- تفتــيـت العـالـــم العربـي يدخــل فـــي نـطـــاق الإستراتيجـيـة الأميركـيـة والإسرائيلـيـة
- الجنـوب لديـه كل شيء ولن يضيف في حال الانفصال إلا النشيد الوطني
- تهـديـــد الوجــود المسيحـي فـي المنطقـة العربيـة مسألـة مصطنعة مـن قبل أجهزة مخابرات
بيروت ـ اتحاد درويش
لا يخفي السفير السوداني في لبنان ادريس سليمان قلقه مما يشهده السودان من انفصال جنوبه عن شماله، وهو ينفي ان تكون النسبة التي بلغها الاستفتاء قد لامست الـ 60% ويعتبر في حديث لـ «الأنباء» ان هذا الاستفتاء هندسة أميركية ويضع ما يجري من تفتيت للعام العربي في نطاق الاستراتيجيات التي تتقاطع فيها الاستراتيجية الأميركية مع الاستراتيجية الاسرائيلية. ويشدد سليمان على ان الانفصال لا يخدم احدا على جميع الصعد وانه في حال تم فإن الجنوب لن يضيف شيئا سوى النشيد الوطني لانه يملك كل شيء، ويرى بأن انفصال الجنوب عن الشمال سيشجع الحركات الانفصالية في أفريقيا التي همدت لفترة، ويعتبر ان تهديد الوجود المسيحي في المنطقة العربية مسألة مصطنعة تقف وراءها اجهزة مخابرات، وفيما يلي تفاصيل الحوار:
هل بات السودان سودانين بعد أن بلغت نسبة التصويت على انفصال جنوب السودان عن شماله 60%؟
أولا ان ما اشيع عن ان نسبة المستفتين على الانفصال قد بلغت 60% غير صحيح، وهذا الامر تروج له الحركة الشعبية في جنوب السودان واعلامه الرسمي، لأن اي نسبة عن التصويت يجب ان تصدر عن المفوضية الخاصة بالاستفتاء لانها الجهة المخولة والتي تملك الارقام، وهي قالت ان النسبة لم تبلغ بعد هذا المبلغ، فالذين يدعون الى الانفصال ويحرصون عليه يحاولون دائما القيام بعملية دعاية واسعة لكي يحفزوا الناخب على التصويت، اذن الامر يحتاج الى انتظار عملية الفرز لان هناك عدة مراحل اولاها ان يكمل الاستفتاء النسبة المقررة حتى يصبح استفتاء قانونيا يصل الى 60%، ربما تكون هنالك مؤشرات تدل على الانفصال وربما تكون الوحدة اكيدة، وربما ايضا الانفصال الى سودانين ولكن هذا يستدعي انتظار النتائج، بالطبع نحن لا نريد ان ينفصل السودان الى دولتين، وهذا الانفصال والاستفتاء هندسة أميركية، فالولايات المتحدة الاميركية تريد أن تحقق استراتيجيات في هذه المنطقة، هذه الاستراتيجيات تتقاطع مع مصالح اسرائيل واستراتيجيتها في تفتيت البلاد العربية للاسف الشديد، من هنا نرى هذا الاهتمام الاميركي بالاستفتاء، فالناطق الرسمي باسم مجلس الامن القومي الاميركي يقول ان السودان من اهم اولويات الادارة الاميركية والرئيس الاميركي اوباما لا ينام حتى يقرأ تقريرا عن تطورات الاحداث في السودان، ومجلس الأمن القومي يجتمع كل ثلاثة ايام لمناقشة موضوع السودان، وهنالك لجنة في مجلس الأمن القومي تجتمع يوميا وتصدر توجيهات تتعلق باستفتاء جنوب السودان، وحتى الاجتماع الذي عقد في نيويورك في سبتمبر الماضي على هامش الجمعية العامة للامم المتحدة كان بدافع من الولايات المتحدة الأميركية.
عمل استخباراتي
ما الآثار والنتائج المترتبة على هذا الانفصال في ضوء ما نشهده من توترات في المنطقة من خلال ضرب صورة التعايش بين الاقباط والمسلمين في مصر وصولا الى العراق وتهجير المسيحيين فيه وهل ترى ان هناك نزعة انفصالية لدى اقليات المنطقة؟
ان ما يتم الحديث عنه من تهديد للوجود المسيحي في المنطقة العربية مسألة مصطنعة تقف وراءها اجهزة مخابرات ليظل المسيحيون والمسلمون في هذه المنطقة في حال من التشرذم، ان المسلمين والمسيحيين في المنطقة العربية اخوة تربطهم علاقات حميمة وتعايش مشترك عمره مئات السنين والحضارة الاسلامية او المشروع العربي هو مشروع يستوعب التنوع حتى في شكله الاسلامي او حتى في دولة الاسلام ودولة الخلافة سواء في العهد العباسي او بني امية او في الاندلس، كان المسيحيون والمسلمون يدا بيد يبنون حضارتهم في هذه المنطقة، اذن لا يوجد خطر على المسيحيين وهم ليسوا مستهدفين، ما يحدث هو عمل استخباراتي خارجي القصد منه خلق الفتنة، والحديث عن ان المسيحيين في الشرق يتعرضون للاضطهاد هو حديث مصطنع ومختلق لا اساس له، وكلنا يعلم ان هذا المجتمع هو مجتمع متعايش مع بعضه بمسلميه ومسيحييه وحتى يهوده ولا توجد لدينا اصلا هذه النزعة الانفصالية بل على العكس لا يكتمل ايمان الانسان المسلم الا اذا آمن بالمسيح والانجيل ومريم وبكل ما انزل من قبل، اذن هذه مسألة مصطنعة وموجة استخباراتية ستنتهي قريبا، والمقصود الآن وضع المنطقة على صفيح ساخن لأن التسوية في المنطقة سقطت واسرائيل لا تريد السلام ولا حتى اعادة اي شبر من الاراضي العربية وبالتالي تريد ان تشغل العرب بمواضيع جانبية من خلال قيامها بتفجير هنا وهناك ويقال بأن المسلمين هم الذين يفعلون ذلك او «القاعدة»، اذن هذه الافعال هي من صنع المخابرات الاجنبية لخلق مشاكل وفتن وزعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الاوسط كله.
سايكس بيكو الجديدة
ما رد الفعل العربي الرسمي والشعبي على هذا الحدث الانفصالي الذي يمر وكأنه حدث عادي ولم نشهد تظاهرة او حتى قمة عربية لبحث هذا الموضوع؟
ان العرب منشغلون بقضاياهم الداخلية، هناك قضايا داخلية كثيرة في كل الاقطار العربية، لا يوجد قطر عربي مرتاح في ظل وجود القلاقل والمشاكل ومحاولات الانفصال من العراق والصومال واليمن، والاتحاد الافريقي لا يستطيع ان يفعل شيئا لان الفعل الاستراتيجي الموجود في العالم اكبر من طاقاتهم بكثير في ظل محاولات التفتيت وسايكس بيكو الجديدة، للاسف الشديد نحن نعاني الآن في المنطقة حالاً من الضعف وبالتالي اصبحت مناطق الضغط المنخفض تهب عليها الرياح ولا تستطيع بضعفها وتفككها وعدم اجتماعها الا حماية نفسها، حتى السودان يحاول ان يحمي نفسه بدل ان ينقسم الى خمس دول واذا انقسم الى دولتين فهو مكسب لان الخطر والمخطط هو تقسيمه الى خمس دول غرب دارفور يراد لها ان تكون دولة، ووسط السودان وشماله وشرقه، اذن هناك مخاطر ورياح عاتية تجتاح هذه المنطقة والجميع يحاول حماية نفسه لكن هذه الاوضاع لن تستمر طويلا لان المنطقة العربية ستصحو وتنهض وتعيد كل الامور الى عكسها بمزيد من التوحد والمنعة والعزة.
حكمة الرئيس البشير
في الوقت الذي وصف فيه رئيس حكومة جنوب السودان سلفا كير الاستفتاء باللحظة التاريخية كان الرئيس عمر البشير يتوجه لمواطني الشمال لتقبل فكرة الانقسام؟
لابد من القول ان شحنا كبيرا تمت ممارسته على الجماهير من قبل من يريد الانفصال وهذا الامر كان يمكن له ان يؤدي الى إراقة الدماء لأن الاثارة والغوغائية ضد الشمال موجودة وكان يمكن لها ان تثير النزاع والحرب لأن من يقف خلف الانفصال لا يريد الانفصال فقط بل يريد مع الانفصال إراقة الدماء، والرئيس عمر البشير ذهب الى جوبا وسكب دلوا من الماء على هذه النار وكان يمكن له ان يصب زيتا لكنه بحكمته اختار ان يذهب الى هناك ويقول للمواطن الجنوبي لا ترتعب ولا تحسب ان هناك من يريد الضغط أو يكرهك على خيار لا تريده بل أنتم أحرار واختاروا ما تشاءون، إذن هذه حكمته وإذا كان الانفصال لابد منه فليكن الانفصال بسلام واستقرار وأمن.
أما ما عبّر عنه سلفا كير باللحظة التاريخية، فإن هذه الفرحة في غير مكانها لأنه إذا حدث الانفصال فإن الكثير ينتظر الجنوب فهو دولة متعددة الأعراق واللغات والديانات ودولة لا تمتلك، إذا انفصلت، البنى التحتية أو المؤسساتية وتفتقر الى كل مقومات قيام الدولة وينتظرها بعد عملية الانفصال، إذا تمت، الإعمار والى ملايين الدولارات، وتحتاج الى قيادة رشيدة غير متوافرة الآن وبالتالي هذا هو الخطر الحقيقي، فالجهة التي لا تملك مؤسسات الدولة تحاول ان تشغل الشعب بمواضيع خارجية وتبحث عن مشاكل تعلق عليها أخطاءها واخفاقاتها.
تشجيع الحركات الانفصالية
في حال حصل الانفصال كيف سيكون شكل العلاقة بين الجنوب والشمال؟
أولا إذا حدث الانفصال لا أعتقد انه سيعمر طويلا والسودان هو بوحدته، أما عن شكل العلاقة بين الشمال والجنوب فهناك العديد من المواضيع التي ينبغي ان تبحث ويتم التفاوض حولها للوصول الى حلول أو الى اتفاقيات كالمسائل المتعلقة بحدود الدولة الوليدة إن ولدت ومسائل الجنسية والعملة والنفط والمياه والترتيبات الأمنية والاتفاقيات الدولية السابقة ومنطقة آبيي، هذه كلها ملفات مازالت عالقة ولابد من معالجتها من خلال التفاوض، وما أخشاه ان يكون الجنوب دولة تابعة كأن تأتي عناصر خارجية وتستغل ظروف الفقر لكي تجعل منها قاعدة للعمل ضد الشمال سواء كانت الولايات المتحدة الأميركية أو اسرائيل أو غيرهما من الدول التي لها مصالح استراتيجية في هذه المنطقة، كذلك فإن المخاطر التي يمكن ان تقود اليها عملية الانفصال، ان تمت، تشجيع الحركات الانفصالية في كل أفريقيا التي همدت حركاتها الانفصالية والتي يمكن ان تنتفض مرة أخرى، وما نشهده من المحيط الهندي الى المحيط الأطلسي هو مشاكل شمال وجنوب ولننظر الى ما يحدث في ساحل العاج ونيجيريا والسنغال، إذن كل ما نشهده من تفتيت للعالم العربي يدخل في نطاق الاستراتيجيات التي تتقاطع فيها الاستراتيجية الأميركية مع الاستراتيجية الاسرائيلية التي تقود الى تفتيت المنطقة العربية ليكون وجود اسرائيل وجودا طبيعيا وسط دول مقسمة الى طوائف ومذاهب وعرقيات.
إذن هناك أخطار حقيقية ستنجم عن الانفصال الذي لا يخدم أحدا سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية، فالجنوب لن يضيف شيئا غير القطع الموسيقية التي هي النشيد الوطني، فهو لديه كل السلطات ويشارك في حكومة الشمال بأكثر من الثلث ولديه الميزانية والجيش الشعبي والدستور والقوانين والعلم وبالتالي لن يضيف شىيئا بل سيخسر الكثير.
بروتوكول آبيي
هل احتمالات الحرب في آبيي ستبقى قائمة أم ان المشاكل ستحل بحلول الانفصال المتوقع؟
لا يجوز ان تكون هناك حرب لأنه لا يوجد جيش في هذه المنطقة، وما يحصل فيها هو نزاع بين الأهالي بسبب التوترات والبلبلة التي خلفتها الحركة الشعبية في هذه المنطقة التي لا حل لقضيتها إلا بتطبيق بروتوكول آبيي، نحن لم نطبق اتفاقية السلام وهي تتعلق بـ 700 ألف كلم من مساحة السودان، نحن مع ان تطبيق هذه الاتفاقية وهناك الآن ادارة مشتركة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية في آبيي وهذه الادارة ستستمر الى ان يتم تنفيذ بروتوكول آبيي الذي يقول ان من حق سكان آبيي ان يستفتوا ويدلوا بأصواتهم ويختاروا بين الشمال والجنوب، هل يكون ادارة مستقلة في الشمال كما هي الحال عليه الآن أم يذهبون وينضمون الى ولاية بحر الغزال في جنوب السودان، هذا هو الخيار سواء انفصل الجنوب أو بقي، وهم من حقهم ان يختاروا بين ان يبقوا وحدة ادارية قائمة بذاتها في الشمال أو ينضموا الى ولاية من ولايات الجنوب، والبروتوكول يقول ان المواطنين الذين يحق لهم التصويت هم «الدنكا» الجنوبية بالاضافة الى القبائل السودانية التي تقطن في المنطقة وأهمها «المسيرية»، والحركة الشعبية حاولت ان تحرض في اتجاه انه لا ينبغي للآخرين أي للقبائل الأخرى من غير الجنوبيين ان تشترك في الاستفتاء.