بيروت ـ عمر حبنجر
نقطة ساخنة جديدة ظهرت في سطر الأزمات اللبنانية المفتعلة والسريعة التفاعل على طريق المحكمة الدولية الخاصة منذ اتجهت عقارب الشبهة الى عناصر في حزب الله وهي الاشتباك الذي حصل بين محققين دوليين في عيادة طبية في الضاحية الجنوبية من قبل نساء قيل انهن ينتمين الى حزب الله وهو ما قد يشكل اختبارا تجريبيا لما بعده، وهو في اي حال يمثل اول مواجهة مباشرة وذات طابع عنفي مع لجنة التحقيق الدولية، التي كانت بصدد البحث في عيادة الدكتورة ايمان شرارة عن عناوين لبعض المرتبطين بالتحقيق ربما في الجريمة التي هزت كيان لبنان.
هذا الحادث اظهر الى العلن حقيقة الصراع حول المحكمة الدولية، طارحا اكثر من علامة استفهام في المضمون والتوقيت وهو ما تناوله الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في إطلالته التلفزيونية عبر «المنار» مساء امس بشكل مفصل مشيرا إلى انعدام الثقة بهذه المحكمة، ومؤكدا «أن استمرار التعاون مع المحققين الدوليين يساعد على مزيد من استباحة البلد والاعتداء على المقاومة»، داعيا «كل مسؤول ومواطن من الآن فصاعدا ان يتصرف مع طلبات هؤلاء المحققين بما يمليه عليه ضميره وكرامته وشرفه»، لافتا إلى أنه «يبدو ان الوقت ضاق وحصل تهديد لعدد من الأطباء والأشخاص من قبل لجنة التحقيق الدولية»، مؤكدا أن «ما يجري هو استباحة والقرار الظني مكتوب منذ 2006 وهو نفسه ما صدر في دير شبيغل ولوفيغارو وانا تبلغته في 2008، كل التحقيقات التي تحصل للاستفادة من الغطاء للحصول على ما هو ممكن من ملفات لأن ما كتب بالفبركة قد كتب». وتساءل «هل يجوز السماح بالاستمرار بهذه الاستباحة، حتى هناك اطباء اتصلوا بهم وطلبوا منهم عشرات الملفات»، مشيرا «إلى أنه آن الأوان لأن تنتهي هذه الاستباحة لكل شيء والتي وصلت الى الأعراض»، وقال: «ما هي حاجة التحقيق الدولي للملفات الطبية لنسائنا؟ ولماذا يطلب من طبيبة مختصة بعيادة يتردد اليها زوجات وبنات كوادر من حزب الله». ورأى أن قيام محققين بزيارة عيادة نسائية في الضاحية والطلب من الدكتورة الاطلاع على ملفات لمرضاها من عام 2003 وحتى اليوم، أمر خطير، وأنه «تم الوصول الى نقطة حساسة وخطيرة جدا تتصل بالأعراض والكرامة والشرف وباتت تتطلب موقفا مختلفا». واستغرب «ردود الفعل الخارجية والداخلية وصولا الى وزارة الخارجية الأميركية التي أدانت بأشد تعابير الإدانة ما حصل في الضاحية»، لافتا إلى أن «العيون الأميركية عمياء عما يجري بفلسطين»، فما جرى في ام الفحم حجمه أكبر مما جرى في الضاحية». ولفت إلى أن القضاء اللبناني استعاد نشاطه «وأذهلني تحرك المدعي العام الذي فتح تحقيقا سريعا وهو الذي سكت سنينا عن شهود الزور»، معتبرا أن «هذا المناخ يؤكد المساعي الأميركية الحثيثة لتخرب كل الجهود السعودية ـ السورية التي تود ان تحافظ على البلد وسلامته وبتحريض من قوة سياسية محلية وإقليمية»، لافتا إلى «ان هناك ضغوطا أميركية كبيرة جدا على المدعي العام لتعجيل اصدار القرار الظني قبل كانون الأول (ديسمبر)»، مؤكدا أم «ما جرى ليس حادثا عابرا وهو مفصل». وتابع «اذا القضاء لا يحمي اعراضنا فسنذهب للمطالبة بقوانين لحمايتها، هذا التطور الفضائحي سيعيدنا الى أصل المسألة الى كل الاستباحة في لبنان تحت مسمى التحقيق الدولي، هل يجوز ان نرضى بهذه الاستباحة».
وتوجه إلى الرؤساء والوزراء والنواب والقضاء والمواطنين، سائلا «من منكم يقبل ان يأتي احد ما للاطلاع على ملف زوجته او ابنته او اخته الطبي؟»، معتبرا «هذا امر لا يمكن تحمله ولا السكوت عنه بكل المقاييس الإنسانية والأخلاقية والاعتبارات الدينية والثقافية، بدون علم او موافقة او اذن». وقال: «نحن بـ «حزب الله» ككثير من اللبنانيين كنا نعمل حجم الاستباحة الدولية لكل شيء في لبنان، ولكننا سكتنا عن هذا حتى لا يقال ان هناك من يريد عرقلة التحقيق الدولي وكشف الحقيقة، وسكتنا مراعاة للأمور الداخلية، ولكن الاستباحة كانت قائمة».
وتابع: «سأبرز بعض ما طلبته لجنة التحقيق، وسأسرد بعض العناوين، مثلا التحقيق الدولي طلب ملفات الجامعات الخاصة في لبنان ولا اعرف اذا طلب الجامعات الرسمية من 2003 الى 2006 اي كل ملفات الطلاب صارت هناك، كل داتا الاتصالات في لبنان سواء من شركة ام تي سي او الفا او اجيرو كله يعطى للتحقيق، ويتم تحديثه بشكل دوري، طلبوا بصمات من مديرية دائرة الجوازات في الامن العام، وحصل جدل وتمت تسوية لـ 893 شخصا، قاعدة بيانات ال دي ان ايه، قاعدة البيانات الجغرافية في لبنان، وكل ما له علاقة بالمواقع الجغرافية في لبنان، لوائح مشتركي شركة الكهرباء، ولا قطاع إلا ودخلوا اليه». واعتبر «ان هذه المعطيات أوسع من تحقيقات بعملية اغتيال»، كما «ان المحققين عملوا على جمع معلومات عن «حزب الله»، ومع علمنا ان كل ما يحصل عليه المحققون الدوليون يذهب الى إسرائيل ومع ذلك سكتنا، وذلك من اجل ألا يقال ان هناك عرقلة وهذا كان يثير حساسيات في البلد ومراعاة لعائلة الحريري».
احتمال دعوة مجلس الأمن
لكن المحكمة الدولية استبقت ردود الفعل كافة، وقالت عن الحادث انه محاولة لإعاقة العدالة مؤكدة أن العنف لن يردع المحكمة عن مواصلة عملها، متحدثة عن تقرير سيرفع الى الحكومة اللبنانية والامين العام للأمم المتحدة بان كي مون، الذي ادان ما حصل وتحدث عن ضرورة نزع السلاح غير الشرعي في لبنان وضمنه سلاح حزب الله، ونقل عنه احتمال دعوة مجلس الأمن الدولي للانعقاد واتخاذ موقف حازم حيال ما يحصل في لبنان، او ربما اكتفى بإثارة هذا الأمر خلال انعقاد المجلس لمناقشة قرار «مون» حول تنفيذ القرار 1559 في لبنان، وتحديدا من زاوية نزع اسلحة الميليشيات ووقف تهريب الاسلحة الى لبنان، وإلزام سورية بواجباتها حيال لبنان.
وبري ينتقد إدارة التحقيق
في غضون ذلك انتقد رئيس مجلس النواب نبيه بري من باريس إدارة التحقيقات في اغتيال الرئيس الحريري، وذلك عقب لقائه رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي.
وتوج بري زيارته الى باريس امس بلقاء الرئيس نيكولا ساركوزي الذي ابلاغه وجهة النظر الأوروبية والاميركية الداعمة بالمطلق للمحكمة الدولية.
مطلوب مبادرة لمسح الديون
وفي لقاء حاشد للبنانيين المقيمين في فرنسا، اقامه السفير بطرس عساكر دعا بري الى اطلاق مبادرة دولية عربية لمسح ديون لبنان البالغة 53 مليار دولار و«الا فإن الوقائع الاقتصادية ستظل تضغط على لبنان وتفتح ابوابا لأموال تشغيلية لتغذية الارهاب والجريمة المنظمة وتبييض الاموال».
وقال بري ان عجز الموازنة اللبنانية يوازي 3 مليارات دولار في السنة، اما عجز الميزان التجاري فهو الأعلى في العالم حيث يبلغ 37% بينما أعلى النسب العالمية بعد اليابان وزيمبابوي لا تتجاوز 24%.
واشار الى ان هذا العجز يغطى بتحويلات المغتربين والمستثمرين والمساعدات.
لا تقاتل على خطوط التماس
وأخيرا أكد بري الذي التقى الرئيس ساركوزي امس في نهاية زيارته إلى فرنسا أنه رغم التوترات السياسية من ان لبنان لن يعود الى الوراء ولا إلى التقاتل على خطوط التماس.
وأعلن بري بعد لقائه الرئيس الفرنسي ان الأجواء والنتائج كانت ممتازة، مشيرا الى ان هناك نية للرئيس الفرنسي لزيارة لبنان.
كما أوضحت مصادر الوفد المرافق لرئيس المجلس النيابي نبيه بري في زيارته لفرنسا أن الأخير أبلغ الموقف اللبناني للمسؤولين الفرنسيين الذين التقاهم ونقل المخاوف الفعلية للبنانيين من جميع أطيافهم ومشاربهم للفرنسيين.
المصادر كشفت لموقع النشرة الالكتروني أن بري أكد للمسؤولين لاسيما للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ان فرنسا يجب أن تدعم خارطة طريق لبنانية لترسيخ السلام في لبنان.
مصادر الوفد المرافق أشارت أيضا إلى أن بري نجح في تحقيق خرق في الموقف اللبناني بالجدار الدولي لاسيما ان فرنسا لديها الثقل الاوروبي والدولي الكبيرين اللذين يمكن ان يساعدا لبنان في تحقيق كل ما يصب في مصلحته.
مصادر أخرى أشارت إلى وجود بعض المخاوف لدى الجانب الفرنسي لكنها لفتت إلى أن هذه المخاوف ذللت بعدما استمعوا لرئيس المجلس النيابي الذي شرح بوضوح حقيقة الموقف اللبناني بجميع أبعاده.
من جهته، نائب رئيس المجلس فريد مكاري اعتبر ان التعرض للدوليين خطير ويندرج في إطار الحرب الشاملة التي يشنها فريق 8 آذار على المحكمة الدولية ويشكل استهدافا للشرعية.