إعداد: محمد ناصر
الاخوة والتعاون هما دائما عنوان بارز للعلاقات الكويتية ـ المصرية الضاربة في عمق التاريخ وقد تجذرت وتوطدت ايضا في عهد الرئيس المصري محمد حسني مبارك الذي عرفته الكويت فارسا أصيلا وصوتا صادعا بالحق إبان الاحتلال العراقي الآثم عندما شكل موقفه وقفة عز وشرف ناصرا للحق ومعينا للمظلوم ومسخرا إمكانات بلده العظيم ومقدراته في سبيل إعادة الحق الى نصابه.
دائما ما كان وسيبقى اسم الرئيس محمد حسني مبارك بغض النظر عن موقعه ومنصبه عنوانا للوفاء والإخلاص في قلب كل كويتي فتحت له مصر أبوابها وأرسلت قواتها بأمر من القائد الأعلى للقوات المسلحة حسني مبارك ليكونوا مع أشقائهم في المهمة الأنبل وهي تحرير الكويت من براثن الغدر.
كان موقف الرئيس مبارك في أزمة احتلال الكويت موقف الزعيم القائد الملتزم بقضايا العروبة والشعوب العربية إذ سعى بموقفه الرافض بشدة للاحتلال العراقي لحقن دماء الأشقاء العرب، حيث حاول بكل ما أوتي من عزم وقوة وخبرة وحنكة لاقناع المقبور صدام حسين بسحب قواته من الكويت لكن المقبور أصر على الاستماع لصوت شيطانه واستمر في غيه وحقده.
نصرة الحق الكويتي
لم ييأس الرئيس المصري ولم يتوان عن طرق كل الأبواب واستخدام جميع السبل بغية نصرة الحق الكويتي فدعا لقمة عربية طارئة احتضنتها «قاهرة المعز» في 10 أغسطس وأعلن فيها عن دعمه وتضامنه الكامل مع الكويت.
ويروي الرئيس حسني مبارك وقع خبر الاحتلال عليه فيقول: «يوم 2 اغسطس الساعة الرابعة والنصف صباحا، وانا باقول ان شاء الله اغسطس ده يكون هادئ مرة سنة من سنوات الحكم، بس الواحد يستريح اسبوع، قالوا لي: الحق، الاعتداء، والموضوع خطير، جالي شلل في التفكير، انا أصلي راجل عسكري، وعارف تطور الاحداث دي كويس قوي، واقدر اعمل لها تقدير، لأن انا اشتركت في حاجات من دي كثيرة، وعملنا تقديرات مواقف كثيرة في حاجات اصعب من دي بكثير، قمت صحيت، وقعدت مش قادر اصدق اللي بيحصل، العراق والكويت بلدان عربيان عضوان في جامعة الدول العربية، عانوا مع بعض في حرب، ده انضرب، وده انضرب، وده ساعده بفلوس، الحقيقة انا بقيت مذهول، مش قادر اصدق نفسي ابدا».
الجاهلية الأولى
وقال الرئيس مبارك في ردة فعل قيادته وشعبه اثر الغزو العراقي على الكويت في اغسطس 1990 ان الاجتياح العراقي للكويت يعيد حياة امتنا الى الجاهلية الاولى، واننا نرفض بشكل قاطع الاجتياح العراقي للكويت واعتداء القوي على الضعيف، وسلب حامل السلاح الاعزل روحه وماله وارضه وتحل الفرقة والتمزق محل الوحدة والتجمع، ويشيع الصراع والقتال والخصام بين الاشقاء.
وفي لقاء اجرته الزميلة بيبي المرزوق مع الرئيس المصري، قال عن تلك المرحلة: الموقف الذي اتخذته مصر الدولة، لم يكن قراري وحدي، بل كان قرار الشعب ايضا، كان يستند الى شرعية جماهيرية واسعة، وكان يستمد شرعيته من نبض الشارع المصري، ومن اتفاقية الدفاع العربي المشترك.
واضاف: كان الشعب يشعر بالغضب تجاه العدوان العراقي، ويشعر بالاسى لما يحدث للشعب في الكويت، وكانت اتفاقية الدفاع العربي المشترك تلزمنا بالدفاع عن حرية شعب، وعن ارض شعب تعرض للعدوان، واذكر ان العراق ادعى ان الموقف المصري بمناصرة الكويت يلغي اتفاقية الدفاع العربي المشترك، ولا ادري كيف الغيناها، وقد كنا اول دولة وقفت الى جانب الكويت، أليس هذا تطبيقا فعليا وادبيا ومعنويا للاتفاقية؟ واذكر اننا لم نكتف بالتأييد اللفظي، بل وضعنا كل امكاناتنا تحت تصرف الكويت.
وبعدما لم يستمع المقبور لصوت العقل في قمة القاهرة الطارئة، اتخذ مبارك قرارا بسفر بعض القوات المصرية الى الخليج للدفاع عن حقوق الكويت لاعادة الوطن الضائع الى اهله ولمساندة الشرعية والتصدي لقوات العدوان ولتكون مصر من اوائل الدول العربية المبادرة بارسال نحو 40 الف جندي لنصرة الكويت.
فمصر «مبارك» ادركت ان احتلال الكويت هو خرق لمصداقية العرب، فكانت تحركات القيادة المصرية وعلى رأسها مبارك عن قناعة شخصية بأن ما حدث سيؤدي بالعرب جميعا الى الهاوية.
ولقد تعددت جهود مبارك لتحقيق هذا الهدف في محاولة توفير مظلة عربية لمعالجة الغزو العراقي للكويت بعيدا عن التدخلات الاجنبية والذي تمثل بدءا من دعوته الى مؤتمر قمة عربية الى عشرات الرسائل التي وجهها الى المقبور صدام حسين مرورا بكل الاتصالات مع الصين واليابان واستراليا في اقصى الشرق الى الولايات المتحدة الاميركية وكندا في اقصى الغرب، حتى اتى التحرير الذي كان الرئيس مبارك احد رجالاته.
بعد التحرير، اكد الرئيس مبارك على حتمية علاقات الاخوة والصداقة بين البلدين والشعبين، وكان يقول دائما ردا على التهديدات المتلاحقة من المقبور: لا قدر الله لو تعرضت الكويت لأي خطر قادم سنساعدها مجددا ودائما لأن الخطر كان منذ ايام عبدالكريم قاسم عندما ارسل الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر قوات مصرية الى الكويت آنذاك. فالقضية بالنسبة لي هي قضية مبدأ، وعندما اتخذت قرار ارسال القوات المسلحة وقوفا الى جانب الحق اخذته بعيدا عن حسابات الربح والخسارة والتكلفة والاعباء رغم ان كل الاحتمالات والمخاطر كانت متوقعة وقائمة.
صوت الشقيق
فصوت الرئيس مبارك كان صوت الشقيق الذي وقف مع الكويت في السراء والضراء، وكانت كلماته الآتية من قلب القاهرة والمطالبة برحيل قوات الغدر بلسما في قلوب الكويتيين الذين سمعوا من رؤساء غيره اصوات الخيانة ليكون الموقف المصري بقيادته موقفا شجاعا اصيلا بعيدا عن الشعارات والخطب الرنانة والمتحايلة على الحق، وليختلط الدم الكويتي بالدم المصري تحت راية التحالف الدولي من اجل مواجهة الاعتداء والظلم.
فمعادن الرجال العظماء لا تعرف الا في الشدائد، فكان الرئيس مبارك رمزا ونموذجا فريدا من الزعماء الذين يتعاملون مع السياسة بلغة المبادئ وبأسلوب الفرسان النبلاء، فاختارت «الأنباء» مصر لتكون مقرها ايام الاحتلال العراقي الآثم، حيث تم تقديم كل الامكانات والمساعدات لتصبح «الأنباء» صوت الكويتيين الى العالم من قلب القاهرة.
وبرزت المواقف الكويتية واضحة خلال محنة الارهاب التي تعرضت لها مصر في السنوات الماضية، فكانت تسارع بادانتها للاعمال الارهابية والتعبير عن آلامها لارواح الضحايا الابرياء الذين تستهدفهم تلك الاعمال اللا مسؤولة واعلان التضامن مع الحكومة المصرية في مكافحة الاعمال الغريبة على الشعب المصري.
وتجلى التضامن الكويتي مع مصر في اروع اشكاله بعد حادث تعرض الرئيس مبارك لمحاولة اغتيال فاشلة في العاصمة الاثيوبية عام 1995 والذي كان محل استنكار وتنديد من حكومة وشعب الكويت، وكانت الوفود الكويتية الرسمية والشعبية في طليعة المتوافدين على القاهرة لتهنئة الرئيس مبارك بنجاته من الحادث الآثم.
وواظب الرئيس المصري حسني مبارك على زيارة الكويت والالتقاء بأمرائها وشيوخها والتباحث معهم بمختلف المجالات لتعزيز وتوطيد العلاقات بين البلدين، حيث سبق ان زار الكويت في فبراير 1988 وفبراير 1989 ومايو 1993 وابريل 1997 ومارس 1999 وفبراير 2001 ونوفمبر 2001 ويناير 2002 ويناير 2003 وفبراير 2006 وديسمبر 2009.
ومع تولي صاحب السمو الامير الشيخ صباح الاحمد مقاليد الحكم، اكد مرات عديدة على اهمية الدور المصري واخوية العلاقات الكويتية ـ المصرية، حيث سبق لصاحب السمو الامير ان زار مصر بعد توليه مقاليد الحكم في اغسطس 2006 حيث استهدفت زيارته توطيد العلاقات الاخوية ودعم التعاون المشترك بما يخدم مصالح الشعبين الشقيقين على وجه خاص والامة العربية بشكل عام، كما زارها صاحب السمو الامير ضمن جولته العربية في مايو 2010 والتقى بالرئيس المصري وتبادل معه سبل تعزيز العلاقات، هذا بخلاف زياراته لمصر التي استضافت عددا من القمم شدد خلالها صاحب السمو على دور مصر والرئيس حسني مبارك في دعم القضايا العربية.
التفاهم والأخوة
فالتفاهم والاخوة دائما ما يجمع بين القيادتين في البلدين وعلى رأسهما صاحب السمو الامير الشيخ صباح الاحمد والرئيس المصري حسني مبارك فيها تسود روح المودة والحب والتعاطف بين الشعبين المصري والكويتي.
وتجلت العلاقات في ابهى صورها في يناير 2009 عندما استضافت الكويت اعمال القمة العربية الاقتصادية والتنموية بحضور رؤساء الدول العربية او ممثليهم وفي مقدمتهم الرئيس المصري حسني مبارك حيث لعبت الكويت ممثلة في قيادتها الحكيمة دورا بارزا في تحقيق المصالحة بين الاشقاء العرب، من هذا المنطلق فإن العلاقة بين الكويت ومصر تعتبر نموذجا مميزا في العلاقات العربية ـ العربية.
اقتصاديا وفي عهد الرئيس المصري ازدهرت العلاقات الكويتية ـ المصرية وبلغت الاستثمارات الكويتية حدا غير مسبوق حيث احتلت الكويت المركز الثاني كأكبر دولة عربية مستثمرة في مصر بعد المملكة العربية السعودية، وتقدر استثماراتها بنحو 1.5 مليار دولار وهو ما مثل نحو 25% من اجمالي الاستثمارات العربية وفقا لبيانات وزارة الاستثمار المصرية، وقالت ان رجال اعمال كويتيين يساهمون في 38 مشروعا تمويليا وخمسة مشروعات اسكان، وخمسة مشروعات مقاولات، وخمسة مشروعات بنية تحتية، وخمسة مستشفيات، و45 مشروعا سياحيا، اضافة الى 98 مشروعا صناعيا، و22 منها في مجال الصناعات الهندسية و15 في قطاع الصناعات الغذائية اضافة الى مشروعات غذائية وكيماوية ومعدنية بنظام المناطق الحرة.
كما ساهمت الشركات الكويتية في عهد الرئيس المصري في كثير من المشروعات في قطاع البترول مثل تنفيذ اول مصنع لانتاج مواسير نقل البترول، والمشاركة في الاستكشافات البترولية في الصحراء الغربية، اضافة الى المشاركة في توصيل البترول عبر خط سوميد.
وتوالت الاتفاقيات التجارية التي تنظم العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين مصر والكويت ومن اهمها اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة واتفاقية التعاون بين الغرف التجارية المصرية وغرفة تجارة وصناعة الكويت.
ولم يتوقف الجانبان الكويتي والمصري عن عقد العديد من الاتفاقيات التي تدعم التعاون الاقتصادي فيما بينهما وكان آخرها في ديسمبر 2009 عندما تم خلال اعمال الدورة الثامنة للجنة العليا الكويتية ـ المصرية المشتركة التي عقدت في الكويت التوقيع على 5 اتفاقيات تعاون شملت مجالات الشؤون الجمركية والسياحة والتربية والثقافة والاعلام اضافة الى الاسكان والتعمير.
فمكان الرئيس المصري القلب والفؤاد في قلوب الكويتيين الذين يكنون له كل معاني التقدير وعواطف المحبة ومشاعر العرفان وفاء لعلاقاته الطيبة مع بلدنا ولدوره الذي سيبقى محفورا ابد الدهر في قلوبنا وعقولنا وذاكرة شعبنا وحكامنا ومسطرا بحروف من ذهب في تاريخ وطننا الذي كتب اسم الرئيس مبارك عاليا وخالدا وشامخا دائما وابدا.