على وقع المعارك المستمرة منذ يوم الجمعة الماضي في منطقة أبيي المتنازع عليها والتي بلغت حصيلتها أكثر من 36 قتيلا، أغلقت صناديق الاقتراع في اليوم الثاني من الاستفتاء على تقرير مصير جنوب السودان بعد أن شهدت إقبالا شديدا كما في اليوم الأول. وقد أعلن مسؤول في لجنة الاستفتاء أن نسبة المشاركة وصلت الى 20% من الجنوبيين في اليوم الاول من الاستفتاء حول استقلال هذه المنطقة. ورغم نفي المسؤولين السودانيين ارتباطها بعملية الاستفتاء، ترسم الاشتباكات بين قبيلتي المسيرية العربية والدينكا نقوك الافريقية في منطقة أبيي مستقبلا قاتما لعلاقات الشمال السوداني مع جنوبه الذي سيصبح الدولة الافريقية رقم 54 في حال لم يتم حل الخلافات القائمة في أسرع وقت بحسب محللين. حيث تبادل زعماء الطرفين الاتهامات ببدء الاشتباكات.
أما بخصوص سير عملية التصويت، فقد تقاطر المقترعون امس ايضا، حيث وقف عشرات الجنوبيين من نساء ورجال ينتظرون دورهم للاقتراع أمام كل مركز انتخابي. وقال مراقبون ان الاقبال كبير وقد وصل الكثيرون الى المراكز قبل الثامنة للانتهاء باكرا من الاقتراع. وتشكلت من جديد الطوابير الطويلة، حتى ان بعض الجنوبيين وصلوا ليلا للتأكد من انهم سيكونون بين أوائل المقترعين عند فتح مراكز الاقتراع الساعة الثامنة. وقال جيمس خور شول لـ «فرانس برس» «وصلت الى هنا في الساعة الثانية فجرا. هذا وستتواصل أعمال الاستفتاء طيلة أسبوع بسبب وعورة مناطق الجنوب السوداني وافتقارها الى الحد الأدنى من المواصلات».
إلى ذلك، دعا الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى تمكين الناخبين من الوصول إلى مراكز الاقتراع، بحيث يكونون قادرين على الإدلاء بأصواتهم بحرية دون ترهيب أو إكراه في الاستفتاء. وقال أوباما في بيان رئاسي صادر عن البيت الأبيض انه على كل الأطراف أن تتجنب العبارات الخطابية الملهبة للمشاعر أو الأعمال الاستفزازية التي قد تثير التوترات وتحول دون تمكين الناخبين من التعبير عن إرادتهم، مشددا على أن العنف في أبيي يجب أن يتوقف.
وأضاف «نحن نعلم أن هناك الذين قد يحاولون تعطيل التصويت، وفي حين أن التصويت الناجح سيكون مدعاة للاحتفال، فلايزال هناك عمل ضخم في الانتظار لضمان عيش الشعب السوداني في أمن وكرامة».
حدود مفتوحة
من جهته، أعلن الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر تلفزيون «سي.ان.ان» أمس أن الرئيس السوداني عمر حسن البشير عرض أن يتحمل الشمال كل ديون البلاد في حالة انفصال الجنوب بعد استفتاء. وسيكون العرض في حال تأكيده لمحة تصالحية مهمة من البشير وسيرفع عبئا ماليا ضخما عن كاهل الجنوب في المرحلة الأولى من استقلاله المتوقع. وقال كارتر في مقابلة مع القناة التلفزيونية «تحدثت مع الرئيس البشير. قال ان الدين بأسره ينبغي أن يؤول إلى شمال السودان لا الجزء الجنوبي، لذا يمكن القول ان جنوب السودان سيبدأ بصفحة بيضاء على صعيد الديون».
من جهة أخرى، دعا كارتر لإبقاء الحدود مفتوحة بين شمال السودان وجنوبه إذا ما تقرر الانفصال، وأضاف: «لقد أكد لي الرئيس البشير أن الحدود ستبقى مفتوحة بطريقة ما لأن هناك عددا من القبائل الرحل، وكثيرا من المواطنين يعتمدون في تجارتهم على التنقل بين الشمال والجنوب».
في غضون ذلك، وإلى جانب المخاوف من مستقبل العلاقات بين شطري السودان يتخوف مراقبون من المصاعب التي سيواجهها الجنوب بعد الانفصال. ففيما يقود مسؤولو الجنوب سياراتهم الجديدة اللامعة يضطرون إلى السير في طرقه المليئة بالحفر.
مصاعب الجنوب
أما السكان الذين يستقبلون هؤلاء المسؤولين وهم يهللون في فرحة غامرة بالاستفتاء التاريخي على الانفصال الذي حاربوا من أجله لسنوات، فإنهم ربما يلعنون يوما ذلك الاستفتاء وما نجم عنه.
خاصة بعد أن تنحسر نشوة الاحتفالات بالاستقلال وتطل ظروف الحياة الصعبة في جوبا او في اي مكان من هذا الاقليم من جديد اذ ستتحول الآمال العريضة لدى الجنوبيين في بناء دولة جديدة من الصفر إلى عبء يثقل كاهل الحكومة الجديدة.
ويمثل التعليم الابتدائي في جنوب السودان واحدا من اقل النسب في العالم وكان التوصل إلى اتفاق السلام عام 2005 دافعا لالتحاق الكثير من الأطفال بالمدارس المكتظة في جوبا حتى ان أحد المعلمين طلب مكبرا للصوت كي يصل صوته إلى كل التلاميذ الذين اكتظت بهم فصول الدراسة. كما يعاني الجنوب من واحد من أعلى مستويات وفيات الأمهات في العالم ويعاني سكانه من فرط الإصابة بأمراض نادرة أو يمكن الوقاية منها. وكثيرا ما تتوقف اجتماعات الحكومة بسبب انقطاع الكهرباء التي تتوافر فقط لدى القلة المحظوظة. وتعتمد المدن التي وصلتها الكهرباء على مولدات كهرباء تعمل بالديزل لا يمكن الاعتماد عليها في غياب شبكة وطنية للإمداد.
والبنايات التي تتجاوز طابقين في جنوب السودان قليلة كما تستخدم فنادق كثيرة الخيام والمساكن سابقة التجهيز بدلا من الاستثمار في مبان ثابتة.
وظهرت في الشارع الرئيسي بمدينة جوبا بنايات ضخمة يمكن على الفور تصور انها تخص وزارات الجنوب. لكن الحقيقة انها مساكن تخص الوزراء الذين يتجول كثير منهم في الشوارع بسيارات دفع رباعي جديدة أو حتى سيارات من نوع هامر.
كما أن لدى المسؤولين الجنوبيين خطي هاتف محمول أو ثلاثة بسبب ضعف شبكات الهواتف.
وعلى الرغم من الاهتمام الكبير الذي يلقاه الإقليم من شركات الهواتف المحمولة تم منح التراخيص لشركات صغيرة ذات قدرات محدودة.
وتحاول جوبا جهدها لمكافحة الفساد الذي أطل برأسه بعد ان تولى متمردون سابقون الحكم في حكومة تملك تحت تصرفها ملياري دولار سنويا.