على وقع الاحتجاجات والفوضى الامنية التي عمت تونس بعد فرار الرئيس الاسبق زين العابدين بن علي، أمسى التونسيون اول من امس على رئيس آخر هو محمد الغنوشي ليصحو على رئيس ثالث وهو رئيس البرلمان فؤاد المبزع الذي ادى اليمين الدستورية كرئيس لتونس بالوكالة امس على ان تجري انتخابات تشريعية بعد 60 يوما.
بذلك، يكون قد توالى على رئاسة تونس المنتفضة على البطالة والغلاء والفساد خلال أقل من 24 ساعة 3 رؤساء، فبعد قليل من فرار بن علي تولى الوزير الأول محمد الغنوشي مؤقتا الحكم وفقا لتفسير خاطئ للمادة 56 من الدستور التونسي، وهو ما أجج بدوره احتجاجات أخرى، لاسيما من الحقوقيين والخبراء الدستوريين، ولم يمض الغنوشي سويعات في الرئاسة حتى أعلن المجلس الدستوري تسليم السلطة لرئيس البرلمان بموجب المادة 57 من الدستور.
إقصاء نهائي
وبعد أقل من شهر على اندلاع انتفاضة الياسمين، التي اشعل فتيلها الشاب الذي احرق نفسه محمد البوعزيزي، أقصي زين العابدين بن علي نهائيا من السلطة في تونس، حيث اعلن المجلس الدستوري امس «شغور السلطة» وعين رئيس البرلمان التونسي فؤاد المبزع رئيسا للبلاد بالوكالة كما ينص عليه الدستور.
وتابع المجلس ان «الشروط الدستورية توفرت لتولي رئيس مجلس النواب (فؤاد المبزع) فورا مهام رئيس الدولة بصفة مؤقتة».
ودعا المجلس الدستوري الى اجراء انتخابات رئاسية خلال 60 يوما فيما نظم الجيش دوريات في شوارع العاصمة التونسية في محاولة لكبح الاحتجاجات التي أطاحت بالرئيس التونسي من السلطة.
وفي علامة على انتهاء حكم بن علي، أخرج عمال صورة للرئيس السابق خارج مقر حزب التجمع الدستوري الديموقراطي الحاكم في شارع محمد الخامس في وسط العاصمة التونسية.
ومنعت حواجز وضعها الجيش الوصول إلى شارع بورقيبة الشارع الرئيسي في تونس الذي كان مسرحا للاشتباكات اول من امس.
أداء اليمين
وبعد أدائه اليمين، اعلن الرئيس التونسي بالوكالة فؤاد المبزع في كلمة مقتضبة ان المصلحة العليا للبلاد تقتضي تشكيل «حكومة ائتلاف وطني».
ووعد المبزع بالتعددية والديموقراطية واحترام الدستور بحذافيره، طالبا من رئيس الوزراء المنتهية ولايته محمد الغنوشي «اقتراح اعضاء الحكومة»، مضيفا ان «المصلحة العليا للبلاد تقتضي «حكومة ائتلاف وطني».
وادى مبزع اليمين في مكتبه في مقر البرلمان بحسب ما افاد مصور وكالة الانباء الفرنسية.
واكد انه سيحترم الدستور امام رئيس مجلس المستشارين عبدالله القلال ونواب مجلسي البرلمان.
ومع جلاء صورة الوضع الرئاسي وإن بصورة مؤقتة، بدأت التساؤلات تتصاعد حول السبب وراء هروب زين العابدين بن علي بهذه الطريقة.
فقد أوردت تقارير صحافية تونسية ان الهروب جاء بعد تسوية بين بن علي والجيش وأن العسكر هم من يقبضون على مقاليد الحكم في تونس الآن. كما لم يستبعد تقرير أخباري جزائري أمس انقلاب الجيش في تونس على السلطة، والإطاحة بالرئيس، بعد الاضطرابات التي عاشتها البلاد طيلة شهر كامل. خاصة أن معلومات ترددت عن ان بن علي قد خير رئيس الاركان بين الاقالة أو استخدام النار لتفريق المحتجين والسيطرة على الاوضاع. وأن رئيس الاركان رفض الانصياع لأوامر بن علي.
من جهتها ذكرت صحيفة «الشروق» الجزائرية في عددها أمس أن بن علي غادر مساء الجمعة الماضي برفقة عائلته، على متن طائرتين عسكريتين وقد تدخل الجيش لتجنيب البلاد مسارا دمويا، بالموازاة مع «تسليم» الحكم للوزير الأول محمد الغنوشي.
وقالت الصحيفة في صدر عنوانها «الجيش (التونسي) يهرب بن علي وينقذه من مصير تشاوشيسكو»، في إشارة إلى الرئيس الروماني الراحل.
وأشارت الصحيفة إلى أن الرئيس الروماني السابق نيكولاي تشاوشيسكو كان قد تعرض هو وزوجته أواخر عام 1989 إلى ابشع إعدام في الساحة العمومية بالعاصمة بوخاريست، على يد الجماهير الشعبية الغاضبة التي اجتاحت العاصمة الرومانية، واقتحمت القصر الرئاسي واقتادت الرئيس وزوجته الى الساحة العمومية لإعدامه أمام الملأ وأمام كاميرات التلفزيونات العالمية؟
بينما قالت مصادر أخرى ان بن علي فر الى جنوب البلاد بعد تعذر فراره عن طريق مطار العاصمة وأنه خرج من تونس بحماية ليبية.
نداءات استغاثة
ميدانيا وفيما استمر التلفزيون التونسي ببث نداءات الاستغاثة من مواطنين تعرضوا لعمليات سلب واعتداءات، أعلن مصدر تونسي مسؤول عن اكتشاف عصابات تخريب ونهب من الملثمين لإثارة الرعب لدى المواطنين، داعيا كل المواطنين إلى التحلي باليقظة والعمل مع قوات الأمن والجيش لحماية أنفسهم وممتلكاتهم.
وقال المصدر ذاته ـ في تصريح لقناة «تونس» الإخبارية امس ـ إنه تم تخصيص الرقم 197 للاعلام بكل الحالات الطارئة أو تحركات هذه العصابات، مؤكدا في الوقت ذاته أن قوات الأمن تسخر كل إمكانياتها وطاقاتها لحماية المواطنين والممتلكات العامة والخاصة.
في حين قالت مصادر أخرى ان الملثمين هم من ازلام الحزب الحاكم ورجال الامن السابقين الذين نفذوا عمليات نهب وسلب وترويع للمواطنين.
في السياق ذاته، تعرض المركز التجاري الكبير «جيان» عند المدخل الشمالي للعاصمة التونسية، لعمليات نهب امس غداة مهاجمته اول من امس، كما تعرض حي المنزه السابع الراقي لعمليات نهب وسلب.
في حين عزلت الشرطة التونسية قلب العاصمة التونسية باغلاق الشوارع المؤدية الى شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي الذي شهد اول من امس تظاهرات عارمة واقيمت حواجز حديدية في الطرق المؤدية الى شارع بورقيبة مانعة السيارات القليلة والمارة من المرور.
ميدانيا أيضا، افادت مصادر رسمية بأن حصيلة قتلى الحريق الذي اندلع في السجن المدني بمدينة المنستير بالساحل الشرقي لتونس تجاوز 42 قتيلا بحسب رئيس قسم الطب الشرعي بمستشفى جامعة المنستير علي الشاذلي.
وأوضح الشاذلي وفق ما ذكرته وكالة تونس افريقيا للانباء ان صورة الحادث تتمثل في استغلال عدد من المساجين حالة الانفلات الامني لمحاولة الفرار من السجن حيث حدثت فوضى تمكن من خلالها عدد من السجناء من الفرار فيما اضرم آخرون النار في جناح يضم اكثر من 90 سجينا.
وافاد بأن الضحايا قضوا حرقا او بسبب الدخان والغازات السامة المنبعثة عن الحريق.
«ديلي ميل»: أول ثورة بفعل «ويكيليس»
وصفت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية ما حدث في تونس بأنه أول ثورة تحدث بفعل التسريبات الأخيرة لموقع «ويكيليكس» لبرقيات ديبلوماسية أميركية، وجاء في تلك البرقيات التي نقلتها صحيفة «لو موند» الفرنسية أن المحيط العائلي للرئيس التونسي زين العابدين بن علي «أشبه بالمافيا» وأن النظام التونسي «لا يقبل لا النقد ولا النصح»، فيما ردت الحكومة التونسية وقتها بأن تلك الوثائق افتراءات «لا مصداقية لها» ولن يكون لها تأثير على العلاقات التونسية ـ الأميركية، حيث ذكرت إحدى البرقيات التي تم إرسالها في يونيو 2008 بعنوان «ما هو لكم هو لي» حيث ساقت السفارة الأميركية أكثر من 10 أمثلة عن إساءة استخدام أقرباء الرئيس التونسي للنفوذ.
صحف فرنسية تنتقد «عار» صمت باريس
انتقدت الصحف الفرنسية أمس صمت السلطات الفرنسية وعبرت عن قلقها على مستقبل تونس بعد مغادرة رئيسها البلاد.
وسخرت صحيفة ليبراسيون اليسارية من «الخليفة المضحك لبورقيبة العظيم ورئيس شرطة احد اشرس الانظمة في المنطقة»، معتبرة انه «لم يكن سوى رجل جبان وعندما ابلغه الشعب بضرورة رحيله، غادر يجر ذيول الهزيمة».
واضافت ان «هذا النظام كان زائفا وكل الذين دعموه باسم السياسة الواقعية أغبياء . عليهم الآن ان يوضحوا لماذا سقط الذي كانوا يعتبرونه حصنا متينا ضد الاسلاميين مثل قصر من ورق».
اما صحيفة «لا ريبوبليك» التي تصدر في البيرينيه فاشارت الى ان الثورة التونسية «حدثت بدون فرنسا، فرنسا الاليزيه والديبلوماسية حيث ارادت وزيرة الخارجية تقديم دعمها وخبرتها الأمنية الى نظام بن علي».
واضافت ان تصريحات بعض المسؤولين الفرنسيين ومن بينهم رئيس الحكومة فرانسوا فيون ووزيرة الخارجية ميشال اليو ماري و«صمت» الرئيس نيكولا ساركوزي ستؤثر الى حد كبير وتشكل «عارا».
تسلسل الوقائع.. منذ شهر
فيما يأتي تذكير بالأحداث في تونس:
ديسمبر 2010: بدء الحركة الاحتجاجية على البطالة وغلاء الأسعار في سيدي بوزيد (وسط الغرب) اثر إحراق محمد البوعزيزي البائع الجوال نفسه اثر مصادرة قوات الأمن عربته. ومواجهات عنيفة بين قوات الأمن ومتظاهرين وبدء حملة اعتقالات، وفي 24 منه اطلقت الشرطة النار على متظاهرين في منزل بوزيان التي تبعد 60 كلم عن سيدي بوزيد ما ادى الى سقوط قتيلين، وفي 28 منه دان الرئيس زين العابدين بن علي «الاستغلال السياسي» للأحداث.
يناير 2011: أعمال عنف في صيدا وتظاهرات في تالة تخللتها اعمال نهب واحراق مبان رسمية. وفي (8 ـ 10): اضطرابات دامية في القصرين وتالة والرقاب: 21 قتيلا بحسب السلطات واكثر من 50 بحسب مصدر نقابي. مواجهات في القيروان. وفي 11: اولى المواجهات في العاصمة التونسية وضاحيتها واستمرار العنف في القصرين والجامعات وفي 12: رئيس الوزراء يعلن اقالة وزير الداخلية واطلاق سراح الموقوفين المتورطين في اعمال تخريب، وفتح تحقيق في الفساد. وسقوط عدد كبير من القتلى في البلاد وانتشار الجيش في العاصمة التونسية وضاحية التضامن الشعبية ثم اعتقال زعيم الحزب الشيوعي لعمال تونس هما حمامي. فرض منع للتجول في العاصمة وضاحيتها، واستهداف المتظاهرين رموز السلطة والمال وفي 13 منه: انسحاب الجيش من العاصمة المطوقة من قبل القوات الخاصة. قالت فرنسا انها قلقة من «الاستخدام غير المتكافئ للعنف». أعمال تخريب ونهب في منتجع الحمامات. في خطاب موجه الى الشعب التونسي، تعهد بن علي مغادرة السلطة في 2014 وامر بوقف إطلاق النار على المتظاهرين ووعد «بالحرية الكاملة» وأعلن خفض الأسعار. وأعلنت حالة الطوارئ في جميع انحاء البلاد. وسيطر الجيش على المطار وأغلق المجال الجوي. ثم فرار الرئيس بن علي.
واقرأ ايضاً:
بوعزيزي.. البائع المتجول الذي أنهى حكم بن علي
المحطات الكبرى في تاريخ تونس منذ الاستقلال
بن علي.. مصلح تحوّل إلى حاكم مستبد
زعماء دول فرّوا من بلادهم إثر انتفاضات شعبية
موسى: ارتدادات تونس ستمتد للدول العربية
السعودية ترحب بقدوم الرئيس التونسي وأسرته
ليلى الطرابلسي.. «كوافيرة» سلطاتها فاقت الوزير الأول
فتوى عراقية تحرم العنف ضد المسيحيين وهروب 12 متشدداً من السجن في البصرة
البوسنة تحذر من فتنة داخلية نتيجة حوادث تخريبية للجوامع