إذا نجحت مظاهرات مصر في تحقيق مطالبها فربما يتطلع المصريون وغيرهم من العرب الساعين إلى طي صفحة الحكم المطلق إلى تركيا، بحثا عن توجهات لإحداث تزاوج بين الإسلام والديموقراطية.
وتركيا دولة مستقرة نسبيا تتمتع باقتصاد مزدهر وتقودها حكومة محافظة تتبنى نهجا عمليا وعلى رأسها إسلاميون سابقون.
ويشار إليها دائما على أنها نموذج للديموقراطية الإسلامية وركيزة للنفوذ الغربي في المنطقة.
وفي ظل موجة من الاضطرابات الآخذة في الانتشار من تونس إلى الأردن وصولا إلى اليمن ودعوات متصاعدة لمبارك لبدء نقل السلطة سريعا يحول محللون متخصصون في الشرق الأوسط انتباههم إلى تركيا القوة الديبلوماسية المتنامية في المنطقة.
وقال فواز جرجس أستاذ سياسات الشرق الأوسط والعلاقات الدولية بكلية لندن للاقتصاد «النموذج الوحيد الفعال والناجح في الشرق الأوسط هو النموذج التركي. لا يوجد نموذج آخر».
واضاف «يشكل النموذج التركي أساسا لمجتمعات مماثلة لذا أعتقد أنه في أعقاب الاحتجاجات سينظر العرب بتمعن إلى النموذج التركي الذي يمزج بين القيم الإسلامية والديموقراطية كشكل عالمي للحكومة».
غير أن محليين حذروا من أن الاختلافات العميقة بين تركيا - العضو في حلف شمال الأطلسي والمرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي ـ والعرب الذين يفتقرون إلى ثقافة الحرية السياسية تعني أنه لا يمكن نسخ النموذج التركي سريعا.
وقال فادي هاكورا الأستاذ المساعد بمعهد تشاتام هاوس البحثي في لندن «لاشك في ان المثال التركي يمكن أن يكون مصدر إلهام في تونس ومصر، لكن إذا قررت أي دولة عربية أن تتبنى النموذج التركي فسيستغرق الأمر عقودا لمحاكاة التطورات السياسية والاقتصادية في تركيا». وربما يمسك الجيش بمفتاح تحديد مصير الرئيس المصري والحركة المؤيدة للديموقراطية.
وابلغ الجيش المتظاهرين يوم الأربعاء بأن مطالبهم قد سمعت وبأنه يتعين عليهم العودة إلى بيوتهم إلا أن الجيش لم يلجأ إلى القوة حتى الآن.
وفي تركيا أطاح الجيش الذي يتمتع بنفوذ قوي بأربع حكومات منذ عام 1960 وكان له القول الفصل في نظام برلماني قائم منذ الخمسينيات.
وخلال السنوات القليلة الماضية نمت الديموقراطية التركية بشكل أشد جرأة بعدما تقلصت سلطات جنرالات الجيش بسبب الإصلاحات التي قام بها حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان في إطار مساعي بلاده للانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي.
وأشار بول سالم مدير مركز كارنيجي للشرق الأوسط في بيروت إلى أن الأمر مختلف في مصر حيث كان الجيش في قلب السلطة منذ الإطاحة بالنظام الملكي عام 1952.
وقال سالم «على الجيش المصري أن يتخذ قرارا أساسيا اقدم عليه الجيش التركي بنجاح وحقق نتيجة طيبة.. وهو التراجع والتركيز على حماية سيادة الدولة وحماية الدستور والسماح بنمو السياسة المدنية.
«هذا بالضبط هو ما طلب من الجيش في مصر وتونس وفي الأردن.. لكن لم يتحقق هذا بعد».
ويقول محللون إن الجماعات الإسلامية ستلعب على الأرجح دورا بارزا في تونس عقب سقوط الرئيس السابق زين العابدين بن علي وفي مصر كذلك.
ومثل هذه الاحتمالات مبعث قلق للولايات المتحدة التي أيدت حكومات عربية تتبنى الحكم المطلق باعتبارها درعا ضد تهديد المتشددين الإسلاميين.
كما أن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل واعتمادها على امدادات النفط من الشرق الأوسط جعل العرب لا يثقون في دوافع واشنطن.
وخرج حزب العدالة والتنمية التركي من حركة إسلامية محظورة ليصبح حزبا معتدلا يدعم الاستثمار الاجنبي.
واعتبر فوزه في الانتخابات عام 2002 انتصارا لنموذج من الإسلام السياسي يركز على تشجيع القيم الإسلامية بشكل ديموقراطي بدلا من فرض نموذج صارم من الشريعة الإسلامية.