تشكل تساؤلات بشأن الخلافة وشكوك بشأن النفوذ الأجنبي في ليبيا وخلافات ديبلوماسية وحالة من عدم اليقين فيما يتعلق بالسياسات وتهديد مستمر منذ فترة طويلة باندلاع اضطرابات اجتماعية، مخاطر محتملة للمستثمرين في الدولة الغنية بالنفط، وفيما يلي بعض العوامل المهمة التي تجدر متابعتها:
ـ عدم التيقن بشأن الخلافة: قاد معمر القذافي ليبيا على مدى أكثر من 40 عاما وهي فترة حكم أطول من فترة أي زعيم آخر على قيد الحياة في افريقيا، وهو في أواخر الستينيات من عمره لكن ليس هناك إطار عمل لخلافته وقد تجنب تحديد خليفة له. ويقول محللون إن الزعيم الليبي يبدو في حالة صحية جيدة لكن حالة الوفاة قد تعقبها سنوات من الاضطرابات تتصارع خلالها العشائر المتنافسة والأقارب للسيطرة على البلاد. ويعد سيف الإسلام القذافي الليبرالي الذي قام بدور محوري في إنهاء مواجهة ليبيا مع الغرب الاكثر ظهورا علنا بين أبناء القذافي لكنه لا يشغل أي منصب رسمي ويقول خبراء في الشؤون الليبية انه لا يحظى بدعم يذكر من الجيش الذي يعتقد ان مساندته حيوية إذا كان لسيف الإسلام أن يتولى الحكم، ولدى القذافي ابنان آخران هما معتصم وخميس ويعتقد انهما يتمتعان بقاعدة نفوذ أكبر داخل الجيش.
ومازالت آراؤهما السياسية غير معروفة لكن المتابعين لليبيا يرون ان معتصم مستشار الأمن القومي الليبي هو أقرب إلى الحرس القديم الذي يعارض العديد من الإصلاحات التي اقترحها سيف الإسلام.
ـ ما الذي تجدر متابعته: قبول سيف الإسلام رئاسة أمانة اللجنة الشعبية العامة ما يجعله الرجل الثاني في البلاد، ويقول المحللون انه رفض هذا المنصب العام الماضي لأنه قد لا يعطيه السلطة المطلوبة لدفع الإصلاحات. ويقول أنصار سيف الاسلام إنه يعتزم محاولة اعتماد دستور لإنشاء مؤسسات رسمية بدلا من شبكة دوائر النفوذ غير الرسمية التي يقوم عليها نظام والده، واذا مضى قدما في تنفيذ خطته فقد يكون هذا مؤشرا على أنه يراهن على أن يكون الاكثر استحقاقا للخلافة، تقلب أحوال وسائل الإعلام المملوكة لسيف الإسلام ومشاريع أخرى، على سبيل المثال توقف نشر صحيفتين متحالفتين معه في يناير حيث ذكرتا أنهما تعانيان من مشاكل مع السلطات لكنهما عادتا الى أكشاك بيع الصحف في يوليو.
ـ فرص الاستثمارات: مع امتلاء خزائن ليبيا بأموال النفط بعد سنوات من التقشف تتسابق الشركات الأجنبية على صفقات محتملة بمليارات الدولارات في قطاعات الإسكان والبنية الأساسية لقطاع النقل والاتصالات والخدمات العامة، لكن المناخ العام ملبد بالمخاطر التي تتراوح بين نظام بيروقراطي معوق وسلطة قضائية مقيدة ومخاطر متعلقة بملكية الأراضي وتغيير قواعد الأعمال. ولا تحرز الإصلاحات المواتية للاستثمارات أي تقدم وتحتل ليبيا المرتبة 130 بين 180 دولة على مؤشر الفساد لعام 2009 الخاص بمؤسسة الشفافية الدولية، وقد يكون للمشكلات الديبلوماسية تأثير مدمر سريع على الشركات العاملة في ليبيا. فقد فشلت سويسرا في تحسين العلاقات التي تدهورت بعد اعتقال هانيبال وهو ابن آخر للقذافي في جنيف في منتصف عام 2008، وتدخلت الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي ومؤسسات كبرى للطاقة في الخلاف، وأوقفت ليبيا صادرات النفط الى سويسرا وسحبت أصولا من بنوك سويسرية. وفي مارس فرضت ليبيا حظرا تجاريا واقتصاديا على سويسرا مما دمر فعليا المصالح التجارية السويسرية في البلاد. واتفق البلدان على تحسين العلاقات وسمح لرجل أعمال سويسري كان ضحية للنزاع بالعودة إلى بلده بعد احتجازه لمدة نحو عامين في طرابلس، وأظهرت ليبيا أنها مازالت مستعدة لتحدي الولايات المتحدة خصمها اللدود السابق عندما هددت طرابلس شركات النفط الأميركية بعواقب لم تحددها ردا على تعليقات لاذعة بشأن القذافي جاءت على لسان مسؤول أميركي، واعتذر المسؤول فيما بعد. وفي مؤشر على أن الخلاف بات الآن طي النسيان مددت ليبيا ترخيص التنقيب والإنتاج لشركة هس الأميركية للنفط لمدة خمس سنوات.
ـ ما الذي تجدر متابعته؟ ارتفاع أسعار النفط الذي يوفر للحكومة المزيد من المال لبرنامجها الاستثماري، ولكنها كذلك قد تضعف الحافز لجعل ليبيا أكثر جاذبية للمستثمرين، أي مؤشرات على أن شركات أصغر حجما بدأت تستثمر في ليبيا، فحتى الآن لا يقبل على العمل في ليبيا سوى الشركات الكبرى متعددة الجنسيات التي تستفيد من الحشد الحكومي المكثف والتي تقوم بأنشطة متنوعة بما يكفي لتوزيع المخاطر. أي مؤشر على أن المعسكر الإصلاحي لسيف الإسلام بدأ يضعف قد يشجع حكومة رئيس الوزراء البغدادي علي المحمودي على انتهاج خط اكثر ميلا للحماية فيما يتعلق بالاستثمار الداخلي وتشديد الشروط على الشركات الاجنبية، مؤشرات على أن القيادة تحاول تكوين رؤية محكمة للاقتصاد، والأسواق التي تديرها الدولة مكتظة الآن بالسلع الاستهلاكية الأجنبية لكن لايزال نظام غامض ينطوي على التخطيط الاقتصادي المركزي وتوزيع الثروة قائما.
ولايزال القذافي معتزا برؤيته للاشتراكية الإسلامية حيث يعتمد نظامها على حكومة القاعدة العريضة من خلال لجان بالبلديات تحظر مشاركة الأحزاب السياسية فيها.
ـ مخاطر نتيجة الارتباط بليبيا: وجدت بعض الشركات والحكومات الغربية أن ارتباطها الوثيق بليبيا بماضيها المثير للخلافات وفي بعض الأحيان قيادتها يمكن أن يكون مضرا. وفرضت عقوبات دولية على ليبيا لعقود واتهمتها حكومات غربية فيما مضى بالسعي الى امتلاك أسلحة دمار شامل وبأن لها صلات بجماعات متشددة، ونبذ القذافي هذه السياسات وبعد ذلك بفترة قصيرة تم رفع العقوبات. وأظهرت معظم الدول الغربية رغبة في التغاضي عن ماضي ليبيا مقابل صفقات مربحة، غير أن هذا الماضي يمكن أن يعود ليلاحق الشركات التي لها مصالح تجارية هناك. وتريد لجنة من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي عقد جلسة استماع للتحقق مما اذا كانت شركة بي.پي العملاقة للنفط كان لها اي تأثير على قرار بريطانيا الإفراج عن عبدالباسط المقرحي المتهم بتفجير طائرة ركاب أميركية فوق لوكربي. وفي اغسطس قالت بي.پي إنها سترجئ خططا للتنقيب قبالة ليبيا حتى وقت لاحق هذا العام لكنها لم تكشف عن السبب، وليس الماضي فحسب هو الذي يمكن أن يمثل تحديا. فقد تعرض رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو برلسكوني لضغوط لصلاته بالقذافي بعد أن حاول الزعيم الليبي خلال زيارة لإيطاليا حث مئات النساء الإيطاليات على اعتناق الإسلام. وحين أطلق زورق دورية ليبي الرصاص على سفينة صيد إيطالية سبب هذا حرجا لبرلسكوني، وأسهمت العلاقات مع ليبيا في سقوط اليساندرو بروفومو الرئيس التنفيذي لثاني اكبر بنك في ايطاليا وهو بنك اوني كريدي، واضطر للاستقالة بعد أن اشتكى بعض حاملي الأسهم من تزايد دور المستثمرين الليبيين في البنك.
ـ ما تجدر متابعته؟ عدم تحقيق مجلس الشيوخ الأميركي الزخم الآن بعد أن سيطرت بي.پي على التسرب من حقل نفطي في خليج المكسيك الذي أثار موجة غضب عارمة ضد الشركة بين الساسة الأميركيين؟ هل ستقع شركات عالمية أخرى تحت ضغط لأن لها أعمالا في دولة لها هذا الماضي المتقلب؟ كيف سيكون رد فعل الساسة في اوروبا والولايات المتحدة فيما يزيد صندوق الثروة السيادية لليبيا الذي يصل حجمه الى نحو 65 مليار دولار استثماراته في الدول المتقدمة.