نشر ويكيليكس أمس الأول حوالي 400 ألف وثيقة سرية جديدة للجيش الأميركي حول الحرب في العراق تتحدث عن «حمام الدم» في العراق، على حد تعبير مؤسس الموقع جوليان اسانج.
وبعد أسابيع من الترقب، بدأ الموقع المختص بتسريب الوثائق العسكرية مساء أمس الأول بنشر 391 ألفا و831 وثيقة فيما اعتبر «اكبر عملية تسريب لوثائق عسكرية سرية في التاريخ».
وقال الموقع في بيان ان الوثائق تؤكد «عددا كبيرا من جرائم الحرب التي تبدو واضحة ارتكبتها القوات الأميركية مثل القتل المتعمد لأشخاص كانوا يحاولون الاستسلام».
وتحدث الموقع عن سلوك الجنود الأميركيين الذين «فجروا أبنية بكاملها لان قناصا يقف على سطحها»، وكشف الموقع عن «أكثر من 300 حالة تعذيب وأعمال عنف ارتكبتها قوات التحالف بحق الاسرى»، وأحصى أكثر من ألف عملية قتل من قبل القوات العراقية.
كشف الحقيقة
من جهته، دافع مؤسس الموقع، جوليان أسانج، خلال مؤتمر صحافي في العاصمة البريطانية (لندن) عن نشر عشرات الآلاف من الوثائق العسكرية السرية حول حرب العراق، وقال أسانج في لندن أمس إن تلك الوثائق تقدم أدلة واضحة عن جرائم حرب، مؤكدا أنه تمت صياغة تلك الوثائق تحريرا حتى لا تعرض أحدا للخطر.
وقد أعربت الحكومة الأميركية ووزارة الدفاع «الپنتاغون» عن استيائهما إزاء هذا الأمر، وقال اسانج في المؤتمر الصحافي الذي لم يعلن عنه حتى اللحظة الاخيرة وعقد في فندق كبير بوسط العاصمة البريطانية، ان «نشر الوثائق يستهدف كشف الحقيقة».
واضاف مؤسس ويكيليكس «في زمن الحرب، تبدأ الهجومات على الحقيقة قبل بداية الحرب وتستمر أثناءها وبعدها»، وذلك في اشارة الى تكتم الجيش عن حالات التعذيب وحصيلة العمليات، وانتقادات الپنتاغون والحلف الاطلسي لتسريب الوثائق السرية «التي من شأنها تعريض حياة الجنود للخطر»، كما قالا.
وردا على سؤال حول كشف هذه الوثائق، اكد اسانج ان الملفات تنقل صورة للوضع في العراق اكمل من الوثائق التي كشفت من قبل حول النزاع في افغانستان.
وتشير الملفات التي نشرت الى مقتل حوالي 109 آلاف شخص بين 2004 و2009 مقابل عشرين الفا في افغانستان كما كشفت الوثائق التي نشرها الموقع من قبل.
وقال اسانج ان «عدد القتلى اكبر بخمس مرات في العراق ويمثل حمام دم حقيقيا بالمقارنة مع افغانستان»، وتابع ان الوثائق «لا تقدم مجرد فرضيات مثل (قتل كثيرين في الفلوجة) بل تتحدث عن كل وفاة مع احداثيات جغرافية محددة والظروف التي قتل فيها الاشخاص» معتبرا أن «الامر الجديد بالنسبة لنا هو ان هؤلاء الموتى الذين كانوا مجهولين لم يعودوا كذلك».
وكان موقع ويكيليكس قد سلم وثائقه مسبقا الى عدد كبير من وسائل الاعلام الدولية مثل صحيفتي «نيويورك تايمز» الاميركية و«الغارديان» البريطانية و«دير شبيغل» الالمانية وقناة «الجزيرة» القطرية التي كانت اول من كشف عن محتواها.
واشارت الجزيرة الى قيام الجيش الاميركي بـ «التستر على اعمال التعذيب» التي تعرض لها سجناء عراقيون على ايدي قوات الشرطة والجيش العراقيين وصلت حد «اغتصابهم وقتلهم أحيانا».
من جهتهما، تحدثت صحيفتا «نيويورك تايمز» و«الغارديان» عن تفاصيل حرب في الظل تجري على ارض العراق بين القوات الأميركية وإيران، مشيرتين خصوصا إلى استخدام طهران ميليشيات لقتل او خطف أميركيين.
وتصف الوثائق ايضا الطريقة التي سلحت بها إيران ودربت كتائب موت تضم عراقيين لشن هجمات على قوات التحالف والمسؤولين الحكوميين.
وأوضحت الصحف نقلا عن الوثائق انه يشتبه بان الحرس الثوري الإيراني لعب دورا حاسما في هذا المجال.
وكتبت «نيويورك تايمز» نقلا عن الوثائق ان الهجمات التي تدعمها ايران تواصلت بعد تولي باراك اوباما الرئاسة في الولايات المتحدة في يناير 2009.
ضرب المنطقة الخضراء
وأكدت واحدة من هذه الوثائق ان الإيرانيين كانوا يخططون ايضا لضرب المنطقة الخضراء في بغداد التي تضم المباني الحكومية العراقية الرئيسية والسفارات الغربية، وذلك بواسطة صواريخ وسيارات مدرعة ملغمة بأسلحة كيميائية، حسب «الغارديان».
كما ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» ان الوثائق السرية الاميركية التي حصل عليها موقع «ويكيليكس» تكشف ان الأميركيين الثلاثة الذين أوقفوا العام الماضي على الحدود بين العراق وإيران أوقفوا في الجانب العراقي من هذه الحدود، وتتضمن الوثائق إحداثيات مكان اعتقالهم. وقالت الصحيفة انها تدل على انها في الجانب العراقي.
أما عن مصدر الوثائق، فقد قالت صحيفة «الغارديان» إنه على ما يبدو «المحلل المنشق عن مخابرات الجيش الأميركي» الذي كان وراء عملية التسريب حول الحرب في أفغانستان.
وقد أظهرت أن القوات الأميركية تجاهلت التحقيق في تقارير عن إساءة المعاملة والتعذيب وعمليات القتل التي ارتكبتها الشرطة والجنود العراقيون.
وأوردت الوثائق حادثة قتل مروحية أميركية في بغداد متمردين عراقيين بينما كانوا يحاولون الاستسلام، فيما أظهرت أن أكثر من 15 ألف مدني قتلوا في حوادث لم يتم التبليغ عنها من قبل وأفادت السجلات عن وقوع 66081 حالة قتل خارج إطار القتال بين 109 آلاف وفاة.
كذلك تكشف التقارير عن حالات قتل للمدنيين على أيدي القوات الأميركية لم يعلن عنها من قبل من خلال الغارات الجوية وعلى حواجز التفتيش.
تورط المالكي
وكانت قناة «الجزيرة» القطرية قد نشرت ليل أمس الجمعة تقريرا إخباريا حول وثائق الحرب التي أظهرت أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي متورط في إدارة فرق للقتل والتعذيب وفي العام 2006 قبض على 17 شخصا قالوا إنهم قوات خاصة تتلقى الأوامر من قبل المالكي. وتغطي الوثائق التي كشف عنها الفترة بين عامي 2004 ـ 2009.
وأوضحت الصحيفة أن سوء التفاهم على الحواجز الأميركية كان قاتلا في العديد من الحالات وفي العديد من الأوقات لم يفهم المواطنون العراقيون إشارات التوقف التي كان يقوم بها الجنود الأميركيون كما أن أولئك الجنود لم يتمكنوا من التفاهم مع الناجين بسبب غياب المترجمين. وتشير التقارير إلى حادث قتلت خلاله أم وأصيب أطفالها الثلاثة بجروح على حاجز أميركي، وتظهر السجلات أن القوات الأميركية كانت تلجأ إلى استخدام القوة بشكل متسرع ما أدى إلى مقتل نحو 700 مدني على الحواجز. ويكشف «ويكيليكس» أيضا عن مدى القلق الأميركي من التدخل الإيراني في العراق وتشير الوثائق بحسب «نيويورك تايمز» إلى حرب في الظل تدور بين القوات الأميركية والميلشيات العراقية المدعومة من الحرس الثوري الإيراني.
وتظهر السجلات تزويد إيران الميلشيات العراقية بالصواريخ والقنابل والعبوات الناسفة وصواريخ أرض جو محمولة أسقط أحدها مروحية أميركية في شرق بغداد في يوليو 2007.
وتشير الوثائق إلى أن المقاتلين العراقيين تلقوا تدريبا في إيران على القنص واستخدام المتفجرات وتعاونت «فيلق القدس» الإيرانية مع المتشددين العراقيين لإنشاء «كتائب موت» للتشجيع على قتل المسؤولين العراقيين.
كما تشير التقارير إلى أن «جيش المهدي» المدعوم من إيران كان يعتزم قصف المنطقة الخضراء في بغداد التي تضم المؤسسات الرسمية العراقية في الأول من ديسمبر في العام 2006 باستخدام قذائف هاون وصواريخ حصل عليها من «فيلق القدس» وقد التقى قائد «جيش المهدي» علي السيدي مسؤولين إيرانيين تبين أنهم مسؤولون في الحرس الثوري لتسلم 3 شحنات من الصواريخ. على الطرف المقابل، صرح ناطق باسم وزارة حقوق الإنسان العراقية لوكالة «فرانس برس» أمس أن الوثائق التي كشفها موقع ويكيليكس «لم تشكل اي مفاجأة»، وقال كامل الأمين المتحدث باسم الوزارة ان «التقرير لم يشكل اي مفاجأة لاننا اشرنا الى امور كثيرة حدثت بينها ما وقع في سجن ابي غريب وكثير من الحالات التي قامت بها القوات الاميركية»، واضاف «بالنسبة لنا لن نفاجأ بمعلومات جديدة».