أكثر ما تتفق عليه دول الاتحاد الأوروبي هو ضرورة اقامة علاقات أقوى مع اقتصادات ناشئة قوية مثل الهند والصين والبرازيل لكن المشكلة هي كيفية بلوغ هذا الهدف.
خلال تجمع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي ورؤساء الدول في الأسابيع الأخيرة كانت قضية «تقوية الشراكات الاستراتيجية» تتصدر جدول الأعمال لكن الاجتماعات لم تضع تفاصيل لهذه الفكرة العامة للسياسة الخارجية. وبعد نحو عام من التصديق على معاهدة لشبونة ـ التي كان من المفترض أن تحسن من عملية صنع القرار في الاتحاد الأوروبي وأن تمنح الاتحاد المزيد من النفوذ في العالم ـ لم يتم إحراز تقدم يذكر رغم كل الحديث في هذا الصدد. وبدأ خبراء السياسة الخارجية وبعض وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الدعوة إلى تعديل الطريقة التي يباشر بها الاتحاد الأوروبي ديبلوماسيته قائلين إنه عرضة لخطر أن يفقد فاعليته ما لم يحسن سريعا من الطريقة التي يشكل بها أهدافه ويحققها.
وأصبحت هذه المسألة أكثر إلحاحا في الوقت الذي يتأهب فيه الاتحاد الأوروبي لقمة مع رابطة دول جنوب شرق آسيا (اسيان) وقمتين منفصلتين مع الصين وكوريا الجنوبية في الأسبوع المقبل. وقالت كاثرين آشتون مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي عقب توليها منصبها في ديسمبر الماضي «يقترب (نمو) اقتصاد كل من الصين والهند ودول أخرى من الـ 10% سنويا. الثقل الاقتصادي ينعكس في صورة ثقل سياسي وثقة في النفس». وأضافت «إذا تحلينا برباطة الجأش يمكننا أن نضمن مصالحنا. إذا لم يحدث هذا فسوف يتخذ آخرون القرارات بالنيابة عنا. الوضع بهذه البساطة». وفي حين أن الأهداف كما تحدثت عنها آشتون واضحة فإن السعي لتحقيقها يواجه عقبات نتيجة الافتقار إلى التنسيق بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة والميل بين الزعماء لجعل القضايا الملحة الفورية تطغى على الصورة الأكبر. وخلال اجتماع لوزراء الخارجية الشهر الجاري قالت مصادر في الاجتماع إن آشتون تحدثت أخيرا بشأن رحلة قامت بها مؤخرا إلى الصين وأن هناك حاجة إلى تنمية هذه العلاقة لكن الوزراء لم يقدموا مساهمة تذكر خلال الاجتماع. وقال مصدر كان حاضرا في الاجتماع ان «الجميع اتفق على أن الاتحاد الأوروبي في حاجة إلى وضع استراتيجية جديدة لكن لم يكن هناك كثيرون يتحدثون عن الطريقة التي يمكننا أن نفعل بها هذا». ولم تكن طريقة تناول هذه القضية أكثر نجاحا خلال قمة لزعماء الاتحاد الأوروبي يوم 16 سبتمبر عندما خيم خلاف بين فرنسا والمفوضية الأوروبية حول طرد باريس للمهاجرين من الغجر بظلاله على القمة مما أدى إلى عدم التطرق لقضية الشراكة الاستراتيجية. ونتيجة لذلك فإن البيان الختامي للقمة افتقر إلى التفاصيل رغم أن القضية محورية بالنسبة للطريقة التي يحول بها الاتحاد الأوروبي الذي يضم 500 مليون نسمة ثقله الاقتصادي إلى نفوذ سياسي. جاء في البيان «سيتصرف الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء بطريقة أكثر استراتيجية من أجل تفعيل الثقل الحقيقي لأوروبا على المستوى الدولي». وأضاف «يتطلب هذا تحديدا واضحا لمصالحها وأهدافها الاستراتيجية خلال لحظة معينة وتركيز محدد على طرق السعي لتنفيذها بشكل أكثر إصرارا». ويمكن أن تبدو مناقشة «الشراكات الاستراتيجية» وكأنها كلام في الهواء من الخارج خاصة عندما يتعلق الأمر ببعض دول الاتحاد الأوروبي مثل بريطانيا وفرنسا التي تتبع كل منها سياستها الخارجية الراسخة الخاصة بها والتي تعمل كل منها على تطبيقها بعناية وتفضل ألا تنضوي تحت لواء الاتحاد الأوروبي. لكن عندما تتعلق المسألة بالتجارة يصبح وجود استراتيجية موحدة لإقامة علاقات مع قوى جديدة أمرا حيويا بالنسبة للاتحاد الأوروبي أكبر تكتل تجاري في العالم خاصة إذا كان يريد أن يبقي على نفوذه في وقت يتباطأ فيه النمو وتحدث فيه تحولات في موازين القوى. واتضحت المخاطر المحيطة بالافتقار إلى الوحدة هذا الشهر عندما كان الاتحاد الأوروبي في المراحل النهائية من التوصل إلى معاهدة للتجارة الحرة مع كوريا الجنوبية التي تحتل المركز 12 بين الاقتصادات الكبرى في العالم وهي شريك مهم بالنسبة للاتحاد في مجموعة العشرين. وخلال القمة الأخيرة رفضت إيطاليا مساندة المعاهدة خشية من أثرها المحتمل على صناعة السيارات بها وهددت الاتفاق لأن اتفاقات التجارة بالاتحاد الأوروبي لابد أن تكون بالإجماع. وربما يكون ذلك قد سمح للولايات المتحدة بان تهرع إلى توقيع معاهدتها الخاصة للتجارة الحرة مع كوريا الجنوبية أولا. وتم إقناع روما أخيرا عن طريق المداهنة بالتوقيع على الاتفاق بعد أن وافقت بروكسل وسول على تأجيل بدء الاتفاق ستة أشهر مما ساعد على إنقاذ اتفاق يمثل أهمية محورية للمصنعين الأوروبيين. وإذا تكررت مثل هذه الواقعة فربما لا يكون الاتحاد محظوظا بدرجة كافية خاصة إذا أحجمت أي من الدول الأعضاء عن الموافقة على أي اتفاق. وتستضيف بروكسل اليوم وغدا قمة بين أوروبا وآسيا وهي فرصة لتقوية العلاقات مع دول مثل ماليزيا والهند وكوريا الجنوبية والصين. ولم توجه دعوة لروسيا. وستكون القضايا التجارية والمالية محورية في المباحثات ومن المتوقع أن يحدد الاتحاد الأوروبي وماليزيا موعدا لبدء محادثات حول معاهدة للتجارة الحرة كما ستوقع رسميا المعاهدة بين الاتحاد الأوروبي وكوريا الجنوبية ومن المقرر أن يبحث الاتحاد مع الصين أسعار الصرف والسياسة النقدية في إطار تحسين الاقتصاد العالمي. وكتب مركز السياسة الأوروبي وهو مركز أبحاث مقره بروكسل هذا الأسبوع يقول إن الاجتماع «اختبار محوري لمستقبل علاقة الاتحاد الأوروبي مع آسيا التي تسبب إحباطا وتتسم بالعشوائية في كثير من الأحيان». وأضاف «يمكن لزعماء الاتحاد الأوروبي إما أن يستغلوا الاجتماع لضخ حيوية جديدة في العلاقات الآسيوية ـ الأوروبية أو في تعزيز الانطباع السائد في آسيا عن تقلص فاعلية أوروبا على مستوى العالم».