تحوّل الانقسام الحاد في الشارع المصري أمس إلى اشتباكات دموية تخللها استخدام الهراوات والعصي، بين مؤيدي ما جاء في خطاب الرئيس المصري محمد حسني مبارك، الذي تعهد بعدم الترشح في الانتخابات المقبلة ومن انضم إليهم من المعارضين السابقين، وبين رافض ومصمم على تنحيه قبل يوم الغد، انقسم الشارع المصري بشكل غير مسبوق.
ومع استمرار الاشتباكات إلى ما بعد الظهر، سمع دوي طلقات رصاص، فيما تبادل الفريقان الاتهامات باستفزاز الآخر والبدء بالاشتباكات.
ولم تفلح مناشدات الجيش الشباب المصري العودة إلى منازلهم بعد ان عرفت رسالتهم ومطالبهم وقال في بيان «انتم بدأتم الخروج للتعبير عن مطالبكم وانتم القادرون على إعادة الحياة الطبيعية لمصر».
حيث دعت القوات المسلحة في بيان صحافي إلى تلبية نداء الوطن بالعمل الجاد المثمر، مؤكدة ان الجيش والشعب قادران على ان يغيرا الموقف الحالي بالعزيمة والرجولة والشهامة.
وكان الألوف من مناصري مبارك تدفقوا من عدة منافذ إلى الميدان، بينما قال شاهــد عيــان لـ «يونايتد برس انترناشونال» ان بين المناصرين لمبارك أعضاء في الحزب الوطني الحاكم و«آخرين غير معروفين يعتقد أنهم عناصر في الشرطة القديمة وأشخاص مأجورون من رجال أعمال».
وكانت تقارير صحافية زعمت ان بعض رجال الأعمال في الحزب الحاكم دفعوا نقودا لاستئجار «البلطجية» وتنظيم المتظاهرات وان بعض مؤسسات الدولة كالمستشفيات الحكومية وبعض المصانع حشدت موظفيها لتأييد مبارك، ولم يتسن لـ «يونايتد برس» انترناشونال التأكد من صحة هذه التقارير.
لكن قياديين في الحزب الوطني نفوا هذه الاتهامات جملة وتفصيلا، مشيرين الى أن هذه المظاهرات خرجت عفوية للتعبير عن دعم الرئيس مبارك ودللوا على ذلك بأن من بين المتظاهرين نساء وشبانا وشابات وأطفالا خرجوا للتعبير عن رأيهم، وقد انضم إلى هؤلاء الكثير ممن كانوا يتظاهرون ضده، معتبرين أن المعارضة قد حققت ما نزلت إلى الشارع لأجله.
واستخدم المتظاهرون في ميدان التحرير كل ما وقع تحت أيديهم من حجارة وزجاجات فارغة في محاولة لصد هجمات الفريق الآخر.
وفي وجه المؤيدين قام أنصار المعارضة بنصب الحواجز وتبادل رمي الحجارة مع أنصار مبارك المحتشدين قرب المتحف المصري في مدخل ميدان التحرير، واستولت مجموعة من المتظاهرين لم تتضح هوياتهم على عدة سيارات عسكرية من وسطه.
وهرعت سيارات الإسعاف إلى الميدان لإجلاء الجرحى الذين بلغوا العشرات من الطرفين، وقال نشطاء أن أكثر من 500 قد أصيبوا كما نقلت قناة العربية عن مصادر طبية سقوط قتلى خلال الاشتباكات التي استخدمت خلالها العصي والخناجر والسيوف.
وقال شاهد عيان ان عدد المتظاهرين المعارضين في ميدان التحرير بدأ يتناقص وقدر البعض عددهم بعشرة آلاف فيما أشار آخرون إلى أنهم لا يتجاوزون الخمسة آلاف.
وألقى محتجون مناهضون للحكومة محتشدون في ميدان التحرير باللوم في أعمال العنف على رجال امن يرتدون ملابس مدنية.
لكن التلفزيون المصري نفى أن يكون رجال امن بملابس مدنية شاركوا في الاشتباكات.
البرادعي يتهم
واتهم زعيم الجمعية الوطنية للتغيير محمد البرادعي الحكومة باستخدام «تكتيكات الرعب في تعاملها مع المتظاهرين»، كما أكدت جماعة الاخوان المسلمين في بيان بعد ظهر أمس رفضها بقاء الرئيس المصري حسني مبارك في السلطة، مؤكدة انها «لا تقبل لرحيل النظام بديلا».
وقال البيان ان «الشعب يرفض كل الإجراءات الجزئية التي طرحها الرئيس مبارك أمس ولا يقبل لرحيل النظام بديلا».
وقد تعرضت مكاتب صحيفة الشروق المصرية المعارضة لهجمات على أيدي «بلطجية» فيما أخلت صحيفة «المصري اليوم» مكاتبها في وسط القاهرة.
وشهدت منطقة المهندسين في القاهرة أيضا مظاهرة مؤيدة للحزب الحاكم ضمت حوالي 15 و 20 ألف شخص.
وكان الآلاف من أنصار مبارك بدأوا صباح امس تنظيم مظاهرات في القاهرة ومدن مصرية أخرى تدعم جملة إصلاحات دستورية أعلن عنها الرئيس المصري وتندد بقوى المعارضة التي تطالب برحيله.
ورفع أنصار الرئيس صوره ولافتات كتب عليها «يا مبارك يا حبيبنا»، و«نعم لمبارك لا للبرادعي» و«حسني مبارك غيره ما فيش».
وفي المقابل أكد بسام سعيد 22 عاما ان المعارضة لن تخلي ميدان التحرير على الرغم من قيام أنصار مبارك بالاحتكاك بهم ومحاولتهم تحطيم اللافتات المعارضة التي تطالب برحيله.
كما نظمت مظاهرات عدة مؤيدة لمبارك في مدينة الإسكندرية الساحلية وخاصة في مناطق سموحة الراقية التي تظاهر فيها نحو ألفي شخص ومحطة مصر والجمرك.
وبعد تدهور الأوضاع الميدانية، دعت وزارة الخارجية كل الأطرف في مصر لضبط النفس وتفادي العنف، لكن المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية اعتبر ان دعوات جهات أجنبية إلى «مرحلة انتقالية تبدأ الآن» أمر «مرفوض ويهدف الى تأجيج الوضع الداخلي» في مصر.
وجاء ذلك ردا على دعوة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون لان تكون «المرحلة الانتقالية (في مصر) سريعة» وان «تتسم بالمصداقية وتبدأ الآن».
وهو نفس موقف وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون التي طالبت مبارك بالتحرك «بأسرع وقت ممكن» لتحقيق «الانتقال» السياسي الذي يطالب به المتظاهرون.
تعديلات دستورية
على الصعيد السياسي، ذكر رئيس مجلس الشعب د.احمد فتحي سرور ان التعديلات الدستورية المتعلقة بالمادتين 76 و77 من الدستور المصري اللتين طالب بتعديلهما الرئيس حسني مبارك في كلمته الليلة قبل الماضية والمتعلقتين بمدة وشروط الترشيح للرئاسة، لن يستغرق أكثر من شهرين ونصف الشهر.
وأوضح سرور في تصريح للتلفزيون المصري أمس انه لابد ان يمضي شهران على الأقل من يوم طلب التعديلات كي يفصل المجلس فيها، مبينا انه في حال إقرار التعديلات فانه يتعين ان تعرض على الشعب في استفتاء عام.
وأعرب عن أمله في ان يتم النظر بتلك القوانين عقب تصحيح عضوية مجلس الشعب من خلال إجراء انتخابات جديدة في الدوائر التي تبطل عضوية نوابها متوقعا تغيير تركيبة المجلس بزيادة نسبة المعارضة.
وكان مجلسا الشعب والشورى قررا أمس أيضا تعليق جلساتهما لأجل غير مسمى إلى حين الفصل في الطعون الانتخابية والأحكام القضائية التي وردت بحق نواب المجلسين وذلك بإجراء اتصالات مع اللجنة العليا للانتخابات لإرسال أسماء النواب الذين صدرت ضدهم أحكام بوقف الانتخابات أو بطلان إعلان نتيجتها او وقف تنفيذها.
من أجواء الأحداث
مؤيدون نزلوا ميدان التحرير بالجمال والخيول: قال شاهد من «رويترز» ان مؤيدي الرئيس المصري حسني مبارك ركبوا الخيل والجمال في طريقهم إلى ميدان التحرير حيث دارت الاشتباكات مع المحتجين المعارضين للرئيس.
الاعتداء على طاقم قناة العربية: قال طاقم قناة العربية التلفزيونية انه تعرض للاعتداءات وهجمات بالعصي والحجارة من قبل مؤيدي الرئيس محمد حسني مبارك في ميدان مصطفى محمود بالمهندسين. وقال الطاقم ان أحد مراسليه اصيب بجروح ونقل الى المستشفى حيث تلقى العلاج هناك. وفي وقت لاحق اعلنت القناة ان قياديا بالحزب الوطني الحاكم قدم اعتذارا باسم الحزب للطاقم.
سيولة كافية: قال هشام رامز نائب محافظ البنك المركزي المصري أمس إن البنوك المصرية ستستأنف العمل يوم الأحد المقبل وسيكون لديها أموال كافية لاجراء كل المعاملات.
وقال رامز في اتصال هاتفي «النظام المصرفي بأكمله سيعود للعمل. وسيكونون جاهزين ولديهم سيولة لكل شيء».
وقد ظلت البنوك والبورصة المصرية مغلقة أمس لليوم الرابع على التوالي وستظل مغلقة اليوم أيضا حسبما قال مسؤولون.
ستاندرد آند بورز تخفض تصنيف بنكين: قالت وكالة ستاندرد اند بورز للتصنيفات الائتمانية في بيان أمس إنها خفضت تصنيف البنك الأهلي والبنك التجاري الدولي المصريين درجة واحدة وعزت قرار الخفض إلى خفضها التصنيف السيادي لمصر أمس الاول.
وقال البيان «خفضنا تصنيف مصر أمس ووضعنا التصنيف طويل الامد قيد المراجعة بالخفض... وبالتالي نخفض تصنيف البنك الأهلي المصري والبنك التجاري الدولي إلى (بي بي) من (بي بي +) ونضع التصنيفات طويلة وقصيرة الامد قيد المراجعة مع احتمال خفض آخر».