ما هي إلا أيام وتعلن مفوضية الاستفتاء ميلاد دولة جديدة بجنوب السودان بعد ترجيح كبير لخيار الانفصال في الاستفتاء على تقرير المصير، آخر فصول اتفاقية السلام الشامل للعام 2005، وعقب فترة انتقالية تمتع فيها الإقليم بحكم ذاتي كامل وبـ 50% من إيرادات البترول بل وبنصيب وافر في الحكومة القومية.
غير ان الدولة الوليدة ستجد نفسها أمام أولويات سواء على الصعيد السياسي والاقتصادي للعبور إلى بر الأمان فمثلا ستواجه بنية تحتية ضعيفة، واقتصاد يعتمد بأكثر من 90% على البترول المعرض لأن ينضب في أي لحظة، ومن الناحية الاجتماعية حروب بين القبائل ونزاعات تاريخية خلفت حتى وقت قريب مئات القتلى. فمطار جوبا على سبيل المثال عبارة عن بناية صغيرة، وخدماته محدودة، أما طرقات المدينة فلم يعبد منها سوى القليل، وجل بيوت المدينة لاتزال بدائية، مبنية من خشب وصفيح، ناهيك عن المناطق البعيدة والأمصار التي تنعدم فيها أبسط مقومات التنمية.
وتبرز كذلك تحدي العلاقات مع دول الجوار، فالجنوب تحيط به 5 دول فقيرة وتنظر إلى قيام دولة جارة على أنها صيد ثمين سيحقق لها مكاسب اقتصادية، وهناك أيضا قضايا متشابكة مع الشمال لم تحل وتبرز مفارقة هنا في أن الجنوب يعتمد بنسبة 98% على البترول، وهذا البترول يصفى في الشمال ويصدر عبر الشمال أيضا.
من جانبه، قال وزير من جنوب السودان إن الجنوب عندما يستقل سيبحث الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية التي وجهت اتهاما للرئيس السوداني عمر حسن البشير بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية.
في سياق آخر، أشاد الرئيس السوداني عمر البشير بانتفاضة الشعب التونسي التي قادت إلى خلع الرئيس زين العابدين بن علي وفراره من البلاد، مؤكدا انه لن يهرب إن ثار السودانيون ضده، كما شدد -من ناحية أخرى ـ على أنه لن يتخاذل بشأن تطبيق الشريعة الإسلامية في الشمال بعد انفصال الجنوب. فقد حيا البشير في كلمة له بمدينة عطبرة بولاية نهر النيل شمالي السودان الشعب التونسي على انتفاضته، مؤكدا انه «في اليوم الذي يثور فيه الشعب السوداني ضدنا فإننا لن نهرب أو نخرج من البلاد لكننا سنخرج له ليرجمنا بالحجارة وسنبقى هنا وندفن في أرضنا». وأشار البشير إلى الدعوات التي بدأت تظهر لإسقاط الحكومة السودانية، وقال إن بعضا من «الواهمين» يتحدثون عن إسقاط الحكومة بعد الانفصال عبر التظاهرات والمسيرات «وهذا لن يحدث»، متهكما على «الذين كانوا يراهنون على زوال حكومة الإنقاذ منذ بداية عهدها». كما نبه الرئيس السوداني الى أن الحكومة لن تتخاذل من الآن وصاعدا ـ بعد الانفصال المحتوم عن الجنوب ـ عن تطبيق الشريعة الإسلامية، «ولن نتنازل عنها أو نساوم بها أو نجامل فيها أي شخص أو جهة»، نافيا تسبب الشريعة في اختيار الجنوبيين للانفصال. وأكد أن السودان لن ينصب سرادق العزاء حدادا أو حزنا على انفصال الإقليم بل سيقف معه لبناء دولته بسبب الإخاء والصداقة بين الطرفين، على حد قوله. على صعيد آخر أظهرت وثائق لمفوضية استفتاء جنوب السودان اطلعت عليها وكالة رويترز أن النتائج الأولية للتصويت في سبع مقاطعات من المقاطعات الـ 76 في جنوب السودان جاءت النسبة فيها فوق الـ 100% مما قد يلقي ظلالا على مصداقية عملية الاستفتاء. وأضافت الوكالة ان هذه التناقضات محدودة ومن غير المحتمل أن تغير النتيجة الحتمية التي يبدو جليا أنها تؤدي للانفصال، ولكن إذا لم يتم حلها فإنها ستجعل عملية الاستفتاء عرضة للطعون القضائية. بدورها، هونت المفوضية من هذا التناقض قائلة إنه لن يؤثر بأي حال على نتيجة الاستفتاء، واعتبرت بأنه خطأ لوجيستي ربما نتج عن أن «بعض الناس تم تسجيلهم لكن أغفلوا في الإحصاء في نهاية عملية التسجيل وأرسل التقرير قبل أوانه».