خلقت مساعي الحكومة الصينية للحفاظ على الاستقرار بأي ثمن نظام أمن داخليا مكلفا، يقول خبراء ومسؤولون انه يستنزف تمويلا لازما لقطاعات أخرى للحفاظ على سلامة اقتصاد البلاد.
وكبت الحزب الشيوعي الحاكم التأييد الشعبي لليو شياو باو المنشق المسجون الذي فاز بجائزة نوبل للسلام أحدث مثال على ما يمكن أن تذهب إليه السلطات والتكلفة التي تتكبدها لاحتواء أبسط الأحداث التي قد يبدو انها تهدد قبضتهم على السلطة.
وقدرت مجموعة من الباحثين الاجتماعيين بجامعة تسينغهوا الراقية في بكين في تقرير نشر في وقت سابق من العام إجمالي إنفاق الصين على الأمن الداخلي بنحو 514 مليار يوان (76.7 مليار دولار) عام 2009 وهو ما يقل قليلا عن ميزانية الجيش البالغة 532 مليار يوان.
وقال التقرير «يتم تجاهل تهديدات الاستقرار الاجتماعي وتؤجل باستمرار، ولكن ذلك يزيد من خطورة الانهيار الاجتماعي.. النموذج الحالي للاستقرار وصل الى نقطة لا تسمح باستمراره».
ويقول نيكولاس بيكولين الباحث المتخصص في شؤون الصين في منظمة هيومان رايتس ووتش المعنية بحقوق الانسان ان الموارد المخصصة للاستقرار هائلة. وأضاف في مقابلة هاتفية «انها دائرة مفرغة إذ يؤدي مزيد من الأمن الى المزيد من الأمن».
وتحيط الصين جميع الاجتماعات المهمة والاحداث العامة والتواريخ الحساسة بأعداد كبيرة من رجال الشرطة والحراسة لترويع مثيري المشاكل وإخماد الاحتجاجات واستعراض القوة، ومن الأمثلة على ذلك التواجد الأمني المكثف في دورة الالعاب الاولمبية التي أقيمت في بكين عام 2008 واجتماع قادة الحزب الحاكم في بكين الشهر الجاري.
ورغم أن أسلوب استعراض القوة نجح في الوقت الراهن لكن كثيرين يتساءلون إلى متى سيظل فعالا؟ ويعمل الرئيس هو جين تاو ورئيس الوزراء ون جيا باو على صقل خطة خمسية للتنمية الاقتصادية تهدف لتعزيز تعهداتهما ببناء مجتمع يسوده الانسجام ويخلو من الانقسامات الخطيرة ولا يعاني من مشاعر السخط.
وحتى الآن نجح النموذج الصيني لحكم الحزب الواحد والنمو الاقتصادي في ابعاد تحديات خطيرة من القاعدة العريضة، فالمواطنون راضون عما تحقق لهم من مكاسب اقتصادية واجتماعية.
لكن ما يقلق الخبراء والمسؤولون الصينيون هو ما سوف يحدث لاحقا وبصفة خاصة إذا تباطأ النمو والإيرادات.
إذ أضحت السيطرة الصارمة على حالة عدم الرضا سياسة واضحة لحكومة الصين بصفة خاصة عقب احتجاجات عام 1989 المطالبة بالديموقراطية والتي انتهت بقمع دموي ومطالبة زعيم الحزب حين ذاك دنغ شياو بينغ «بأن يأتي الاستقرار قبل اي شيء».
ويقول خبراء ومسؤولون إن القادة الذين جاءوا من بعده تمسكوا بهذا الشعار ما خلق وهما بوجود نظام راسخ ربما تدفع البلاد ثمنا فادحا له في يوم ما.
وقال يو جيان رونغ الخبير البارز في الاضطرابات الاجتماعية في اكاديمية العلوم الاجتماعية في الصين في محاضرة في بكين انه في الفترة الاخيرة «وصل هذا الاستقرار الذي لا يتزعزع لنقطة لا تسمح له بالاستمرار لأنه يتطلب تكلفة ضخمة».
وقال «ما يمكن ان يحدث في الصين في المستقبل هو تفجر المزيد من الاضطرابات المحلية».
وجدد النمو الاقتصادي السريع على مدار العقدين الماضيين مخاوف المسؤولين من ان تزعزع التغيرات الاجتماعية وعدم المساواة سيطرة الحزب الحاكم.
وفي أواخر سبتمبر رأس الرئيس الصيني اجتماعا لمناقشة التوترات الاجتماعية التي تواجه الصين ونقلت وسائل الاعلام المحلية النبأ في حينه. وحذر هو المسؤولين من فترة صعبة.
ويقول مسؤولون وخبراء إن مطالبة الحكومة المسؤولين بإخماد اي أعراض اضطرابات تنم عن تفكير احادي يصرف الموارد والاهتمام عن الاحتياجات الاجتماعية ويوجهها للعب دور الشرطي لمراقبة واحتجاز أي محتجين محتملين.