خلال حقبة الحرب الباردة بين أميركا والاتحاد السوفييتي السابق كان «عيد الإنسانية» الذي يقام على مشارف باريس من المناسبات السنوية المهمة التي يلتقي فيها الشيوعيون من أنحاء العالم في ضيافة واحد من أكبر الجماعات السياسية التي يعتد بها في غرب أوروبا.
واليوم بعد أن أصبح سقوط سور برلين من الذكريات البعيدة ربما بات الحزب الشيوعي الفرنسي مجرد ظل لتلك القوة السياسية الكبيرة لكن المناسبة السنوية مازالت تلاقي إقبالا كبيرا من الشيوعيين في كل أنحاء العالم.
ومازال الشيوعيون في الشرق الأوسط لهم حضور واضح في مهرجان «عيد الإنسانية» حيث شارك فيه عدد كبير من زعمائهم يوم السبت الماضي والأمل يملأهم في تحول المد السياسي أخيرا لصالحهم.
وكان الشرق الأوسط وخاصة الدول العربية يضم بعضا من أوائل الأحزاب الشيوعية التي تأسست في أعقاب الثورة الروسية عام 1917 وقيام الشيوعية الدولية.
وترجع جذور الحزب الشيوعي الفلسطيني إلى عام 1920 بينما تأسس الحزب الشيوعي العراقي عام 1924.
وقضى العديد من الأحزاب الشيوعية في الشرق الأوسط معظم سنوات وجوده كيانا غير مشروع في بلاده أو واجه قمعا شديدا على الأقل.
واليوم لا تقتصر هموم تلك الأحزاب على زوال الاتحاد السوفييتي بل تجد نفسها محاصرة بين الإسلام السياسي وسياسة السوق المفتوحة ومحاولة توجيه رسالة مفادها أن أيديولوجيتها التي يرى كثيرون أنها استنفذت مازالت تستطيع أن تقدم بديلا حقيقيا.
وكان للحزب الشيوعي العراقي دور رئيسي في تاريخ بلاده بعد الحرب العالمية الثانية ولكنه تعرض للقمع بصفة خاصة منذ وصول صدام حسين إلى السلطة عام 1978.
ويمارس الحزب نشاطه حاليا فيما يعتبر مناخا من الحرية والديموقراطية في العراق.
وقال محمد سلام كاظم المتحدث باسم الحزب الشيوعي العراقي في فرنسا «بالتأكيد مع نهوض الأفكار الدينية وسيطرة الأحزاب الدينية على دفة الدولة هنالك صعوبة في ان يكون لأحزاب تقدمية علمانية مكان مهم في سياسة الدولة. ولكن الجماهير رأت تقدم هذه الأحزاب وتوجهاتها في الانتخابات الأخيرة أثبتت ذلك».
وما من مكان تراجعت فيه القوى الشيوعية في الشرق الأوسط أكثر من تراجعها داخل الحزب الشيوعي اللبناني. ففي عام 1967 عشية حرب الأيام الستة كان عدد أعضاء الحزب 75 ألف عضو يمثلون نحو 3% من السكان. وكان في ذلك الحين أكبر تشكيل سياسي في البلاد. لكن حسن حمدان عضو اللجنة المركزية للحزب ذكر أن الوضع أصبح مختلفا الآن وأصبح عدد الأعضاء لا يزيد على 5 آلاف.
ورغم ذلك مازال حمدان يرى الفرصة مهيأة لنهوض الحزب الشيوعي في بلد كانت لسياسات السوق المفتوحة اليد العليا فيه خلال عدة موجات من إعادة الإعمار بعد الحرب.
وقال ان «الفكر الاشتراكي عموما والفكر اليساري وحتى المشروع الشيوعي في لبنان لايزال يلقى تأييدا وبشكل خاص من قبل فئة الشباب في لبنان نتيجة الأفق المسدود أمام المشروع السياسي للرأسمالية النيوليبرالية في لبنان».
وخلال حقبة الاستعمار برزت إلى الوجود في الشرق الأوسط عدة حركات للمقاومة كافحت ضد الوجود الأجنبي وزعم كثير منها الانتماء إلى التيار الشيوعي.
ويقول العديد من المعلقين إن الإسلام السياسي استولى حاليا على راية المقاومة من أيدي القوميين.
لكن مصطفى براهما الكاتب العام لحزب النهج الديموقراطي المغربي أحد الأحزاب الشيوعية في المغرب أكد أن الوقت حان لاستئناف النضال.
وقال براهما ان «الإسلاميين على تلاوينهم لا يشكلون الوطنية الحقيقية. الذي يجسد الوطنية الحقيقية في المغرب هي الأحزاب الديموقراطية على مختلف تلاوينها ومنها الأحزاب الشيوعية الحقيقية التي استمرت تحمل شعلة الكفاح لأنه حتى الأحزاب الشيوعية عرفت تغيرات عديدة ومنها من اندمج في النظام الرأسمالي الليبرالي أو ساهم في حكومات تطبق سياسته وبالتالي فقدت هي أيضا من بريقها كما فقد الإسلام السياسي. لكن الفكر الديموقراطي والفكر التقدمي والفكر الاشتراكي مازال له مكان وموقع وهو الذي يجسد الوطنية الحقيقية في عالمنا العربي والإسلامي».