وسط ترقب لمصير جوليان أسانج مؤسس موقع ويكيليكس الالكتروني صاحب التسريبات الأشهر في تاريخ الديبلوماسية العالمية، توقعت محاميته جنيفر روبنسون أن يوجه ممثلو الادعاء في الولايات المتحدة تهما بالتجسس ضده قريبا.
لكن روبنسون أكدت في تصريحات صحافية نقلتها بعض وسائل الإعلام الأميركية أن أسانج كرئيس لويكيليكس محمي بحق حرية التعبير بموجب التعديل الأول في الدستور الأميركي.
الملف الغامض
وفي وقت تعهد فيه جوليان أسانج، مؤسس موقع ويكيليكس، بأن ينشر الملف الذي يطلق عليه اسم «thermonuclear»، إذا ما حصل له أو للعاملين معه أي مكروه، كشفت أمس تقارير صحافية أميركية عن أن الپنتاغون يحاول في تلك الأثناء أن يتوقع بشكل مسبق، وعلى وجه الدقة، ما قد يحتويه ذلك الملف من معلومات بحسب «ايلاف».
وقررت وزارة الدفاع الأميركية أن تنشئ فريقا مكونا من نحو 120 محللا استخباراتيا لإعدام الملفات التي يعتبرون أن ويكيليكس يمتلكها على الأرجح في حوزته، وذلك طبقا لما أفادت به أمس في هذا السياق صحيفة كريستيان ساينس مونيتور.
ومضت الصحيفة الأميركية تقول إن هذا الأمر لم يكن صعبا بشكل خاص، لاسيما أن محققين يتبعون للجيش الأميركي تمكنوا قبل ذلك من القيام بعمليات تفتيش للحاسوب الذي كان يمتلكه الجندي الأميركي الشاب برادلي مانينغ، المتهم بتسريب الوثائق التي نشرها اخيرا موقع ويكيليكس.
وأوضح الكولونيل ديف لابان، الناطق باسم وزارة الدفاع الأميركية، ان فريق الپنتاغون يحاول الآن أن يتوقع بشكل مسبق ما قد يكون بداخل ذلك الملف الذي يعرف بملف «التأمين». كما أشار لابان إلى أن موارد وكالة استخبارات الدفاع المعروفة اختصارا بـ «دي أي ايه» متاحة تحت تصرف الفريق، لكي يتمكن من إنجاز تلك المهمة.
وختم لابان حديثه مع الصحيفة بقوله إن هذا الملف سيشكل نفس نوع التهديدات التي سبق وأن شكلتها التسريبات السابقة، التي حذر بشأنها مسؤولون عسكريون كبار من أنها قد تعرض حياة الجنود الأميركيين للخطر. ويتكهن مسؤولون بالپنتاغون بأن ذلك الملف «المجهول» الذي يعرف بـ «thermonuclear» قد يكون مشتملا على برقيات ديبلوماسية بشأن المعتقلين المحتجزين في مركز غوانتانامو العسكري في كوبا.
وقال مسؤولون في الپنتاغون إن المهمة الأولى المطالب هذا الفريق بإنجازها بعد أن أعيد بناؤه وقام بإعدام الوثائق التي يرجح أنها قد سربت إلى ويكيليكس هو أن يحدد موقع المخبرين الذين عملوا مع الجيش الأميركي.
وأشار المسؤولون إلى أن هذا الفريق قد أعد لتحذير هذه المصادر إن كانت حياتها عرضة للخطر نتيجة لذكر أسمائها في الملفات التي نشرها ويكيليكس.
خفض المحللين
ورغم خفض عدد محللي فريق الپنتاغون المنوط بمتابعة وثائق ويكيليكس المسربة إلى النصف، بعد نشر الوثائق الخاصة بحرب العراق، إلا أنهم قد تجمعوا مرة أخرى قبل وثائق وزارة الخارجية المسربة. وفي الوقت الذي أكد فيه مسؤولون عسكريون كبار أن نشر الوثائق سيؤثر في المقام الأول على وزارة الخارجية، فإن الپنتاغون كان قلقا هو الآخر من احتمالية أن تؤثر الوثائق على وزارة الدفاع إذا ضمت، على سبيل المثال، أسماء مصادر من مخابرات الحكومة الأميركية.
وفي اطار جهود دعم أسانج، أطلقت مؤسسة «آفاز دوت أورغ» حملة عالمية لجمع التوقيعات لحماية موقع «ويكيليكس» ومؤسسه والعاملين فيه من تهديدات، بعضها معلن وبعضها الآخر خفي، لإجبار الموقع على وقف نشر المزيد من الوثائق التي تسببت في حرج بالغ للحكومة الأميركية وعدد من الأنظمة الحاكمة في العالم.
وتهدف الحملة التي أطلقتها المؤسسة وفق بيان رسمي مساء أمس الأول لجمع مليون توقيع من أنحاء العالم تتيح لها نشر اعلان على صفحة كاملة في الصحف الأميركية الصادرة خلال الأسبوع الجاري لدعم موقف ويكيليكس ورفض التهديدات التي طالت العاملين فيه، وعلى رأسهم مؤسسه الموقوف حاليا على ذمة قضية اغتصاب قديمة. وقد تجاوز عدد التوقيعات على الحملة الدولية خلال فترة وجيزة أكثر من نصف مليون توقيع وافق أصحابها على شعار الحملة الذي يقول: «ندعوكم لوقف حملة فرض النظام ضد ويكيليكس وشركائها فورا ونحثكم على احترام المبادئ الديموقراطية وقوانين حرية التعبير وحرية الصحافة واذا ما كانت ويكيليكس والصحافيون العاملون معها انتهكت القوانين، فينبغي ملاحقتها قضائيا ولا ينبغي تعريضها لحملة خارج نطاق القضاء بغرض التهديد».
ونقل مطلقو الحملة عن خبراء قانونيين أن ويكيليكس، على الأرجح، لم تخرق أي قانون، ومع ذلك قام كبار الساسة الأميركان بتسميتها بالجماعة الإرهابية وحثوا على اغتيال موظفيها.
وقد تعرضت المنظمة لهجوم واسع النطاق رغم أنها تقوم فقط بنشر المعلومات المقدمة إليها من قبل مبلغين عن مخالفات بعدما أقامت شراكة مع صحف كبرى في العالم، من بينها «نيويورك تايمز» الأميركية و«الجارديان» البريطانية ومجلة «شبيجل» الالمانية، وغيرها لتفحص بعناية المعلومات التي تنشر.
واعتبرت الحملة أن حملة التهديد ضد ويكيليكس، خارج نطاق القضاء، «اعتداء على الديموقراطية وتحتاج وبشدة إلى صرخة غضب جماهيرية من أجل حرية الصحافة والتعبير».
وقالت الحملة في بيانها «قد يختلف الناس المنطقيون حول ما إذا كان يحق لويكيليكس وشركائها من الصحف الكبرى نشر معلومات أكثر مما يجب أن يطلع عليه الجمهور، أو إذا ما كان النشر يقوض السرية الديبلوماسية أو إذا ما كان مؤسس ويكيليكس يجسد شخصية البطل أو الشرير لكن أي من هذا لا يبرر حملة التهديد الشرسة التي تشنها الحكومات والشركات لإسكات متنفس إعلامي».
نشطاء مؤيدون
على صعيد الدعم المتواصل لأسانج أيضا، عطل نشطاء الانترنت الذين يشنون هجمات على شركات ينظر لها على أنها معادية لموقع ويكيليكس موقع الادعاء الهولندي أمس الاول لفترة وجيزة بعد اعتقال فتى عمره 16 عاما يشتبه في انه شارك في الحملة هناك. وحاول النشطاء أيضا تعطيل موقع شركة السداد الالكتروني )ماني بوكرز) لكنهم نفوا أن تكون حملتهم تهدف الى إلحاق ضرر بنشاط الشركات أو تعطيل التسوق عبر الانترنت في موسم عيد الميلاد.
من جهتهم، قال ممثلو الادعاء في هولندا إن نشطاء استهدفوا موقعهم الالكتروني بهجمات أبطأت الموقع لعدة ساعات وجعلته غير متاح لفترة وجيزة، وأضافوا أن الحادث مرتبط على الأرجح باعتقال الفتى.
وقال فيم دي بروين المتحدث باسم سلطة الادعاء الهولندية «نحقق في ذلك مع السلطات الدولية ونعمل مع مكتب التحقيقات الاتحادي الأميركي».
بناء الثقة
في هذه الأثناء، تواصل الخارجية الأميركية جهودها لاستيعاب تداعيات التسريبات، حيث اعترف وليام بيرنز مساعد وزيرة الخارجية الاميركية للشؤون السياسية خلال مؤتمر صحافي أمس الأول بانه «لن يكون سهلا» على الولايات المتحدة اعادة بناء الثقة في علاقاتها الديبلوماسية مع العالم بعد تسريبات موقع ويكيليكس التي الحقت «ضررا كبيرا» بالديبلوماسية الاميركية. وقال من سانتياغو التي زارها في اطار جولة على اميركا اللاتينية لهذه الغاية «اعتقد ان تسريبات ويكيليكس سببت ضررا كبيرا بديبلوماسيتنا».
وردا على سؤال بشأن الاجراءات التي تعتزم واشنطن اتخاذها لاعادة بناء علاقات الثقة هذه، اجاب المدير السياسي لوزارة الخارجية الاميركية «علينا اولا ان نعترف ان هذا ليس امرا سهلا».