بعد مرور 8 سنوات على إنشائها، لم تصدر أول محكمة دائمة تابعة للأمم المتحدة، وهي المحكمة الجنائية الدولية، حكما واحدا إلى الآن.
وفي الشهر الجاري، حذر قضاة في «المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة» أن محاكمة زعيم صرب البوسنة السابق رادوفان كارادزيتش بتهمة ارتكاب جرائم حرب ربما تستمر حتى عام 2014، أي بعد عامين من الوقت المتوقع سلفا.
بيد أنه على الرغم من التقدم البطيء، إلا أن خبراء قالوا لوكالة الأنباء الألمانية(د.ب.أ) ان المحاكم الدولية في لاهاي لاتزال تستحق الدعم، ويقول ويليام آر. باس من «التحالف من أجل المحكمة الجنائية الدولية»، وهي شبكة مجتمع مدني، إن «التقدم البطيء للمحاكمات الأولى للمحكمة الجنائية الدولية مخيب للآمال تماما».
وأشار باس إلى انه «كلما طال الوقت الذي تستغرقه المحاكمة زاد خطر تلاشي الادلة ـ خاصة في ظل وفاة الضحايا ـ وإمكانية تحقيق الآمال الكبرى للضحايا».
ومع هذا، يقول ان «بداية بطيئة كهذه كانت متوقعة دائما، حيث يتم إرساء إجراءات جديدة تماما ومعقدة، تشمل كشف أدلة وحق الضحايا في المشاركة في الجلسات».
وتتضاءل فرص تكرار التاريخ لنفسه، فعلى عكس سلوبودان ميلوسيفيتش، الرئيس السابق ليوغسلافيا والذي قضى نحبه إثر أزمة قلبية بعد 4 سنوات من بدء محاكمته (المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة)، يتمتع كارادزيتش بصحة جيدة نوعا ما منذ بدء الإجراءات القانونية ضده في عام 2009.
ومع ذلك، تصيب المحاكمات الطويلة الاجل أسر الضحايا بالإحباط ويكرهها المتهم «والذي له الحق في محاكمة سريعة وتحقيق العدالة في وقت مناسب» وفقا لما أشار إليه ريتشادر ديكر، وهو خبير قانون دولي في منظمة «هيومان رايتس ووتش».
وبدأت أول محاكمة للمحكمة الجنائية الدولية لزعيم ميليشيات الكونغو توماس لوبانجا في يناير 2009، أي بعد نحو ثلاثة أعوام من اعتقاله، ويتفق الخبراء على أن التعقيد البالغ لمثل هذه المحاكمات يعني أنها تحتاج للوقت. ففي حالة ميلوسيفيتش، والذي يواجه 66 اتهاما بارتكاب إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، أمضى الادعاء عامين في تقديم أدلة من نحو 300 شاهد لتغطية ثلاثة صراعات مختلفة في كرواتيا والبوسنة وكوسوفو.
بيد أن التعقيد هو جزء فقط من المشكلة، ويشير ديكر إلى الوقت الذي تستغرقه ترجمة كل وثيقة رسمية إلى اللغة الفرنسية، بالإضافة إلى الإنجليزية وهي اللغة الرسمية في المحاكم الدولية، وتوجه القضاة إلى التسامح مع تكتيكات المماطلة.
ويعد أحد الانتقادات المشتركة التي برزت خلال محاكمتي ميلوسيفيتش وكارادزيتش أن الاثنين اختارا الدفاع عن نفسيهما وشرعا في إهدار الوقت الثمين من خلال المناقشة المسهبة لشهود الإثبات واستخدام المحاكمة كمنبر سياسي لمخاطبة المتعاطفين معهما في بلديهما.
وقال القاضي أو جون كوان الذي يترأس «المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة» مؤخرا لكارادزيتش «انك تستهلك الوقت بلا داع في التعليقات وتوجيه أسئلة لا صلة لها بالموضوع».
ورفض بيتر روبنسون، محامي كارادزيتش، الاتهامات بإهدار الوقت، قائلا إن المحكمة قدمت تصريحات مسبقة وشهادات لنحو 150 شاهدا دون منح موكله الفرصة لمواجهتهم.
واقترح روبنسون إسقاط بعض التهم الموجهة لموكله بغية تسريع الإجراءات، ويقول روبنسون «يتعين على الادعاء استخدام سلاح دقيق يستهدف أقوى دليل، وليس بندقية على أمل أن تصيب رصاصة قاتلة في أي مكان المتهم».
لكن أكسل هاجيدورن، وهو محام ألماني وهولندي يمثل أقارب 8 آلاف ضحية في مجزرة سربرنيتشا، حذر من اي محاولة للحد من نطاق المحاكمة.
ويتفق الخبراء على ضرورة وضع استراتيجيات تهدف إلى الحد من تأخير لا مبرر له في الإجراءات، فبالنسبة لديكر، الحل الأمثل للبدء هو اختيار قضاة لديهم خبرة أكبر في التعامل مع القضايا الجنائية.
ومع هذا، يقول ديكر في نهاية المطاف ان «محكمة بطيئة وعادلة أفضل من محكمة سريعة ومجحفة».