في مقر نقابتهم بوسط تونس تجمع صحافيون اعتادوا الرقابة الصارمة كي يتأملوا معنى عصر الحرية الذي لم يتوقعوا قدومه قط.
وقال الصحافي زهير طابة بصحيفة «الحرية» المملوكة لحزب التجمع الدستوري الديموقراطي الذي هيمن على السياسة في البلاد لعقود ان اطاحة الثورة الشعبية بالرئيس زين العابدين بن علي في الرابع عشر من يناير «تغمر مشاعر السعادة المواطنين لكنها تمتزج بالقلق».
واضاف «ثمة مخاوف كبرى من ان تستثني الصحافة من الثورة وان تنتهج الجمهورية الجديدة نفس مسلك سابقتها تجاه الإعلام».
وأدرك الصحافيون في وسائل الإعلام المكتوبة انهم اضحوا احرارا في كتابة ما يرغبون. وبعدما ادان التلفزيون الرسمي الحركة لاسابيع ووصفها بالعنف والشغب صارت يوم الاحد «ثورة».
وغيرت محطة التلفزيون اسمها من المحطة السابعة ـ تيمنا باليوم الذي تولى فيه بن علي السلطة في 7 نوفمبر عام 1987 ـ إلى التلفزة الوطنية التونسية وبدأت تذيع برامج حوارية لا تنقطع تشارك فيها شخصيات معارضة ونشطاء حقوقيون ومفكرون لم يسبق لهم الظهور على شاشات التلفزيون للاحتفال بانتهاء الحقبة الدكتاتورية.
كما بدأت ببث الأذان والادعية الدينية التي كانت ممنوعة سابقا.
واشيد بالجيش بوصفه منقذ الامة لقمعه ميليشيات على صله ببن علي وسرعان ما تحول الوصف الرسمي من انتفاضة إلى «ثورة الشعب من اجل الحرية والكرامة».
بيد ان صحافيين اشاروا إلى ان شبكة كبار الصحافيين والمديرين والرقباء التي شكلها بن علي للسيطرة على وسائل الاعلام لاتزال قائمة في مكانها لذا فلا يمكن البدء الآن في اي تغييرات.
وقال طابة ان صحيفة الحرية توقفت فجأة عن الصدور في اليوم التالي لمغادرة بن علي. واضاف «جهزنا عدد يوم السبت لكن اليوم التالي لم يطبع ولم نعرف من كان صاحب القرار. في العدد الاخير ايدنا الثورة ونشرنا أن ارادة الشعب تحققت».
وفي صحيفة «الصباح» التي اشتراها صخر الماطري زوج ابنه بن علي في عام 2008، قال الصحافي صالح عطية ان الصحافيين ازاحوا الشخصيات التي تنتمي للنظام واعادوا تنظيم السياسة التحريرية.
وقال «اصبنا بصدمة تامة في أول يومين. كنا فخورين لكن خشينا عودة بن علي. خشي الصحافيون ان يتعرضوا للعقاب على ما يكتبونه إن هو عاد».
ويوم الاحد قبل الماضي، اعلن تعيين رئيس مؤقت مما بث في وسائل الاعلام ثقة أكبر.
وأبلغت «الصباح» الرقيب الذي يعمل داخل الصحيفة والذي عينه الماطري شخصيا بأن خدماته لم تعد مرغوبة.
وبدأت الصحف تنشر تقارير يومية عن فضائح السيدة الاولى السابقة ليلى الطرابلسي وهي شخصية يمقتها كثيرون بسبب نفوذها الواسع ونمط حياتها المترف.
ونشرت صحيفة في صدر صحيفتها صورة تم تعديلها باستخدام برنامج فوتوشوب تصور بن علي وزوجته يملآن صناديق الاقتراع بالدولارات.
وقال صحافيون ان بن علي سيطر على وسائل الاعلام من خلال شبكة من الموالين والانصار يوجههم مستشاره السياسي عبدالوهاب عبدالله، الذي اختفى وحرقت الفيلا التي كان يقطنها باحدى الضواحي الراقية.
وقال عطية «جعل عبدالوهاب عبدالله من وسائل الاعلام التونسية صحراء جرداء لا يهم فيها الا راي بن علي. كانت فكرته انه لا ينبغي سماع سوى صوت بن علي».
وكان يجري وقف الصحافيين عن العمل او ينقلون للعمل في وظائف اخرى داخل وسائل الاعلام المملوكة للدولة عقابا لهم على عدم انتهاج الخط الموضوع، وقال الصحافيون ان شرائح الهاتف المحمول التي وزعتها النقابة مجانا كانت حيلة للتجسس عليهم.
ورغم الحرية المفاجئة، يخشى عطية من الاتجاه الذي ستتخذه الانتفاضة، وقال إن ابواب البلاد مفتوحة امام محرضين عملاء وتدخل من دول عربية تحرص على فشل التجربة الديموقراطية وأشار إلى ليبيا وغيرها من الدول التي تخشى من تمدد الانتفاضة الشعبية اليها.