بعد خطاب نجل الزعيم الليبي معمر القذافي سيف الاسلام والذي وصفه محللون بالمستفز، فيما اعتبرته المعارضة وقحا كونه غير ذي صفة وساهم في تأجيج الثورة، استمر تساقط المدن الليبية واحدة بعد الاخرى بأيدي متظاهري ما بات يعرف بـ « ثورة 17 فبراير»، في وقت تلقى النظام ضربة سياسية موجعة مع استقالة وزير العدل الليبي مصطفى عبد الجليل «احتجاجا على الأوضاع الدامية واستعمال العنف المفرط» ضد المتظاهرين، حسبما نقلت عنه الاثنين صحيفة قورينا الليبية على موقعها على الانترنت أمس.
وبعد بنغازي والبيضا، سقطت سرت بأيدي المتظاهرين اثر عمليات فرار من الجيش كما اكد الاتحاد الدولي لروابط حقوق الانسان، وقالت رئيسة الاتحاد سهير بلحسن لوكالة فرانس برس «ان مدنا كثيرة سقطت خصوصا في الساحل الشرقي».
وانضم عسكريون الى الانتفاضة على الزعيم الليبي معمر القذافي، وذكرت خصوصا بنغازي معقل المعارضة، وسرت مسقط رأس القذافي. وبمقارنة بسيطة مع ثورة 25 يناير في مصر والياسمين في تونس، فإن الاشتباكات واعمال قمع المتظاهرين أوقعت في أقل من اسبوع ما سقط من قتلى على امتداد الثورتين وأسفرت عن سقوط «ما بين 300 و400 قتيل، والاكثر ترجيحا حوالى 400» بحسب الاتحاد.
كما اخلت الشرطة الليبية مدينة الزاوية التي غرقت في حالة من الفوضى، كما قال عدد من التونسيين الذين فروا من المدينة أمس.
من جهة اخرى، ووسط معلومات عن فرار القذافي تعرضت العاصمة طرابلس لأعنف الاعتداءات حيث قصفت قوات القذافي المدينة بالطائرات والمدافع متسببة في مجازر أغرقت ليبيا في الدم وأوقعت مئات القتلى والجرحى.
بموازاة ذلك، أكد مسؤولون حكوميون مالطيون أن طيارين من القوات الجوية الليبية هربا بطائرتيهما المقاتلتين الى مالطا رافضين الاستجابة لأوامر صدرت لهما بقصف المحتجين في طرابلس وطلبا اللجوء السياسي لمالطا.
وقد نهب متظاهرون مساء أمس الاول مبنى تلفزيون واذاعة حكوميين في طرابلس حيث احرقت ايضا مراكز للشرطة ومقرات للجان الثورية، كما افاد شهود وكالة فرانس برس عبر الهاتف.
وقال احد الشهود طالبا عدم الكشف عن اسمه ان «مبنى يضم قناة الجماهيرية الثانية واذاعة الشبابية تم نهبه».
واضاف الشاهد ان مبنى قناة الجماهيرية الاولى، القناة الحكومية الرئيسية في ليبيا، لم يمس. وتوقف بث قناة الجماهيرية الثانية لكنها ما لبثت ان عاودت البث أمس.
من جهة اخرى، افاد شهود لوكالة فرانس برس بأن عددا من المباني العامة تم احراقها في عدد من احياء العاصمة بينها خصوصا مراكز شرطة ومقرات للجان الثورية قرب الساحة الخضراء في وسط العاصمة.
وقال احد سكان طرابلس في اتصال مع فرانس برس ان «قاعة الشعب» المبنى الواقع في وسط العاصمة والذي تجري فيه غالبا الأنشطة والاجتماعات الرسمية تم احراقه ايضا.
ويقع هذا المبنى في مكان غير بعيد عن وسط العاصمة عند مدخل حي الاندلس السكني.
وقد احتشد الآلاف من المتظاهرين المناهضين للحكومة في الساحة الخضراء حيث وقعت اشتباكات مع المتظاهرين الموالين للقذافي.
وذكرت وكالة الجماهيرية للأنباء ان مواطنين من قبائل مختلفة نزلوا الشوارع في الساعات الأولى من اليوم ليعبروا عن دعمهم للقذافي بعد خطاب سيف الإسلام.
من جهته، قال مصدر ليبي معارض ان عددا كبيرا من ضباط الأمن والجيش انضموا للمتظاهرين المطالبين بالتغيير وزعم أن نظام العقيد معمر القذافي يمر بساعاته الأخيرة.
وابلغ عبد المنعم الشريف العضو البارز في جماعة الأخوان المسلمين في ليبيا المقيم في سويسرا يونايتد برس انترناشونال في اتصال هاتفي أمس «أن العميد المهدي العرفي من جماعة الضباط الأحرار الذين شاركوا في ثورة الفاتح من سبتمبر انحاز إلى المتظاهرين وشارك مع مجموعة من قواته في صدامات وقعت قرب قصر الرئاسة في باب العزيزية بطرابلس ضد أمن الرئاسة وجيش المرتزقة واللجان الشعبية».
وقال الشريف «إن الشوارع مليئة بالضحايا ويتعذر الوصول إليهم كما ان المستشفيات في طرابلس والضواحي مليئة بالمصابين وتعاني من نقص في الإمدادات الطبية». ولم يتسن التأكد من كلام الشريف من مصادر مستقلة أو رسمية.
وأشار الشريف الى «تعرض بعض الشركات والمباني الحكومية في سوق الجمعة في ضواحي طرابلس لأعمال نهب من قبل عناصر مارقة لا علاقة لها بالمتظاهرين وحدث ذلك بعد إخلاء سبيل جميع السجناء من سجن جديدة».
وقال «إن عدد الضحايا تجاوز 300 شخص في مدن بنغازي ودرنة وطبرق والبيضاء إلى جانب آلاف الجرحى منذ اندلاع التظاهرات المطالبة بالتغيير الأسبوع الماضي».
وأضاف الشريف أن تحذير سيف الإسلام القذافي من مخاطر اندلاع حرب أهلية في البلاد «هي الورقة الأخيرة في يد النظام والذي يواجه أيامه الأخيرة إن لم تكن ساعاته الأخيرة بعد انضمام ضباط كبار في المنطقة الشرقية والغربية للمتظاهرين وعدم صدور أي تأييد حتى الآن من قبيلة القذاذفة في سرت بالمنطقة الوسطى للقذافي».
ورجح الشريف احتمال خروج العقيد القذافي وعائلته من ليبيا في الأيام القليلة المقبلة.
وكان سيف الإسلام خير المحتجين في معظم المدن الليبية بين الحوار والإصلاح والدخول في حرب أهلية.
وقال في كلمة مسجلة بثها التلفزيون الليبي في الساعات الأولى من فجر امس أن والده يقود المعركة من طرابلس وأن عشرات الآلاف يتقاطرون على طرابلس للدفاع عن والده.
وأضاف «نحن لن نفرط في ليبيا وسنقاتل حتى آخر رجل وحتى آخر امرأة وحتى آخر طلقة».
بدوره، قال بعيو الذي كان حتى شهر مضى كبير المتحدثين باسم الحكومة الليبية إنه من الخطأ ان تهدد القيادة الليبية بمزيد من العنف ضد المحتجين وان عليها ان تبدأ حوارا مع المعارضين في مؤشر على وجود خلاف داخل الصفوة الحاكمة في ليبيا.
وقال بعيو في بيان حصلت عليه «رويترز» انه حتى الاسبوع الماضي كان يكن مشاعر طيبة لسيف الاسلام وأضاف ان التدخل الذي حدث الليلة قبل الماضية جاء متأخرا بعد ان شبت النيران بالفعل وانتشرت وذكر ان التهديد بالعنف زاد الغضب وقال ان ابن القذافي لم يكن موفقا في خطابه.
وقد وصف محللون سيف الاسلام بالجاهل سياسيا وغير العالم بالأمور. وقالوا انه وضع المسمار الأخير في نعش النظام.
في سياق متصل اصدر تجمع علماء المسلمين في ليبيا بيانا، اعتبر فيه ان الثورة ضد نظام القذافي واجب مقدس وأفتوا بأن الخروج على القيادة فرض عين وططالبوا بالافراج عن جميع السجناء من المحتجيين. واتهم التجمع الذي اطلق عليه شبكة علماء ليبيا، النظام بارتكاب جرائم دمويج ضد الانسانية وخيانة تامة لسبيل الله والنبي محمدژ.
في الوقت نفسه، قال المتحدث باسم قبيلة ترهونة عبدالحكيم ابوزويدة لـ «الجزيرة.نت» ان شيوخ قبيلته التي تشكل ثلث سكان العاصمة طرابلس اعلنوا تبرؤهم من النظام وانضمام القبيلة للمتظاهرين ضد الطاغية، ودعوا ابناء القبيلة للانضمام الى الثورة.
واضاف ان شيوخ القبيلة التي ينتسب اليها معظم جنود الجيش سعوا الى توعية ابنائها خاصة الجنود بتاريخ قبيلتهم وعدم الانسياق وراء الفتنة التي دعا اليها سيف الاسلام بعد ان قام النظام بتسليح العديدين.
بدورها، اكدت قبائل الطوارق جنوب ليبيا ـ في اتصال لاحد ابنائها آكلي الشيخا مع «الجزيرة»، من بروكسل ـ تأييدها للمطالبين باسقاط نظام القذافي.