قال المبعوث الخاص للرئيس الأميركي فرانك ويزنر بشأن الأزمة المصرية أمس إن خطر اندلاع العنف مازال قائما لكنه يرى إشارات مبكرة على أن مصر تتحرك باتجاه حل سلمي، مشددا على أنه يجب أن يبقى الرئيس مبارك في السلطة لتوجيه التغييرات الإصلاحية.
وقال المبعوث الخاص لمؤتمر أمني في ميونيخ عبر دائرة تلفزيونية مغلقة متحدثا من واشنطن «توجد فرصة للمضي قدما، إنها هشة لكنها المرحلة الأولى، ويمكن أن تمضي الأمور على نحو خاطئ، لكن الاتجاه الواضح مبشر».
وأضاف ويزنر أن واشنطن تتطلع لخطوات إضافية باتجاه التغيير السياسي في مصر وأنها تعتبر أن استقالة جمال مبارك من الحزب الحاكم خطوة إيجابية، ولاحقا أعلن مسؤول أميركي أن ويزنر مبعوث أوباما إلى مصر يتحدث بصفته الشخصية وليست الرسمية عن الدور المستقبلي للرئيس المصري.
من جهة أخرى، طغى على المشهد السياسي ما أعلنه التلفزيون الرسمي أمس عن تنحية هيئة المكتب السياسي للحزب الوطني الحاكم بكامل أعضائها وهم: صفوت الشريف الذي كان امينا عاما للحزب وجمال مبارك الذي كان أمينا عاما مساعدا للحزب، وعلي الدين هلال الذي كان أمين الإعلام وأحمد عز الذي كان أمينا للتنظيم واستقال قبل بضعة أيام، إضافة الى زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية. ملبيا بذلك أحد المطالب الرئيسية للشباب بفصل رئاسة الجمهورية عن الأحزاب، وعلى الفور أعلن عن تعيين حسام بدراوي أمينا عاما للحزب وأمينا للسياسات ليخلف صفوت الشريف وجمال مبارك في منصبيهما بالحزب.
عملية اصلاح
وما بين تطور أمني هنا وآخر سياسي هناك، تواصلت جهود البحث عن مخرج للأزمة عن طريق الحوار ومحاولة إيجاد التسويات، بعد ان اتخذت القيادة المصرية سلسلة قرارات تصحيحية وصفها المراقبون بـ «عملية إصلاح جذرية» لتبريد الأجواء والخروج من الأزمة انسجاما مع وعودها وتعهداتها خلال الأيام الماضية.
ولفت في هذا السياق ما أوردته صحيفة «الواشنطن بوست» عن أن إدارة الرئيس باراك أوباما طرحت مبادرة للحل دعت فيها المعارضة للانخراط في الحوار مع نائب الرئيس عمر سليمان ولجنة الحكماء.
اجتماع مصغر
وكان الرئيس مبارك اجتمع بفريقه الاقتصادي للبحث في أوضاع البلاد الاقتصادية والمعيشية، وقد حضر الاجتماع الوزاري المصغر كل من د.أحمد شفيق رئيس مجلس الوزراء، ود.فاروق العقدة محافظ البنك المركزي المصري، وم.سامح فهمي وزير البترول، ود.علي المصيلحي وزير التضامن الاجتماعي، ود.سميحة فوزي وزيرة التجارة والصناعة ود.سمير رضوان وزير المالية الى جانب د.زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية.
وعقب الاجتماع، أكد د.شفيق أن الوضع في مصر مطمئن للغاية فيما يتعلق بتوفير الاحتياجات الأساسية والمواد الغذائية والوقود للمواطنين، وأن الأوضاع الأمنية في الشارع تتحسن بشكل يومي ومستمر، وأن عودة أفراد الشرطة لأماكن عملهم تتم بشكل متواصل.
جاء ذلك في مؤتمر صحافي، عقده د.شفيق بالمشاركة مع عدد من الوزراء عقب الاجتماع الوزاري، للاطمئنان على التزام الحكومة بتوجيهات الرئيس الخاصة بتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين.
وفيما يتعلق بعملية الحوار مع الأحزاب والقوى السياسية قال د.شفيق «إن الحوار مستمر من أجل تحقيق التوازن المنشود، وإننا من جانبنا على استعداد تام للتحدث مع الجميع»، مشيرا إلى أن هناك دلائل على أن موقف الأحزاب المتحاورة تتحرك نحو مزيد من التوافق.
لجنة الحكماء
وفي هذا السياق، عقد سليمان اجتماعا مع ممثلين عن حزب الوفد والتجمع اتبعه باجتماع مع ممثلين عن لجنة الحكماء.
وممن التقاهم سليمان ايضا، عضو مجلس الشعب السابق مصطفى بكري ووحيد عبدالمجيد ود.يحيى الجمل ود.رفعت السعيد رئيس حزب التجمع.
من جهته قال قال ضياء رشوان إنه وآخرين تلقوا دعوة للقاء سليمان لبحث الحلول للأزمة بناء على مادة في الدستور تسمح للرئيس حسني مبارك بتفويض سلطاته لنائبه، على أن يظل مبارك رئيسا رمزيا بموجب المقترح الذي يدعمه رشوان ومجموعة «لجنة الحكماء».
ويشكل تفويض السلطات إلى سليمان حلا وسطا محتملا بين مطالب المحتجين بأن يترك مبارك السلطة بشكل فوري وبين قراره بالبقاء في السلطة حتى نهاية فترته الرئاسيـــة في سبتمبــر.
لكن رئيس الحكومة أحمد شفيق استبق هذه التكهنات مستبعدا أن يفوض مبارك سلطاته إلى سليمان المعين حديثا وفق ما نقله عنه تلفزيون العربية، ونقلت «العربية» عن د.شفيق قوله «نحتاج الي الرئيس لأسباب تشريعية».
وأضاف أن مجلس الحكماء يركز على المادة 139 في الدستور التي تقول إنه يمكن للرئيس أن يعين نائبا واحدا أو أكثر له ويحدد سلطاتهم ويعفيهم من مناصبهم.
لكن المادة 82 من الدستور يمكن ان تشكل عقبة إذ انها تقول إنه في حين أن الرئيس يمكنه تفويض سلطاته إلى نائبه إلا أنه لا يمكن للنائب طلب تعديل الدستور أو حل البرلمان.
من جهته أعلن المعارض المصري والحائز جائزة نوبل للسلام محمد البرادعي، في مقابلة مع مجلة دير شبيغل الاثنين، انه يأمل في ان يجري نقاشا «يفضل ان يكون قريبا» مع رئاسة اركان الجيش المصري حول «عملية انتقال السلطة من دون إراقة دماء» في مصر.
وقال البرادعي «أرغب في ان اجري نقاشا مع قادة الجيش، ومن الأفضل في اقرب وقت لندرس كيف يمكننا الوصول الى عملية انتقالية من دون إراقة دماء».
في هذه الأثناء لم يعكر صفو اليوم الثاني عشر من الاحتجاجات التي خفت حدتها أمس في ميدان التحرير وعدد من المدن المصرية، إلا الإعلان عن محاولة لاغتيال نائب الرئيس المصــري عمـــر سليمــان، الذي نفته المصادر الامنية المصرية، ووصفت بالكذب التقرير الذي أوردته شبكة «فوكس نيوز» حول نجاة سليمان من محاولة اغتيال اسفرت عن مقتل اثنــين مــن حراســه.
انقذوا ما تبقى من مصر
نزل قائد المنطقة العسكرية المركزية بالجيش المصري حسن الرويني أمس إلى ميدان التحرير وتحدث لآلاف المعتصمين في محاولة لإقناعهم بإنهاء الاحتجاج الذي أصاب الحياة الاقتصادية في العاصمة بالجمود.
وقال الرويني مستخدما مكبرا للصوت وهو يقف على منصة ان لهم الحق في التعبير عن أنفسهم لكنه ناشدهم ان ينقذوا «ما تبقى من مصر».
ورد الحشد بهتافات تطالب بتنحي الرئيس حسني مبارك، فنزل الرويني من على المنصة قائلا انه لن يتحدث وسط مثل هذه الهتافات. وفي ظل تمسك المتظاهرين باستمرار الحركة الاحتجاجية في ميدان التحرير، بدا واضحا أن الجيش كان يعمل أمس على حصر الاحتجاجات في جانب من ميدان التحرير وبشكل لا يؤثر على عودة الحياة إلى طبيعتها في العاصمة.
كيسنجر: مهما كان رأينا في مبارك فإنه أمّن الاستقرار في المنطقة منذ عهد السادات
من جهة أخرى أكد وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر أن تغييرا استراتيجيا ستشهده المنطقة برمتها في حال تحقق اي من السيناريوهات التي يتوقعها المراقبون في مصر.
وكشف كيسنجر في مقابلة مع شبكة «فوكس نيوز» الاميركية أجراها معه الإعلامي فان سسترن، أن 5 من الرؤساء الاميركيين كانوا يعتقدون أن الرئيس محمد حسني مبارك كان الوسيلة الأفضل لتحقيق الأهداف الاميركية في المنطقة. واذ اعتبر ان التغيير في مصر يعتبر هو تغيير ذو شأن كبير، أكد كسينجر ان المراقب للأمور خلال السنوات القليلة الاخيرة كان يمكن أن يتوقع تدهور الأمور في مصر. معتبرا أن ذلك لم يعد هو المهم. وردا على سؤال حول مآل الأمور في مصر، وطبيعة الديموقراطية التي تفضل واشنطن تطبيقها في مصر بما يتوافق مع المصالح الاميركية ومصالح حلفائها في المنطقة، قال كيسنجر «إن الأمر يعتمد على كيفية انتقال السلطة بعد مبارك. فإذا نظرنا الى القوى السياسية الموجودة في مصر، يبدو لنا أن هناك اغلبية اسلامية تعادي اسرائيل بل ويمكنني القول انها قوى تعادي أميركا. وهي تغلب على القوى الديموقراطية كما نفهمها.
وفيما اذا كانت هذه علامة غير مطمئنة بالنسبة لأميركا واسرائيل، قال كيسنجر «لا يمكننا التأكيد بأن الأمور تسير في اتجاه واحد. وما يجب أن نفهمه هو التالي: مهما كان رأينا في مبارك، فإنه أوجد ومنذ عهد السادات وما بعده نفوذا واستقرارا في المنطقة كلها. وأضاف «يمكن القول ان الحكومة الجديدة ستلائم معاييرنا الديموقراطية. لكن تلك العملية ستستهلك طاقة المصريين وتشغلهم بمشاكلهم الديموقراطية. وهذا ما يجب أن نركز عليه في هذا البلد».
وفيما يخص الأوضاع في الأردن التي وقعت على غرار مصر اتفاقية سلام مع اسرائيل، وعما اذا كانت الاردن محصنة إزاء الأحداث التي تجري في مصر، اعتبر كيسنجر أن مصر هي مركز الثقافة في المنطقة. وقال «قبل السادات ومبارك، كان هناك 30 عاما من المد القومي والمعاداة للمصالح الاميركية في المنطقة، لذلك اعتقد ان الأردن سيكون هشا تجاه مثل تلك التوجهات خاصة اذا سقطت الحكومة على وقع الاحتجاجات في الشارع انا قلق على الأردن». وردا على سؤاله حول ما يجب ان يهتم به الاميركيون بخصوص الأحداث في مصر قال كيسنجر: ان مصر دولة محورية في المنطقة وتعداد سكانها كبير. ولديها كم كبير من المثقفين. فإذا حدثت هناك فوضى فإن ذلك سيؤثر على اقتصادنا وتوجهاتنا نحو السلام في كامل المنطقة. وقد ثبت انه كلما انفجرت المنطقة كان لذلك تأثير مباشر على اميركا.