هدى العبود ـ خديجة حمودة عواصم ـ وكالات
على نحو لا يقل أهمية عن الزوبعة التي أثارتها تسريبات ويكيليكس، أثارت الوثائق السرية التي بدأت قناة «الجزيرة» بنشرها أمس الأول ضمن 1600 وثيقة سرية حول مفاوضات السلطة الفلسطينية مع إسرائيل في إطار عملية السلام، جدلا واسعا لم تقف عند حد الاتهام الذي وجهه أمس أمين سر اللجنة التنفيذية المنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه للقناة بالاجتزاء واخراج التصريحات التي أوردتها عن سياقها، بل امتدت على جميع مستويات السلطة حيث اتهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس بعد لقائه الرئيس المصري محمد حسني مبارك القناة بالتعمد في نشر هذه الوثائق ويهدف إلى خلط الأمور بين المقترحات الفلسطينية والإسرائيلية «وهذا عيب».
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل إن عبد ربه وفي مؤتمر صحافي عقده أمس خصيصا لتفنيد ما ورد في التقارير قال إن أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني هو من أعطى الضوء الأخضر لقناة «الجزيرة» لشن حملة سياسية من «الدرجة الأولى» على السلطة والقيادة الفلسطينية.
وقال عبد ربه بطريقة ساخرة للتعليق على برنامج «كشف المستور» الذي يستمر في نشر الوثائق على مدى 4 حلقات «أتوجه بالشكر العميق لسمو أمير قطر لإعطاء الضوء الأخضر لهذه الحملة التي بدأت الجزيرة شنها».
وفي اشارة الى مدير عام قناة الجزيرة وضاح خنفر قال عبد ربه «لا يمكن أن تكون هذه الحملة مسؤولية خنفر، هذه حملة سياسية من الدرجة الأولى وتأتي عادة بقرار على أعلى مستوى في الشقيقة قطر وعلى هذا نشكر أمير قطر على حرصه على الشفافية».
لكن عبد ربه لم ينف بشكل قاطع صحة الوثائق التي عرضتها «الجزيرة» ولكنه اتهمها باقتطاع بعض الكلمات وتركيب بعض النصوص ونسب كلام وخرائط إسرائيلية للجانب الفلسطيني.
وقال «لن نناقش صحة أو عدم صحة هذه الوثائق الآن» داعيا مؤسسات الأبحاث الفلسطينية المستقلة لتشكل فورا لجنة من بينها حتى تدرس هذه الوثائق وحتى تتيقن من مدى صحتها أو عدم صحتها ومن ناحية أخرى حتى تدرس مدى ما أوغلت فيه «الجزيرة» من اقتطاع لجمل خارج سياقها وجمل خارج زمانها وأقوال على سبيل السخرية والتحدي واعتبرت على أنها مواقف تفاوضية أو مواقف إسرائيلية نسبتها الجزيرة للجانب الفلسطيني».
واعتبر أن هذه الحملة تأتي بالتزامن مع حملة موازية يشنها وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإضعاف القيادة الفلسطينية وإخضاعها.
وأضاف «كان بمقدور الجزيرة الاتصال بنا وتقول بشكل مهني أن تكون هناك مساواة وعملية متوازية في معالجة أي شأن سياسي مهم وخطير».
واعتبر ان هذه الحملة غير المسبوقة ضد ابومازن «تذكر بحملة مماثلة ضد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات قبل كامب ديفيد وأثناءها وحتى استشهاد أبو عمار».
من جهته، أكد عباس «أنه ليس لدينا سر نخفيه». وقال «كل ما نتفاوض عليه أو يعرض علينا أو نعرضه من مقترحات نقدمه بالتفصيل للدول العربية مشفوعا بالوثائق والعرب جميعا يعرفون ذلك».
وسبق أن نقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط عن عباس قوله بخصوص الوثائق التي بثته «الجزيرة» «كل ما قمنا به من نشاطات مع الجانبين الإسرائيلي والأميركي يبلغ بها العرب بالتفاصيل».
في المقابل، قالت مصادر مسؤولة في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لـ «الأنباء»: انها تؤكد أن سلطة محمود عباس حاولت تصفية أهم ملفين في القضية الفلسطينية وهما ملفا القدس واللاجئين، كما تؤكد تورط السلطة في التنسيق مع الاحتلال الإسرائيلي والعمل ضد المقاومة وبالتالي التورط في العدوان على غزة أواخر العام 2008. وأضافت المصادر: هذه الوثائق تؤكد بما لا يقبل الشك مدى تواطؤ سلطة رام الله مع الاحتلال.
وفي السياق نفسه اكتفت مصادر في حركة الجهاد الإسلامي بالقول لـ «الأنباء»: إن ما حدث لم يفاجئ حركة الجهاد وأنها كانت تدرك أن السلطة الفلسطينية قدمت التنازل تلو التنازل في مفاوضات عبثية لم تسهم سوى في تفتيت القضية الفلسطينية وما هذه الوثائق إلا دليل حي على التواطؤ وهو أقل ما يمكن أن يقال في هذا الموضوع. وطالبت في بيان بـ «تحرك فلسطيني وعربي واسلامي لمواجهة هذا الكم الهائل من التآمر ومواجهة خطر يتعلق بتنفيذ الاحتلال لمخططات خطيرة مهدت لها هذه المفاوضات البائسة».
واعتبرت الحركة ان وثائق «الجزيرة» تشكك في «مشروعية وجود السلطة».
بدوره قال عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة أنور رجا لـ «الأنباء» لم نفاجأ كثيرا بهذه الوثائق لأننا كنا على يقين بأن المسار التفاوضي الذليل والبائس الذي سارت به سلطة أوسلو منذ ما يقارب عقدين من الزمن كان يوحي دائما بالنتائج التي جرى كشفها بما نشرته قناة الجزيرة من وثائق، وكل المقدمات والمعطيات تؤشر الى أن نهج التفاوض لسلطة رام الله يستجيب للإملاءات الأميركية والرغبات الصهيونية.
وقال المسؤول في الجبهة الشعبية إن هذه الفضيحة أقل ما يقال عنها انها خيانة عظمى ولن يجد أولئك التبريرات القادرة على تعويم خيانتهم، لكن وكي تستقيم الأمور ويشعر هؤلاء بأن الحبل ليس متروكا لهم على غاربه وأنهم سيسألون ويجلبون حيث يجب هنا اتخاذ الخطوات الوطنية العاجلة لعزلهم ومحاسبتهم ومحاكمتهم كي لا يأتي الأعظم حيث لا ينفع آنذاك الندم ولا يفيد طنين تصريحات الشجب والإدانة، وعلى قوى المقاومة أن تعمل على خطوة إنقاذية لتشكيل مرجعية وطنية انتقالية إلى أن تتم استعادة منظمة التحرير الفلسطينية إلى خطها الوطني المقاوم واسترجاعها من خاطفيها.
وكانت قناة الجزيرة الفضائية قامت امس الاول ببث مئات «الوثائق السرية» المتعلقة بالمفاوضات الفلسطينية ـ الاسرائيلية تناولت الدفعة الاولى منها ما وصفته المحطة القطرية بـ «التنازلات» التي قدمها المفاوض الفلسطيني فيما يتعلق بالقدس واللاجئين.
«الغارديان»: سجلات التفاوض الفلسطينية رسالة الانتحار الأطول في التاريخ
وصفت صحيفة «الغارديان» البريطانية سجلات المفاوضات الاسرائيلية ـ الفلسطينية التي تقوم «الجزيرة» بنشرها بأنها «رسالة الانتحار الاطول في التاريخ». ونقلت هيئة الاذاعة البريطانية (بي.بي.سي) عن الصحيفة البريطانية قولها: انه من الصعب تحديد من يرتسم بصورة اسوأ القادة: الفلسطينيون الضعفاء والجبناء والمتحمسون لكيل المديح لنظرائهم الاسرائيليين، ام الاسرائيليون المهذبون في كلماتهم والمحتقرون في افعالهم، وربما الاميركيون بالذات والذين تتجلى حياديتهم في تهديد الضعيف وشد ازر القوي، هذه الاطراف الثلاثة تعمل مجتمعة على اقامة دولة دمية باسم فلسطين تكون فاشية في احسن الاحوال، وبديلا لقوة الاحتلال في اسوأ الاحوال. ويهاجم المقال بشدة ما اسماه «تذلل رئيس طاقم المفاوضات الفلسطيني صائب عريقات».كما كتبت الصحيفة ان التنازلات الفلسطينية تتواصل، ويتواصل الاستيطان في القدس، والخارطة التي رسمت قبل سنتين سمحت لاسرائيل بضم كل المستوطنات في القدس الشرقية، ما عدا «هار حوا» او جبل ابوغنيم.
الرئيس الفلسطيني يعد باتخاذ «قرار لم يخطر على بال أحد»
أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمس الأول ان القيادة الفلسطينية ستتخذ قرارا «لم يخطر على بال أحد» بحال فشلت الخيارات المطروحة بشأن عملية السلام. وعدد عباس خلال لقائه رؤساء تحرير الصحف المصرية هذه الخيارات قائلا «المفاوضات او الذهاب لمجلس الأمن للاعتراف بالدولة الفلسطينية، او الذهاب للجمعية العامة للأمم المتحدة لعقد قمة الاتحاد من أجل السلام، او الذهاب لمجلس الأمن لفرض الوصاية على الأرض الفلسطينية». وأوضح عباس ان القيادة الفلسطينية لن تعلن خيارها الا بعد شهر سبتمبر المقبل الذي يشهد انتهاء «ثلاثة استحقاقات»، أولها «إعلان الرئيس الأميركي (باراك اوباما) أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي إنه يأمل أن يرى دولة فلسطين عضوا كاملا في الأمم المتحدة في سبتمبر المقبل». وتابع «الاستحقاق الثاني هو ان الرباعية الدولية اتفقت على ان تبدأ المفاوضات في سبتمبر الماضي وتنتهي في سبتمبر المقبل». اما عن الاستحقاق الثالث فلسطينيا فقال عباس «نحن تعهدنا اننا خلال مدة عامين تنتهي في سبتمبر ان ننشئ كل مقومات الدولة الفلسطينية ونحن في سبتمبر نكون قد انتهينا من إقامة جميع مقومات هذه الدولة ومؤسساتها».