في خطاب هو الثالث والأقوى منذ انطلاق أعمال العنف والشغب الاجتماعية في المحافظات والعاصمة التونسية على خلفية الأزمة المعيشية، أطل الرئيس التونسي زين العابدين بن علي أمس ليعلن أمام مواطنيه والعالم أنه لن يسعى لفترة رئاسية أخرى في العام 2014 قائلا «لا رئاسة في تونس مدى الحياة». وعلى صعيد المطالب الاجتماعية أكد بن علي انه كلف الحكومة بتخفيض أسعار المواد الغذائية الأساسية وكفالة حرية الإعلام وعدم غلق الانترنت، مطالبا القوات الأمنية بوقف إطلاق الرصاص الحي فورا، وكانت قد تضاربت المعلومات حول تقديم وزير الخارجية التونسي كمال مرجان استقالته وذلك بعد ورود معلومات عن اقالة الرئيس بن علي لاثنين من أقرب مستشاريه بسبب الاحداث.
وقبل ذلك انسحبت وحدات الجيش من العاصمة بعد فشلها في منع تجدد المواجهات وسلمت مراكزها لوحدات خاصة تابعة للشرطة في وسط المدينة. وذلك بعد سقوط قتيل آخر في الاشتباكات المتجددة أمس حيث بلغ عدد القتلى 58 منذ اندلاع الازمة بحسب احصاءات مستقلة.
وكان الرئيس زين العابدين بن علي قد دعا في تصريح لفضائية (المستقلة) كافة التونسيين إلى التضامن والتكاتف والحفاظ على مكاسب البلاد وحماية المؤسسات الخاصة والعامة من أعمال التخريب والعنف وذلك في ثالث ظهور له خلال نحو شهر فقط.
وأكد بن علي، أنه مدرك تماما لمطالب الشباب التونسي الباحث عن العمل ويحس بمعاناتهم ويسمع أصواتهم وتصله رسائلهم. وقال إنه يضع التشغيل في مقدمة أولويات الحكومة، مذكرا بالتعهد الذي أعلن عنه في خطابه يوم 10 يناير 2011 بتوفير 300 ألف موطن شغل خلال هذا العام والعام المقبل. وجدد الرئيس بن علي في تصريحه تأكيده على تمسك الحكومة بقيم الديموقراطية وكفالتها لحرية التعبير السلمي ولحرية التظاهر السلمي وإتاحة فرص الحوار السياسي الحر حول جميع قضايا البلاد بمشاركة جميع الأطراف الوطنية.
وأوضح أن الندوة الوطنية التي دعا لعقدها في شهر فبراير المقبل، ستتناول موضوع التشغيل كأولوية بالإضافة إلى الموضوعات السياسية وكل ما يتصل بتعزيز المسار الديموقراطي في تونس وتوسيع دائرة المشاركة في الحياة العامة وحرية الإعلام ومكافحة الفساد وتعزيز ثقافة وتقاليد حقوق الإنسان.
كما أكد أنه أعطى توجيهاته الصارمة للجهات المسؤولة بتأمين حق التظاهر السلمي وعدم استخدام العنف في مواجهة المواطنين. وأضاف أن إراقة دم أي تونسي أمر محزن جدا له شخصيا ولكل التونسيين وأنه يتعاطف ويتضامن مع كل الضحايا الذين سقطوا في الأحداث الأخيرة.
من جهة أخرى، عقد مجلس النواب التونسي جلسة استثنائية امس لمناقشة الأحداث التي شهدتها البلاد أخيرا. وحضر الجلسة رئيس الوزراء محمد الغنوشي وعدد من أعضاء الحكومة التونسية.
وبحث المجلس، حسبما أفادت الإذاعة التونسية، استحداثات فرص العمل التي أعلن عنها إبان هذه الأحداث.. كما استمع المجلس إلى بيان من وزير الداخلية الجديد أحمد قريعة حول الأحداث.
على الأرض، انتشرت مدرعات ووحدات التدخل التابعة للشرطة في مكان دبابات الجيش في جادة الحبيب بورقيبة وقرب ساحة برشلونة على مقربة من محطة كبيرة لقطارات الضواحية الجنوبية والترامواي. ولم يبق سوى آليتين للجيش على متنهما جنود مسلحون في ساحة ابن خلدون مقابل السفارة الفرنسية.
ومع تقدم ساعات المساء امتدت الاشتباكات نحو العاصمة بعد هدوء نسبي فيها وأفاد شهود عيان عن سماع أصوات أعيرة نارية وسط العاصمة بينما قتل متظاهر عصر أمس برصاص الشرطة في حي لافاييت قرب شارع بورقيبة الكبير في العاصمة التونسية.
وأكد أحد الشهود ان متظاهرا آخر أصيب بجروح بالغة بالرصاص وأفاد الشهود ان الرصاص أطلق في شارع ليون وأن قوات الأمن حاولت تفريق المتظاهرين بالقنابل المسيلة للدموع قبل إطلاق النار.
وفرقت قوات الأمن متظاهرين حاولوا الوصول الى شارع بورقيبة للتوجه الى حي فيه سوبر ماركت «كارفور» ودار الإذاعة العامة.
وانتشرت تعزيزات من الشرطة وقوات مكافحة الشغب بقوة في وسط المدينة حيث تصاعد التوتر اثر محاولة تنظيم تظاهرة ظهر الخميس.
وسمعت طلقات رصاص متقطعة لكن تعذر تحديد مصدرها. من جهة أخرى، لقيت سويسرية من أصل تونسي مصرعها أمس في العاصمة بحسب راديو (سوا) الأميركي دوليا، وأفاد مصدر ديبلوماسي لوكالة فرانس برس أمس بأن الاتحاد الأوروبي يدرس عدة خيارات من بينها تعليق مفاوضاته مع تونس حول تعزيز علاقاتهما، وذلك نظرا لقمع التظاهرات بعنف.
وردا على سؤال في هذا الصدد، لم تؤكد وزيرة الخارجية الأوروبية كاثرين آشتون في مؤتمر صحافي صراحة هذا الاحتمال لكنها قالت ان الأوروبيين يفكرون في تداعيات الاضطرابات الحالية.
وصرحت «نتابع عن كثب الوضع ونفكر في تداعيات الأحداث الاخيرة على العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتونس وندرس عدة خيارات».