وسط مخاوف من «سايكس بيكو» جديد يستهل به العرب العقد الثانـــي من القرن الـ 21 وتنطلق فصوله من السودان، بدأت عملية الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب السوداني امس، وأغلقت صناديق اقتراع اليوم الاول من الاستفتاء الماراثوني المستمر اسبوعا. وفيما أكد سلفا كير رئيس حكومة الجنوب حرصه على «العلاقات الطيبة» مع الشمال، أدلى ملايين الجنوبيين بأصواتهم وسط مظاهر احتفالية لم تخف قلق المراقبين من الملفات العالقة بين شقيقي الأمس وجاري المستقبل، لاسيما ترسيم الحدود والنزاع على منطقة أبيي الغنية بالنفط والثروات، التي شهدت أمس مقتل 8 أشخاص في اشتباكات بين قبيلتي المسيرية العربية والدنكا السودانية الجنوبية.
وكان نائب الرئيس السوداني رئيس حكومة الجنوب سلفا كير ميارديت وحكام الولايات الجنوبية العشرة أول من أدلى بصوته فور فتح مراكز الاقتراع.
ومن مركز يقع على مقربة من ضريح الزعيم التاريخي لجنوبيي السودان جون غارنغ، جاهد سلفا كير كثيرا لحبس دموعه، خلال الإدلاء بصوته في الاستفتاء، حيث أهدى عملية الاقتراع لزعيم الاستقلال غارنغ الذي لقي حتفه عام 2005 في حادث تحطم مروحية، ولجميع ضحايا الحرب.
وقال سلفا كير: «أعتقد أن د.جون وجميع من لقوا حتفهم معه بيننا اليوم، وينبغي أن أؤكد أنهم لم يموتوا هباء».
بيد أن ميارديت حرص كذلك على التأكيد على استمرار العلاقات الطيبة بين شمال وجنوب السودان في حال الانفصال.
وقال «إن الروابط التي تجمع شعبي شمال وجنوب السودان كثيرة ونحن حريصون على استمرار هذه العلاقات اذا ما صوت الجنوبيون لصالح الانفصال».
من جهته وصف رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي السناتور جون كيري الذي كان يجالس ميارديت الاستفتاء بأنه «فصل جديد في تاريخ السودان وهو فصل مهم جدا» مضيفا «انه لأمر رائع ان نرى سلفاكير يقترع.. ان هذا العمل جاء نتيجة عمليات تفاوض طويلة».
وعمت معظم المدن الجنوبية اجواء احتفالية مع بداية عملية الاقتراع وأحيط العديد من مراكز الاقتراع بالطبول والفرق الغنائية.
ويقدر عدد الناخبين المسجلين بحوالي 3.9 ملايين في جنوب السودان بالإضافة إلى حوالي 60 ألف ناخب من جنوب السودان جرى تسجيلهم في 8 دول بينها كندا وإثيوبيا والولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا.
ويستمر الاستفتاء حتى الـ 15 من الشهر الجاري حيث يتعين أن يدلى 60% من الناخبين المسجلين بأصواتهم لكي يصبح الاستفتاء قانونيا.ويشرف على الاستفتاء الذي سيجري في 2700 مركز اقتراع في جنوب السودان و175 مركزا في شمال السودان أكثر من ألف أجنبي و15 ألف سوداني، كما أن هناك نحو 88 مراقبا من جامعة الدول العربية سيشاركون في متابعة الاستفتاء.
ووفقا للجدول الزمني للجنة الاستفتاء، ستعلن النتائج الأولية في أول فبراير المقبل بينما يتوقع إعلان النتائج النهائية في 14 من الشهر نفسه. وإذا اختار سكان الجنوب الانفصال فإن الأمر سيستغرق بين 5 و6 أشهر لإتمام العملية القانونية للانفصال.
حرمان من التصويت
ورغم الإشادة التي لقيتها عملية الاستفتاء من المراقبين الا أن، المئات من السودانيين الجنوبيين العائدين من الشمال فوجئوا بحرمانهم من حق التصويت في الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب.
ونقلت محطات تلفزة محلية عن بعض هؤلاء السودانيين الجنوبيين القول انهم وصلوا الى الجنوب قبل ايام للمشاركة في هذه اللحظة التاريخية التي انتظروها طويلا وقد امضوا الليلة الماضية أمام مراكز الاقتراع ليكونوا في طليعة من يصوت على استقلال الجنوب.
واضافوا «فوجئنا بأننا لا يمكن ان نصوت لان اسماءنا غير موجودة في كشوفات الناخبين لديهم لأننا في السجلات الموجودة بالشمال وكان علينا ان نبقى في الشمال».
وقال انطون ماريو وهو مراقب في المركز الرئيس في عاصمة الجنوب «جوبا» لقناة «الشروق» الفضائية السودانية «حسب القانون فإن العائدين يفقدون حقهم في التصويت وكان عليهم ان يبقوا في الشمال حتى يدلوا بأصواتهم ثم يعودوا الى الجنوب بعد ذلك».
وقد وصل جنوب السودان خلال الأسابيع الماضية نحو 120 الف شخص حسب احصائيات الأمم المتحدة ولايزال نحو 80 الفا آخرين عالقين في الطريق.وحرص معظم العائدين على الوصول قبل التصويت للمشاركة في هذه اللحظات التاريخية بالنسبة لهم فيما غادر بعضهم الشمال خوفا من أعمال انتقامية قد يشنها الشماليون في حال الانفصال.
إشادة دولية
من جهة أخرى، أشادت البعثات العالمية المستقلة لمراقبة الاستفتاء لكل من الاتحاد الأفريقي ومركز كارتر والاتحاد الاوروبي ومجموعة دول الإيجاد وجامعة الدول العربية بالجهود التي بذلها كل من شريكي اتفاقية السلام الشامل في السودان ومفوضية استفتاء جنوب السودان ومكتب مفوضية استفتاء جنوب السودان، من أجل تنظيم وتسهيل عملية الاستفتاء، وذلك مع بداية عملية الاقتراع لاستفتاء تقرير المصير لجنوب السودان بموجب اتفاقية السلام الشامل الموقعة في عام 2005.
واقرأ ايضاً:
أوباما: لا سلام دائماً في السودان بمعزل عن سلام دارفور
استفتاء جنوب السودان يفتح شهية الانفصاليين في أفريقيا
سيدة الجنوب الأولى.. فلاحة أمية لا تعرف إلا لغة الدينكا
محطات في تاريخ جنوب السودان
ثمن تبرئة البشير تقسيم السودان.. فما ثمن نسيان قضية الحريري؟