كشفت تقارير صحافية أميركية عن الساعات الأخيرة السابقة لإعلان الرئيس المصري حسني مبارك تخليه عن منصبه وتكليفه المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد.
وذكرت وكالة «اسوشييتد برس» الأميركية ان جمال مبارك نجل الرئيس المصري السابق هو الذي كتب خطابه الأخير الذي أذيع الخميس والذي كان من المفترض ان يعلن فيه تنحيه الا انه تمسك بالسلطة في محاولة أخيرة وصفتها بالـ «بائسة» على الرغم من المظاهرات المستمرة التي كانت تدعو للتنحي.
وأشارت الوكالة الى ان العديد من المسؤولين في الحكومة طالبوا مبارك بالتنحي لإنقاذ البلاد من الأزمة الناجمة عن الاحتجاجات التي بدأت 25 يناير.
ونقلت الوكالة عن مسؤول حكومي بارز، رفض الكشف عن اسمه، قوله ان مبارك كان يرفض المشورة السياسية السليمة حول ما كان يحدث في البلد، وان جمال والمحيطين بالرئيس كانوا يخفون عنه حقيقة الوضع وما يجري حقا في الشوارع.
وأضاف: «ان مبارك لم يكن يستمع لأحد غير جمال مما جعله معزولا سياسيا»، مؤكدا ان خطوات مبارك جميعا كانت تأتي متأخرة بعد فوات الأوان.
وأوضحت الوكالة ان الجيش كان اكثر صبرا الا ان صبره كان على وشك النفاد مع فشل مبارك ونائبه عمر سليمان في انهاء الاحتجاجات والاضطرابات التي خرجت عن نطاق السيطرة مع اجتياحها جميع البلاد يومي الخميس والجمعة.
وأكدت ان الجيش هو الذي ضغط على الرئيس مبارك لتعيين نائب له وتكليفه بإجراء مفاوضات مع جماعات المعارضة للخروج من الأزمة، مشيرة الى ان سليمان واجه صعوبات في تنفيذ هذه المهمة خاصة يوم الثلاثاء الذي بدأ فيه تعثر المفاوضات عقب تمسك قادة الاحتجاجات بعدم التفاوض حتى ذهاب مبارك على الرغم من تأكيده أنه لن يسعى للترشح الى ولاية ثانية في سبتمبر المقبل.
وأوضحت الوكالة انه بحلول يوم الخميس كان الجميع تقريبا يتوقع استقالة مبارك بما في ذلك الجهات العسكرية، حتى ان حسام بدراوي وهو من قياديي الحزب الديموقراطي الحاكم، الذي اجتمع مع مبارك في وقت لاحق يوم الخميس قال للصحافيين انه يتوقع ان الرئيس المصري «سيلبي مطالب الشعب»، وقال بدراوي انه اعتقد ان مبارك سيعلن تنحيه الا انه قدم محاولة أخيرة للبقاء في الحكم.
وأوضحت ان عددا من مساعدي مبارك وأفراد عائلته هم الذين اقترحوا عليه القيام بهذه الخطوة كمحاولة أخيرة للبقاء في السلطة، الا ان أخبار فساد الوزراء والأنباء عن حجم ثروات مبارك وعائلته رفعت من حدة مطالب المتظاهرين للرئيس بالتنحي.
ولفتت الى موقف الجيش الذي اعتبر شبه انقلاب عقب اجتماعه من دون مبارك، القائد الأعلى للقوات المسلحة حينها، موضحة ان اصدار الجيش بيان رقم واحد والاعتراف «بمشروعية» حقوق المتظاهرين توحي في المجتمع العربي بحدوث انقلاب.
وقال احد المطلعين على المشهد من الداخل ان جمال مبارك هو الذي كتب خطاب مبارك الأخير الذي ألقاه يوم الخميس وأدى الى زيادة الاحتجاجات عقب توقعات بتنحيه.
وأوضحت الوكالة انه من الواضح ان الخطاب كتب على عجالة، متابعة ان مبارك كان يبدو متوترا وظهر اكثر من مرة كما لو كان يبحث عن الكاميرا وكان يحاول تعديل رابطة عنقه.
وأوضحت ان وزير الإعلام السابق أنس الفقي كان موجودا في الاستديو خلال تسجيل الخطاب جنبا الى جنب مع جمال مبارك، متابعة ان مبارك أعلن في خطابه تسليم معظم صلاحياته لسليمان رافضا الاستقالة.
وأضافت ان مبارك كان يأمل في ان يؤدي تفويض سليمان الى انهاء الاحتجاجات مما يسمح له بالبقاء في منصبه كشخصية رمزية، وهو سيناريو كان من شأنه ان يضمن له خروجا كريما من الحكم عقب 30 عاما في رئاسة البلاد.
وأشارت الوكالة الى ان الجيش سمح للمتظاهرين بتطويق قصر مبارك الذي توجه اليه الجمعة في منتجع شرم الشيخ، كما سمح للمتظاهرين بتطويق مبنى التلفزيون والإذاعة في وسط القاهرة وانه التزم دور الحياد مع انتشار المظاهرات في جميع أنحاء الجمهورية.
إلى ذلك، كشف د.حسام بدراوي الذي شغل منصب الأمين العام للحزب الوطني الحاكم لعدة أيام قبل ان يقدم استقالته الجمعة، ان الرئيس حسني مبارك اعلن تنحيه من منصبه يوم الخميس، اي في ذات اليوم الذي اعلن فيه عن تفويض صلاحيات منصب رئيس الجمهورية لنائبه عمر سليمان.
وقال بدراوي في تصريحات نقلتها جريدة «المصريون» ان أنس الفقي وزير الإعلام رفض اذاعة بيان التنحي على الجماهير في ليلتها لأسباب قال انه لا يعلمها وبدلا من ذلك جاء الخطاب الذي أعلن فيه مبارك تفويض اختصاصاته لنائبه على خلاف توقعات المصريين الذين تأهبوا لإعلانه التنحي، في أعقاب صدور البيان الأول للمجلس الأعلى للقوات المسلحة مساء الخميس.
وكان بدراوي صرح مساء الخميس ـ قبيل خطاب مبارك الذي بث في وقت متأخر من ذلك اليوم ـ بأنه يتوقع ان يعلن مبارك تنحيه، وانه سيندهش اذا ما استمر حتى يوم الجمعة، بيد انه خالف التوقعات واستمر مكانه حتى أعلن نائب الرئيس عمر سليمان مساء امس الأول تخلي الرئيس عن السلطة في بيان مقتضب.
وأكد بدراوي ان وزارة الداخلية هي التي كانت تدير شؤون البلاد، وقال ان اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية المقال كان «الرئيس الفعلي لمصر ولا يستطيع الرئيس مبارك ان يعارضه كثيرا لأنه وضع ثقته فيه، فكانت ميزانية الداخلية أكبر من ميزانية التعليم والصحة».
وقال بدراوي ان السبب الحقيقي وراء استقالته بعد أيام قليلة من قبوله منصب الأمين العام للحزب خلفا لصفوت الشريف هو محاولة تحميلي أوزار قيادات الحزب السابقين جراء ما فعلوه من تزوير وتجاوزات في حق البلد.
وأضاف: عندما كلفت بتولي الأمانة العامة كانت أرغب في بعض الاصلاحات التي أراها تأخرت اكثر من 25 عاما، لكن عندما وجدت نفس الأشخاص مستمرين في مواقعهم داخل الحزب تقدمت باستقالتي احتراما لنفسي ولتاريخي، فأعضاء الحزب لن يتغيروا ولن يتغير معهم سلوكهم الذي اكتسبوه على مدار أعوام طويلة. لكنه قال ان هناك اعضاء محترمين جدا حاولوا مرارا التغيير دون جدوى بسبب القيادات القابعة التي لا تريد التغيير الحقيقي.
ووصف جمال مبارك بأنه «شخص طيب الى حد الضعف، ولم يكن لديه القدرة على ادارة الأمور، لذا كان أحمد عز مسيطرا عليه الى أبعد الحدود».
الى ذلك قال د.مصطفى الفقي لبرنامج «الحياة اليوم» ان السنوات العشر الأخيرة في حكم الرئيس مبارك كانت الأصعب والأسوأ، حيث كانت «مليئة بالفساد وكلها سلبيات» مشيرا الى ان مصر في هذه الفترة كان يقودها شلة نجل الرئيس.
وأضاف ان الجيل الجديد الذي قاد البلاد كان يعمل بمنطق ادارة الشركات، ولم يكلف نفسه عناء الغوص في مشكلات الشعب من فقر وضعف التعليم وتدني الأجور.
وأوضح الفقي الذي يشغل رئاسة لجنة العلاقات الخارجية ان الرئيس مبارك كان «لا يتحمس لفكرة التوريث في الحكم»، ولكن الضغوط جعلته يعطي الفرصة لبعض رجال الأعمال الفاسدين للظهور، فضلا عن التنازلات التي قدمها خلال الفترة الأخيرة لصالح شلة نجل الرئيس.
وقال ان حكم السن خلال الفترة الأخيرة جعل الرئيس السابق يتباطأ في التفكير ويترك الساحة لمن حوله الذين استغلوا السلطة، مشيرا الى انه كان هناك من يوصل له الأخبار السعيدة فقط.
وشدد على انه لا توجد نقطة سوداء في ملف مبارك العسكري بل انه قدم الكثير أثناء عمله بالجيش وهذا الأمر يحسب لتاريخه.
واستطرد قائلا «خروج الرئيس من الحكم لم يكن جيدا وكان لابد من ان يكون خروجا مشرفا لرجل خدم في القوات المسلحة».
وأشار الى ان خطاب مبارك الأخير كان أسوأ خطاب ألقاه بين الخطابات الثلاثة التي ألقاها خلال الأحداث الماضية قائلا انه كان لابد ان يستدعي الشباب في مؤتمر كبير، ويستعرض تاريخه ويعتذر عما حدث ثم يودع شعبه.