنة والشيعة والاكراد في الاتفاق على كيفية اقتسام السلطة وبنفس القدر من الاهمية ثروة البلاد الضخمة من النفط. وتشكيل برلمان يعتريه الجمود والصراعات ليس بنتيجة مرضية تبذل من اجلها ارواح أكثر من أربعة آلاف أميركي وما يصل إلى مائة الف عراقي فضلا عن انفاق تريليون دولار على الحرب.
وتوقع سلف اوباما الرئيس جورج دبليو بوش والمحافظون الجدد من مؤيدي الحرب ان يصبح العراق نموذجا للديموقراطية يلهم بقية العالم العربي الذي يخضع معظمه لانظمة شمولية وثبت ان ذلك ضرب من الوهم. ويقول المحلل السياسي في بغداد واثق الهاشمي ان العراق تحول لساحة لتسوية الصراعات الاجنبية.
«قالت إيران مرارا. إنها ستسد الفراغ عقب انسحاب الولايات المتحدة. اصبحت البلاد هدفا للطموحات الاقليمية والتدخل في شؤونها».
وهذا يقود إلى تساؤل: ما إذا كانت الولايات المتحدة انسحبت قبل الأوان؟! فمثل كثير من التحركات السياسية الخارجية الأميركية كان قرار الانسحاب بحلول 31 اغسطس الماضي نتاج سياسة داخلية لا الاوضاع على أرض الواقع. وقال اوباما في كلمته «هذا كان وعدي للشعب الأميركي كمرشح لهذا المنصب (رئيس الولايات المتحدة(. هذا ما فعلناه سحبنا نحو 100 ألف جندي أميركي من العراق». واوفى اوباما بتعهده. ولايزال اوباما يعمل على تحديد اسلوب للتعامل مع النفوذ الإيراني في العراق واماكن اخرى في المنطقة. وتتراوح القضايا من البرنامج النووي للحكومة الإيرانية ومساندة إيران لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) التي تسيطر على قطاع غزة وحزب الله اللبناني الذي حاولت إسرائيل القضاء عليه في حربها على لبنان عام 2006 (لكنها فشلت). وتعتبر الولايات المتحدة حماس وحزب الله جماعتين ارهابيتين.
وفي بداية ولايته حين كانت مكانته في الداخل والعالم الإسلامي أعلى كثيرا مما هي عليه الآن ربما اتيحت الفرصة لاوباما للتعامل مع ايران بنفس الاسلوب الذي تعامل به الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون مع الصين كي يبرم صفقة ضخمة بطرح جميع الخلافات بين البلدين على مائدة التفاوض وحلها كحزمة واحدة. ولكن هذه الامكانية تلاشت على الارجح.
ولم تدرج إيران او حليفتها حماس على جدول الاعمال الاسبوع الماضي حين عقدت أول محادثات سلام مباشرة منذ 20 شهرا بين إسرائيل والفلسطينيين برعاية اوباما. ولكن ألقى شبح الاثنتين بظلاله على الاجتماع الذي جمع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس والعاهل الاردني الملك عبدالله والرئيس المصري حسنى مبارك.