في بلاد الكرة والسامبا مفاجآت غريبة دائما، وإحداها شهدتها امس، حين أدلى 136 مليونا من أصل 192 مليون برازيلي بأصواتهم في انتخابات رئاسية لن يفوز بها، كما تؤكد جميع الاستطلاعات، سوى امرأة قهرت سرطان الغدد الليمفاوية في العام الماضي، وسبق أن شاركت في السطو على بنك وعلى خزينة حاكم إحدى الولايات.
وبعدها بـ 24 ساعة، أي اليوم الاثنين، ينتخب البرازيليون حكام 26 ولاية، اضافة لحاكم منطقة العاصمة، برازيليا، مع 513 عضوا للمجلس النيابي و54 من أصل 81 عضوا لمجلس الشيوخ، إلى جانب اختيار 1059 عضوا للبرلمانات المحلية عبر 354 ألف صندوق اقتراع في 5565 بلدة ومدينة، وهي انتخابات يخوضها 20 ألفا و893 مرشحا، بينهم أكثر من 400 عربي الأصل، في مقدمتهم 4 لبنانيين وسوري الأصل يتنافسون على منصب الحاكم في 4 ولايات.
كل الاستطلاعات، وآخرها أمس الاول، تؤكد فوز ديلما روسيف برئاسة البرازيل، وبالمرحلة الأولى من الانتخابات، أو بالثانية على أقل تقدير، مدعومة من الرئيس الحالي لويس ايناسيو لولا دا سيلفا، الشهير بصاحب أكبر شعبية بين الرؤساء البرازيليين، إذ وصلت إلى 85% في آخر استطلاع تم قبل أسبوعين.
وديلما روسيف هي بلغارية الأصل أبصرت النور في 14 يناير 1947 من أم برازيلية وأب بلغاري اسمه بيدرو روسيف. وكان الأب شاعرا وعضوا بالحزب الشيوعي البلغاري قبل أن يهاجر فقيرا في عشرينيات القرن الماضي إلى البرازيل، حيث أصبح فيها رجل أعمال متوسطا ومحاميا اشتهر في مدينة بللو أوريزنتي، عاصمة ولاية ميناس جيرايس في الجنوب الشرقي للبرازيل.
ومع أن ديلما روسيف عاشت في وسط برجوازي تقريبا، إلا أنها انضمت منذ كان عمرها 16 سنة تقريبا إلى حركة طلابية مناهضة لنظام ديكتاتوري عسكري استمر في البرازيل بدءا من 1964 طوال 21 سنة، تنقلت روسيف خلالها بين أحزاب وحركات ثورية سرية، ومن بينها تنظيم «بالماريس» وهو ثوري ماركسي شاركت هي نفسها في تشكيل جناحه العسكري، حتى خلال عملها كمعلمة مدرسة وصحافية عقائدية فيما بعد. وقام التنظيم بعمليات نوعية وتفجير سيارات وبسطو وسرقات لتمويل نشاطاته، وشاركت روسيف في عمليتين: سرقة بنك وبالسطو على مليونين و500 ألف دولار في 1969 من خزينة حاكم ولاية سان باولو، وعلى إثرها زجوها في السجن 3 سنوات، برغم نفيها لمشاركتها في العملية الثانية.
ومع أن البرازيل تضم 6 ملايين امرأة زيادة على عدد الرجال، إلا أن أي امرأة فيها لم تصل إلى المنصب الرئاسي الأول للبلاد منذ اكتشفها البحار البرتغالي، بيدرو ألفاريس كابرال، قبل 510 سنوات. وروسيف مرشحة عن حزب العمال الذي ينتمي إليه الرئيس الذي أوشكت رئاسته على الانتهاء، لويس ايناسيو لولا دا سيلفا، الممنوع عليه دستوريا تولي الرئاسة لأكثر من ولايتين متتاليتين. وليست لديلما روسيف أي خبرة سياسية على الإطلاق، مع أنها خدمت كوزير إقليمي في مجالات المال والطاقة والتعدين والاتصالات بولاية ريو غراندي دو سول في أقصى الجنوب البرازيلي، وكان ذلك في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. وبعد التحاقها في 2001 بحزب العمال الذي يتزعمه الرئيس لويس ايناسيو لولا دا سيلفا عينها وزيرة للطاقة والتعدين عندما تولى منصبه في 2003 ومن بعدها بعامين أصبحت رئيسة لهيئة العاملين في القصر الرئاسي. ولروسيف ابنة واحدة، محامية اسمها باولا وعمرها 33 سنة، وهي من زوجها الثاني كارلوس أراووجو، المعروف بأنه كان ثوريا قابل فيدل كاسترو والثوري الفنزويلي الراحل، تشي غيفارا.
أما زوجها الأول، كلاوديو غالينو، فكان أول من أدخلها إلى عالم الماركسية الثورية الذي يتوقع أن تمارس شيئا منه خلال حكمها للبرازيل، برغم أنها قالت قبل يومين إنها ستمارس الحكم كما تمارس الأم دورها مع أبنائها «أي بحنان وعطف وتفان وإخلاص» على حد تعبيرها. وهناك مرشحان رئيسيان من أصل 7 ينافسون روسيف على المنصب الأول، هما: جوزيه سيرا، وهو حاكم ولاية سان باولو السابق ومرشح المعارضة والحزب الديموقراطي الاجتماعي، إضافة للمرشحة عن حزب الخضر وزيرة البيئة مارينا سيلفا.
إلا أن آخر استطلاعات للرأي أعطتهما نسبة لا يمكن معها الحلم بالفوز إلا بمعجزة، فسيرا نال 28% ومارينا سيلفا نالت نصف نسبته تماما، فيما حصلت روسيف على 49% من الأصوات المرتقبة، وهو ما يشير إلى إمكانية كبيرة لفوزها بالانتخابات منذ الدورة الأولى التي سيتم الإعلان عن نتائجها ليل الأحد نفسه بالتوقيت البرازيلي.
وفي حال فشل أي من المرشحين للرئاسة، أو لحاكمية الولايات، في الفوز بالدورة الأولى عبر الحصول على نصف أصوات المقترعين زائد صوت واحد، فستجري دورة ثانية في 31 الشهر الجاري بين الاثنين اللذين حصلا على أكبر عدد من الأصوات في المرحلة الأولى، حيث يتم تحديد الحاصل فيها على أكبر عدد من الأصوات، ليتسلم منصبه كفائز في الأول من يناير المقبل لولاية تستمر 4 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط، على أن يعود للترشح ثالثة إذا أراد بعد انقضاء ولاية من تم انتخابه من بعده. والاقتراع في أي انتخابات بالبرازيل إلزامي، إلا لمن تضطره ظروف حددها القانون، كالصحية مثلا، مع تقديمه ما يثبت قانونية تخلفه عن الاقتراع، وإلا كانت بانتظاره غرامة مالية قدرها 84 ريالا برازيليا، أو ما يعادل 50 دولارا يلزم بدفعها للصالح العام، كما الضريبة تماما. أما عن المرشحين من أصول عربية، فنسبة 95% منهم هي من اللبنانيين أصلا، وعددهم زاد هذه المرة على 400 مرشح لكل المناصب، عدا الرئاسي، وفق ما أوردت عنهم مواقع إخبارية للبنانيين المهاجرين في البرازيل، وعددهم فيها يزيد على 6 ملايين بين مغترب ومتحدر.
وأهم المرشحين هم 4 لبنانيين وسوري الأصل يتنافسون بدءا من اليوم على منصب حاكم في 4 ولايات مهمة: عمر عبدالعزيز (حاكم ولاية الأمازون) وعيسى ابراهيم (يسمي نفسه هيسا ابراهوم) لولاية الأمازون، وسيمون جعيتاني لولاية بارا، إضافة إلى السوري الأصل تاسو جريصاتي لولاية سيارا.
أما باولو سكاف فهو أهم المرشحين من أصول عربية، لأنه يطمح الى أن يصبح حاكما لولاية سان باولو، وفي البرازيل يقولون: من يحكم سان باولو يحكم نصف البرازيل، أما النصف الآخر فلا يحكمه إلا رئيس متحالف مع حاكم سان باولو.