يبدأ الرئيس الأميركي باراك أوباما غدا «الخميس» عامه الرئاسي الثالث، وسط مؤشرات عديدة تشير إلى تضاؤل فرصه في الفوز في انتخابات الرئاسة المقبلة، خاصة إذا لم يتمكن من إحداث اختراقات داخلية وخارجية تعيد حالة الزخم الشعبي التي حظي بها قبل عامين. وصل أوباما إلى سدة الرئاسة الأميركية في 20 يناير 2009 ممتطيا شعار «التغيير».
وعلى المستوى الداخلي، استطاع أوباما وحزبه الديمقراطي خلال العامين السابقين تمرير عدد قياسي من سياسات التحفيز الاقتصادية والمالية والاجتماعية من خلال ضخ نحو مليار دولار في الاقتصاد وإنقاذ عدد من شركات صناعة السيارات ووضع تشريع للإصلاح والرقابة المالية وإقرار قانون الرعاية الصحية ووضع برامج للقروض الطلابية، لكن هذه الإجراءات لم تسفر عن إنقاذ الداخل الأميركي كما وعد أوباما خلال حملته الرئاسية.
وتوضح الأرقام أن عام 2010 كان هو الأسوأ اقتصاديا للولايات المتحدة. ويعتقد العديد من المحللين الأميركيين أن المواطن الأميركي أصدر حكمه على الرئيس أوباما من خلال وعوده بالتغيير، وليس من خلال عمل المؤسسات الأميركية التي تحد كثيرا من قدرة الرئيس وخاصة في القضايا الداخلية.
حيث يقول المحلل بروكينغز توماس: «إنه لا يوجد زعيم للحزب الحاكم يمكن أن يزدهر سياسيا في الأوقات الاقتصادية الصعبة»، ويرى أن توقعات العديد من الأميركيين كانت عالية جدا، بحيث أصابتهم النتائج بخيبة أمل، كما أن الإثارة التي بدت في حملة أوباما الرئاسية أثبتت أنها سلاح ذو حدين، ولذا لم يكن أمام الناخبين سوى معاقبة أوباما والحزب الديموقراطي في انتخابات التجديد النصفي بعد أن هبطت شعبية أوباما لحوالي 40% بعد قرابة عامين من توليه الرئاسة. ويؤكد خبراء اقتصاديون أن المواطن الأميركي لا يهمه كثيرا الوقت الذي يتعافى عنده الاقتصاد الأميركي بشكل كلي، لكنه يضع الاعتبار فقط لحياته اليومية وتأثيرات تلك التشريعات السابقة عليه، وبالتالي لم تكن هناك رؤى إيجابية للعديد من إجراءات التحفيز الاقتصادية، حيث تشير معظم استطلاعات الرأي إلى أن 20% من القوى العاملة الأميركية افتقروا لفرص عمل مناسبة على مدار العامين السابقين وأنهم كافحوا لتدبير احتياجاتهم مع انخفاض الموارد والآفاق القاتمة لفرص العمل، بينما يعارض 52% من الأميركيين قانون الرعاية الصحية مقابل 48% يؤيدونه.
ولم تكن ثورة التوقعات الخارجية أقل من نظيرتها داخل الولايات المتحدة الأميركية بعد وصول أوباما إلى البيت الأبيض، لاسيما انه وعد بعودة الشراكة العالمية لحل القضايا الدولية التي تهدد الاستقرار العالمي.
وتميز العامان السابقان من رئاسة أوباما بمحاولة الانقلاب على سياسات إدارة الرئيس السابق بوش الابن. لكن محصلة العامين تقول إن أوباما لم يتمكن من تحقيق اختراقات ديبلوماسية في مجال السياسات الخارجية، ولم يستطع بعد عامين ان ينجز شيئا كثيرا من سجل الوعود التي قدمها.
وعلى سبيل المثال، فإن إدارة أوباما لم تقم بالضغوط التي كانت متوقعة لإجبار إسرائيل على استمرار التفاوض المباشر مع الفلسطينيين، بل يرى البعض أن التحالف الأميركي الإسرائيلي يتعزز مع كل رفض إسرائيلي لاستمرار المفاوضات.
وفي الملف الإيراني يعتقد المحللون الأميركيون أن إدارة أوباما تسير ببطء شديد في معالجة الأزمة بين إيران والغرب، في وقت تصر فيه إيران على تعزيز قدراتها النووية.
ولم يكن الوضع أفضل حالا في الملف الكوري الشمالي في ظل تفاقم الصراع بين الكوريتين خلال عام 2010.
والأخطر من ذلك أن فترة العامين السابقين شهدت مزيدا من تعثر القوات الأميركية والدولية في أفغانستان وباكستان، بل تزايد التهديد الإرهابي مجددا بعد ان فتحت حرب جديدة ضد القاعدة في اليمن. وأمام هذه النتائج المحدودة داخليا وخارجيا، ترى بعض دوائر الفكر الأميركية أن الرئيس الأميركي باراك أوباما ليس أمامه خيارات كثيرة حتى يعزز موقعه الداخلي ويجدد آماله في الفوز بولاية رئاسية ثانية.
ويأتي في مقدمة هذه الخيارات محاولة أوباما والحزب الديمقراطي استمالة الليبراليين والمستقلين من خلال السعي لتنفيذ سياسة داخلية تنعش الوضع الاقتصادي.
لكن هذا الخيار يحول دونه عدم التوافق القائم بين الحزبين الديموقراطي والجمهوري.
أما الخيار الثاني، وهو الذي يعمل به أوباما بعد الخسارة الأخيرة للديموقراطيين في الكونغرس، فهو تخليه عن مبادرات داخلية سابقة يعارضها الجمهوريون، في مقابل تمرير تشريعات أخرى معدلة على نحو جذري، ومحاولة إقناع الناخبين الأميركيين أنه صار في منطقة وسط بين الحزبين.
ويشير الكاتب تشالز كروثامر في صحيفة الواشنطن بوست إلى انتهاج أوباما هذا الخيار، ويضرب مثلا على ذلك بموافقته على اتفاق الإعفاءات الضريبية عن أغنى الأميركيين في ديسمبر الماضي، وهو ما يقربه من اليمين، في مقابل موافقة الحزب الجمهوري على اتفاق ستارت مع روسيا.
وأما الخيار الثالث فهو استكمال للخيار الثاني، ويرتكز على محاولة أوباما تحقيق اختراقات خارجية تعيد له قدرا من شعبيته الداخلية. ويعتقد بعض المراقبين الأميركيين أنه من الضروري ان يسرع أوباما في انتهاج سياسات أكثر شمولية في جميع الملفات الساخنة.