في إحدى ليالي شهر يوليو الماضي، كانت ناقلة النفط اليابانية «أم ستار» تشق طريقها عبر مضيق هرمز متجهة إلى اليابان محملة بنحو 3 ملايين برميل من النفط الخام.
وفجأة سمع صوت دوي في مؤخرة الناقلة، المملوكة لشركة «ميتسو» اليابانية، في طريقها من جزيرة داس في أبوظبي باتجاه اليابان، وتبين فيما بعد وجود فجوة مربعة الشكل فوق مستوى المياه.
النظريات أفادت بأن السبب وراء الفجوة والصوت المدوي إما موجة عاتية نتجت عن زلزال ضرب جنوبي إيران أو أنها ربما تكون قد اصطدمت بغواصة أو مركب بحري.
وبعد 6 أيام، أعلنت جماعة متشددة كانت قد نشطت في وقت ما في لبنان ومصر والأردن مسؤوليتها عن «الهجوم» الذي تعرضت له الناقلة وذلك بواسطة قارب محمل بالمتفجرات.
الجماعة المتشددة هي تنظيم «كتائب عبدالله عزام»، التي قالت في بيان نشر على لسانها، إن هدف العملية التي نفذها شخص يدعى «أيوب الطيشان»، هو «توجيه ضربة اقتصادية إلى «نظام الكفر العالمي»، الذي يغزو البلاد الإسلامية ويستنزف ثرواتها».
وتابع البيان: «الضربة المباركة كانت في منطقة من أهم مناطق النقل البحري في العالم.. فمضيق هرمز هو شريان اقتصادي رئيسي لنظام الكفر العالمي، ومنطقة المضيق مليئة بالأساطيل البحرية للعدو، فما أصعب اختراق هذه المنطقة الحصينة لولا أن الله مع المجاهدين» على ما جاء في البيان، الذي أطلق على العملية «غزوة الشيخ الأسير عمر عبدالرحمن»، المعتقل في أميركا منذ ما يقرب من 17 عاما.
ورغم تشكك المحللين في أجهزة الاستخبارات العالمية حيال مزاعم الجماعة، إلا أن المسؤولين الأميركيين أشاروا إلى أن البيان يحمل شكلا من المصداقية.
وقال مسؤول في وزارة النقل الأميركية الأسبوع الماضي: «تستطيع مصادر حكومية وفي صناعة النقل البحري أن تؤكد صحة مزاعم كتائب عبدالله عزام».
وقالت الوزارة «تظل الجماعة ناشطة ويمكنها أن تزيد من هجماتها على السفن في المنطقة وفي مضيق هرمز وفي المنطقة الجنوبية للخليج العربي وغربي خليج عمان».
والآن ربما تصبح الجماعة التي بزغت من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، لاعبا أساسيا في «المشهد الإرهابي» في المنطقة.
ويقود الجماعة التي حملت اسم عبدالله عزام القيادي المقرب من القاعدة الذي قتل في تفجير في باكستان عام 1989، شخص يدعى صالح القروي، الذي شارك في قتال القوات الأميركية في العراق وكان على صلة مع زعيم تنظيم القاعدة في العراق، أبومصعب الزرقاوي.
وفي مقابلة مع مركز الفجر الإعلامي، كشف القروي كيف أرسله الزرقاوي في مهمة خارج العراق، وتم اعتقاله في سورية كما قضى وقتا في السجن في السعودية.
ومن أولويات الكتائب كما قال القروي خطف مواطنين أميركيين وبريطانيين في شبه الجزيرة العربية، ومهاجمة المصالح الأميركية باعتبارها أهم أهداف جماعته.
وفي البداية لم يعتقد سوى عدد قليل من المحللين ان الكتائب قادرة على تنفيذ مثل هذا الهجوم الجريء نظرا لافتقارها لقوة جماعات أكثر رسوخا منبثقة عن التنظيم.
وكان هذا أول هجوم من نوعه في المضيق رغم انه ليس في منطقة شبه الجزيرة العربية الأوسع.
وأثبت فشل ما وقع بعد منتصف الليل بقليل قلة الخبرة الواضحة لهذه الجماعة.
لكن المذكرة الأميركية غيرت المعنويات وأفرزت اعتقادا بأن الدول الغربية ربما تركز أكثر من اللازم على تهديد القرصنة قبالة سواحل الصومال مقارنة بالخليج.
وقال جيمس بيرنيل القائد الأعلى السابق لأسطول البحرية الملكية البريطانية «انه إنذار هام».
واضاف «لا نريد المبالغة في رد الفعل ولكن لدينا أكثر من 30 سفينة حربية تتحرك في المحيط الهندي وواحدة تعبر الخليج من آن لآخر. يبدو ان ثمة اختلالا في التوازن إلى حد ما».
ويقول خبراء أمنيون ان المذكرة أبرزت مخاوف أمنية رئيسية في المضيق وهو بوابة الخليج الذي يعبره 40% من النفط الذي يشحن بحرا على مستوى العالم تحت حماية سفن حربية أميركية وغيرها، أبرزها عدم التنسيق الكافي للرقابة الإقليمية للسفن الصغيرة بما في ذلك الزوارق السريعة التي يستخدمها مهربو المخدرات وتتنقل بين إيران والجانب الغربي للممر المائي وسفن الصيد التي أحيانا تضل طريقها إلى المسار الخاص بالناقلات.
ويقول خبراء غربيون ان الرقابة تحسنت بمرور الأعوام ولكن لاتزال هناك ثغرات في الاتصال بين السلطات البحرية في إيران ونظيراتها في دول الخليج وهو ناجم على ما يبدو عن التوترات السياسية الإقليمية.
وقال سامي الفرج رئيس مركز الكويت للدراسات الاستراتيجية الذي يقدم استشارات لدول الخليج عن الأمن «سنواجه صدمة أكبر ما لم يتحسن التنسيق».
وتابع «ثمة فجوة في امن المنطقة ووجود مخدرات بالمنطقة يتيح للإرهابيين استخدام قوارب».
ومبعث القلق الآخر جرأة الكتائب في محاولة شن مثل هذا الهجوم مما قد يشجع على محاولات مماثلة من جانب تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي يتمركز في اليمن القريبة وهو أكثر طموحا وإمكاناته التقنية أعلى.
ويقول محللون انه لا توجد اي صلات تنظيمية معروفة بين الاثنين ولكنهما ينتهجان نفس الأيديولوجية وقد يخلصان في يوم من الأيام لضرورة توحيد صفوفهما.
إذ قال جيمس بليك محلل شؤون المخابرات في جانوسيان لاستشارات المخاطر في لندن «سيصبح ذلك مدعاة قلق هائل. سيكون من مصلحة الجماعتين التعاون».
وفي الوقت الحالي ما زالت المذكرة التي يقول محللون انها مقتضبة أكثر من اللازم تثير بعض الشكوك. حيث قال بيتر فام من بيت الخبرة باللجنة الوطنية للسياسة الخارجية الأميركية إنه «ينبغي الكشف عن بعض الأدلة على الأقل لدعم هذا الزعم الفضفاض» بما ان وزارة النقل الأميركية ليست وكالة مخابرات او مكافحة إرهاب.
وثمة مخاوف متزايدة بشأن الأمن البحري في المنطقة وسبق ان هددت القاعدة بمهاجمة حركة الملاحة. حيث ذكر جيريمي بيني خبير الإرهاب في اي.اتش.اس جينس ان الأمر اللافت بشأن المذكرة انها أشارت لوجود تهديد حقيقي بتكرار الحادث.