في المرة الأخيرة التي أعد فيها حلف شمال الأطلسي (ناتو) إستراتيجية لمواجهة التهديدات التي تحدق به في المستقبل، في عام 1999، لم يكن لـ «الإرهاب» أو انتشار الصواريخ الباليستية أو أمن الانترنت مكان يذكر في تلك الاستراتيجية.
والآن، وفي الوقت الذي تسعى فيه الدول الأعضاء في الحلف جاهدة إلى الحيلولة دون التهديدات «الإرهابية» وإقامة أنظمة مضادة للصواريخ وإنشاء أنظمة أخرى للدفاع ضد الهجمات الإلكترونية، يقول مسؤولون إن الوقت قد حان لأن يبلور الحلف إستراتيجية جديدة لمواجهة الواقع.
وقد قال الأمين العام لحلف الأطلسي أندرس فوج راسموسين، في كلمة ألقاها في بروكسل يوم الجمعة الماضي: «صحيح أن هناك تهديدات عسكرية أقل تحدق بأراضينا، ولكن هناك المزيد من التحديات التي تواجه أمننا، من جميع الاتجاهات. وهي السبب وراء ضرورة مواصلة الناتو عملية التحول».
وتولى راسموسين منصبه في أغسطس 2009، بتفويض لإعداد «مفهوم استراتيجي» جديد، تلك الوثيقة التي تحدد المهام الرئيسية لحلف الأطلسي خلال العقد المقبل والقدرات التي سيحتاجها لأداء هذه المهام. وقدم راسموسين مسودة اقتراحه للدول الأعضاء في الحلف في سبتمبر الماضي.
ويظل محتوى هذه الوثيقة سريا للغاية، غير أن بعض الديبلوماسيين كشفوا عن الخطوط العريضة قبل اجتماع مشترك لوزراء خارجية ودفاع دول الناتو يعقد في بروكسل بعد غد، وهو اجتماع نادر الانعقاد.
فقد أوضح مسؤول أميركي بارز قائلا: «المهمة هي نفسها، ألا وهي الدفاع عن أراضينا وشعوبنا ضد أي هجوم، ولكن في هذه الأيام، ينبغي تبني قدرات جديدة لإنجاز هذه المهمة».
ومن المتوقع أن يضع قادة الحلف اللمسات الأخيرة على «المفهوم الاستراتيجي» خلال قمة مقررة في لشبونة يومي 19 و20 نوفمبر المقبل.
في يوم الجمعة الماضي، حدد راسموسين قائمة بالتحديات الرئيسية كما يراها، مثل الأشكال الجديدة للحرب كأنظمة الدفاع الصاروخي والحروب الإلكترونية، والتعاون الأفضل مع الفاعلين المدنيين مثل الاتحاد الأوروبي، وتوثيق التعاون مع قوى مثل الصين والهند.
وحث راسموسين «الناتو» على تأسيس نظام دائم ضد الصواريخ الباليستية على مستوى الحلف.
وقال: ثمة دول أعضاء في حلف الأطلسي، مثل الولايات المتحدة، طورت لنفسها مثل هذه الأنظمة على المستوى الوطني بالفعل، بيد أن القائد الدنماركي للناتو يريد من الحلف الربط بين هذه الأنظمة جميعا. وأشار المسؤول الأميركي إلى أن الفكرة تكمن في نظام «توصيل وتشغيل» يسمح بتطوير كل الأنظمة الوطنية بشكل مدمج تحت سيطرة القائد الأعلى لحلف الأطلسي.
ودعا راسموسين دول الناتو أيضا إلى تحسين قدرتها على الدفاع عن أنظمة الكمبيوتر المهمة ضد قراصنة الانترنت (هاكرز) والفيروسات.
وقال: «تتعرض أنظمتنا بالفعل للهجوم 100 مرة يوميا. نحتاج إلى التمكن من دعم (الأعضاء) الذين يتعرضون للهجوم».
ومن المتوقع أن يتخذ قادة دول الحلف القرار بشأن هاتين القضيتين في لشبونة.
وخارج نطاق المجال العسكري، يرى راسموسين أنه على «الناتو» تحسين تعاونه مع الفاعلين المدنيين، بل وتشكيل قوة مدنية صغيرة بنفسه.
ويقوم ذلك على أساس أن العديد من التهديدات الحالية تنبع من الدول الفاشلة مثل أفغانستان والصومال، والتي لا تستطيع القوات العسكرية حل المشكلات الرئيسية.
إزاء ذلك يقول راسموسين: «ما نحتاج إليه هو نهج شامل، يخطط فيه الفاعلون العسكريون والمدنيون معا ويعملون بشكل مكمل لبعضهم البعض ويدعم كل منهم الآخر، قدر الإمكان».
كما حث راسموسين حلف الأطلسي على تدشين محادثات منهجية حول الأمن مع لاعبين عالميين آخرين، لاسيما العمالقة الآسيويين. وأضاف: «يجب ان نتعاون مع الهند والصين لضمان الاستقرار الإقليمي».
ويقول ديبلوماسيون إن كل فكرة على حدة لاقت دعما من الدول الأعضاء الـ 28 في الناتو.
غير أن فكرة «المفهوم الاستراتيجي» حساسة للغاية، لحد يتوقع معه أن تكون المناقشة الوزارية المقررة يوم الخميس المقبل بمثابة نزاع، تسعى فيه كل دولة من الدول الأعضاء إلى إعداد النص على طريقتها الخاصة.