من الصعب اليوم تجاهل الدينامية الجديدة التي تمر بها الدول العربية منها تونس ومصر وحتى لبنان، رغم ان دينامية مصر وتونس تختلف عن الدينامية التي ظهرت في لبنان وقادت إلى انقلاب سياسي على مستوى السلطة، فهي في لبنان دينامية تحركها أحزاب وتيارات ضمن شرخ سياسي له طابع مذهبي وتديرها قوى إقليمية في صراع إقليمي ودولي، أما في تونس ومصر وسواهما، فإنها دينامية يحركها شباب وطبقة وسطى تحت عنوان الخلاص من الحكم السلطوي وبناء دولة ديموقراطية تضمن العدالة الاجتماعية والتنافس السياسي وحقوق الإنسان. ما هو مصير هذه الديناميات في الدول العربية؟
ويعتبر المنسق العام لتجمع اللجان والروابط الشعبية في لبنان المحامي معن بشور ان أوجه الشبه بين ما يجري في تونس ومصر تتلخص بوجود مشتركات عدة بين التحركات الشعبية الجارية في تونس ومصر وعدد من الدول العربية، ويمكن تصنيف هذه المشتركات بالعناوين التالية. أولا: ان هذه التحركات تكشف ان المنطقة بشكل عام قد بدأت تدخل في مرحلة جديدة عنوانها التغيير. ثانيا: ان التغيير هذه المرة لن يأتي على شكل انقلابات عسكرية او تبدلات من داخل النظام وانما من خلال انتفاضات شعبية هي عفوية في البداية، كما انها مفاجأة للأنظمة كما للمعارضة الحزبية ذاته. ثالثا: ان هذا التغيير الشعبي المتصاعد كما ونوعا في أكثر من بلد عربي، بات يستخدم أدوات ووسائل وآليات جديدة، فبعد ان نجح نظام القمع العربي في خنق الحريات، ومنع التجمعات، وتفكيك الأحزاب، وتجويف النقابات، ومصادرة مؤسسات المجتمع، ابتكر الشباب في هذه الدول وسائل تواصل وتضامن جديدة تعبر عن نفسها بالاستفادة من منجزات ما يسمى بثورة المعلومات. رابعا: بات من الواضح ان الدول الغربية التي طالما ساندت هذه الأنظمة القائمة، والتي بدورها كانت تخضع عمليا لإملاءات هذا الخارج الغربي، قد بدأت تسحب يدها بطريقة او بأخرى من هذه الأنظمة، ولعل تصريح وزير الدفاع الفرنسي الذي يتهم النظام في مصر بانه غير ديموقراطي، هو أكثر المواقف دلالة على ان الحكومة الفرنسية تخلت عن نظام كان من اشد الأنظمة صداقة لها وعلاقة بها. خامسا: ان المشترك في الأنظمة التي تواجه هذه التحركات الشعبية، هو انها خاضعة عموما وبدرجة او أخرى إلى ثلاثية تقوم على الاستبداد والفساد والتبعية.
ولدى سؤاله: تحدثت عن دور للدول الكبرى اذ نلاحظ اليوم انها تقوم بتزكية هذه التحركات الشعبية، فما هو دورها اليوم في هذا الخصوص؟ يجيب:» اعتقد ان الموقف الذي نسمعه اليوم من العواصم الأميركية والغربية يعبر عن امور عدة معا. أولها: شعور هذه الدول بضرورة مسايرة المزاج الشعبي في المنطقة بعدما قامت لعقود طويلة بدعم أنظمة الاستبداد في وجه شعوبها. ثانيا: تحاول من خلال تدخلها كما رأينا في تونس بشكل خاص، ان تحرف مسار هذه التحركات عن وجهتها الحقيقية، وان تضع لها سقفا معينا عنوانه تغيير في رأس النظام لا في مضمونه وسياسته الحقيقة. ثالثا: تريد ان تنسجم ظاهريا على الأقل مع دعاواها للانحياز إلى الديموقراطية والإصلاح الذي تحدثت عنه طويلا.
وبسؤاله: هل يمكن القول اليوم انه من وراء هذه التحركات اصبح الشعب يملك قرار التغيير في الدول العربية؟ أجاب بشور: من السابق لأوانه الحديث عن شعب يمتلك قواعد التغيير، ولكن بالتأكيد ان ما يجري في الدول العربية يشير الى ان المنطقة قد دخلت في مسار التغيير وان هذا التغيير يتم ولو على مراحل على يد الشعوب، فالشعب اليوم فرض نفسه في المعادلة بعد إهمال طويل لدوره لرأيه ولمؤسساته، فإما تغيير في النظام كحد أقصى، وإما تغيير في السياسات كحد أدنى.
الى ماذا ستوصل هذه التحركات؟ يقول بشور انها ستوصل الى وطن عربي جديد وإلى علاقات جديدة داخل الدول العربية بين الحاكم والمواطن، والى موقع جديد للعرب في الخارطة الدولية، لا يكون فيها العرب مجرد خاضعين لإملاءات الخارج.