لم يكن مصطفى فكري بجوار زوجته في المستشفى عندما كانت تضع أول صبي لهما.. كان يواصل عمله كسائق لإحدى سيارات تاكسي العاصمة وكان آخر ما يمكن أن يفكر فيه هو أن يحتج ويتظاهر.
كان شغله الشاغل هو أن تكون الطرق مفتوحة وأن تكون الاحتجاجات سلمية حتى يتشجع الناس على الخروج ويتمكن هو من العمل. فهو إن لم يقطع شوارع القاهرة بسيارته الأجرة لن يجد ما يطعم به أهله.
كان فكري يقود سيارته قرب ميدان التحرير عندما اتصلت به حماته لتبشره بالخبر.. أخيرا أنجب صبيا بعد ثلاث بنات.
رقص قلبه فرحا لكنه مع ذلك لم يهرع للمستشفى قائلا لنفسه «إن لم أعمل ستموت أسرتي جوعا. ليس هناك أي مال بالبيت».
قال «أنزلت زوجتي وحماتي عند المستشفى، وأعطيتهما 130 جنيها (17 دولارا) وتركتهما. احتفظت لنفسي بخمسة جنيهات وانطلقت للعمل بسيارتي».
وقال ببهجة وهو يفكر في الهدية التي سيحضرها لزوجته «سأشتري لها دجاجة اليوم». لم يكن يفكر في زهور أو شوكولاتة.. فهذه رفاهية في بلد الهم الأكبر للملايين من سكانه هو توفير قوت اليوم. وقال «تحتاج لأن تتغذى جيدا.. لكن اللحم غال. الدجاج أرخص. كيلو اللحم بستين جنيها.. من يمكنه شراؤه».
أفسدت الاحتجاجات حياة فكري.. ولأربعة أيام لم يتمكن من كسب قرش واحد واضطر لاقتراض 100 جنيه من رئيسه حتى تسير الحياة. لكنه أخيرا انطلق بسيارته ووجد زبائن.
وعلى مسافة ليست ببعيدة وقف المحتجون عازمين على البقاء في ميدان التحرير لمواصلة «ثورة النيل» إلى أن يترك مبارك مقعد الرئاسة.
انضم الآلاف لاحتجاجات ميدان التحرير مطالبين بتعويض عن أخطاء الماضي أو معبرين عن إحباطهم من الفقر والفساد والقمع السياسي الذي يقولون إنهم يعانون منه منذ تولي مبارك السلطة قبل ثلاثة عقود.
تجاوزت نسبة المصريين الذين يعيشون على أقل من دولارين في اليوم 40% في حين أصبح عدد قليل من المقربين للحكومة ينعمون بثراء فاحش في السنوات الأخيرة.
خارج ميدان التحرير بدأ الازدحام المروري المعتاد يعود إلى الشوارع وعاودت محال كثيرة فتح أبوابها وتكدست الجموع أمام محال البقالة الصغيرة ومتاجر الخضر والفاكهة التي عادت لتمتلئ بالبضائع بعد توقف الإمدادات لأيام.
وعاودت البنوك فتح أبوابها وكذلك بعض الشركات عقب إغلاق دام عشرة أيام بعد أن انزلقت الاحتجاجات إلى دائرة العنف مما أسفر عن مقتل نحو 300 شخص وإصابة 5000.