خلافا لخطابه الثلاثاء الماضي والذي هدد فيه بالويل والثبور وعظائم الامور للمتظاهرين ضد نظامه الذين وصفهم سابقا بالجرذان، تخفى الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي وراء سماعة الهاتف.
وفي اوضح دلالة على العزلة التي يعاني منها، جاء تعليقه الثالث حول المجازر التي تجري في ليبيا على شكل اتصال هاتفي بالتلفزيون الليبي الرسمي، وهو ما أثار الكثير من التساؤلات حول الحديث.
فقد قالت اطراف معارضة انه اما ان يكون سجل الحديث وفر أو انه مصاب أو انه يتخفى متهمينه بأنه هو الجرذ وبنبرة شابها اليأس والاستسلام على مايبدو، عاد القذافي الى اتهام المحتجين بتناول حبوب الهلوسة والمخدرات، وركز هذه المرة على الاحداث في مدينة الزاوية واتهام تنظيم القاعدة بما يجري في البلاد.
وفيما حرص على تحييد جماعة الاخوان المسلمين والسلفيين من الوقوف وراء الاحداث، حذر العقيد من أن هناك من يريد اقامة امارة اسلامية في مدينة الزاوية (غرب البلاد) واصفا ما يجري فيها بالمهزلة، واكد الزعيم الليبي أن المتظاهرين الذين يقومون باعمال العنف في ليبيا يخدمون مصالح زعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن وهم تحت تاثير «حبوب الهلوسة، التي وزعها عليهم».
ذبح جنود
وقال القذافي في كلمته الى اهالي الزاوية (60 كلم الى غرب طرابلس) «هؤلاء لا مطالب عندهم، مطلبهم ليس عندهم بل عند بن لادن»، مضيفا «من يعطي الحبوب لاولادكم هو المجرم والمسؤول عن القتل او حرب اهلية او مصيبة».
وجاءت كلمة القذافي الى اهالي مدينة الزاوية بعد قيام من اسمتهم السلطات الليبية بـ «ارهابيي القاعدة» بـ«ذبح ثلاثة جنود على طريقة الزرقاوي» في اشارة الى ابو مصعب الزرقاوي زعيم القاعدة في العراق الذي قتل على ايدي القوات الاميركية.
الا ان قنوات فضائية ومواقع انترنت افادت عن وقوع قتلى وجرحى في المدينة بعد مهاجمتها من قبل قوات الامن الليبية لتفريق معتصمين كانوا يطالبون برحيل القذافي، واذ جدد التحدث عن عين حاسدة أصابت ليبيا مقللا في ذات الوقت من شأن التقارير التي تتناول سقوط اعداد كبيرة من القتلى، قال الزعيم الليبي معمر القذافي انه لا يملك سوى سلطة ادبية والقى بمسؤولية الانتفاضة ضد نظام حكمه على زعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن.
ووصف القذافي ابن لادن بأنه «المجرم الحقيقي» وحث الليبيين على عدم الانجرار وراء زعيم تنظيم القاعدة، وقال القذافي ان ابن لادن هو العدو الذي يتلاعب بالناس ودعا الليبيين الى عدم الاصغاء له.
وقال القذافي انه لا يوجد شخص عاقل ينضم الى الاحتجاجات على نظام حكمه، ودعا المواطنين الى نزع أسلحة أولئك المشاركين في الاحتجاجات.
وجدد دعوة «الليبيين بالنزول إلى الشوارع لاعتقال عملاء القاعدة الذين يخربون ويدمرون المدن الليبية».
وعدد القذافي إنجازاته طوال فترة حكمه في ليبيا منها انه أعطى السلطة للشعب الليبي منذ عام 1977، مقارنا وضعه الحالي بملكة بريطانيا الملكة إليزابيث الثانية، وقال إنها «حكمت 57 عاما «، مؤكدا أن أمر البلاد في يد الشعب ولجانه.
واعتبر ما يحدث في مدينة الزاوية «مهزلة»، متهما سكان المدينة بتنفيذ عمليات سطو مسلح، وطالب أهالي الزاوية بالخروج للشوارع رجالا ونساء لمواجهة المحتجين.
وكان شاهدان قالا أمس إن اشتباكات بالأسلحة النارية دارت بين قوات موالية للزعيم الليبي ومعارضيه في الزاوية وقال الشاهدان اللذان عبرا الحدود إلى تونس مرورا بالزاوية إنهما شاهدا أشخاصا بملابس مدنية يجرون في الشوارع وهم يحملون بنادق وإنهما سمعا صوت إطلاق نار كثيف.
الى ذلك وبعد ان سيطرت على شرق ليبيا ومدنه التي شهدت مواجهات دامية، تنوي المعارضة اللليبية الزحف نحو طرابلس للاطاحة بنظام معمر القذافي، ويبدو ان «الثوار» يسيطرون على شرق ليبيا بكامله من الحدود المصرية الى بلدة اجدابيا غربا، بعد اكثر من اسبوع على انتفاضة واعمال عنف اسفرت عن سقوط مئات القتلى في مختلف انحاء البلاد.
وافاد مراسلون وسكان ان طبرق ودرنة وبنغازي التي كانت مركز حركة الاحتجاج وتبعد الف كلم شرق طرابلس، باتت بين ايدي المعارضين.
انشقاق جنرالات
وفي حين مازال الرصاص يسمع ليلا في غرب البلاد بما فيها العاصمة طرابلس، تنعم مدينة البيضاء الساحلية شرق بنغازي بالهدوء. وتقوم المدينة التي تحمل جدرانها اثار الرصاص الذي يدل على عنف المعارك بين المعارضين ومرتزقة قائد الثورة معمر القذافي، بتضميد جراحها لكنها تفكر بطرابلس في الوقت نفسه. وهتف حشد من المحتجين في قاعة اجتماع في البيضا ترحيبا بنحو عشرة من كبار الضباط برتبة لواء وعقيد انشقوا عن جيش القذافي ورفضوا اطلاق النار على الحشود.
وقال رجل «اننا ننوي الزحف على طرابلس اذا تعين مساعدتها، ان هدفنا هو طرابلس اذا لم تتمكن من تحرير نفسها بنفسها»، واضاف احد المحتجين في البيضاء «لم يعد في وسعنا التراجع وحتى لو سقطنا جميعا فلن يضطر ابناؤنا للعيش معه».
من جهته، أعلن اللواء صالح مثاك قائد الشرطة القضائية «انني قدمت استقالتي واتيت الى البيضاء للتضامن مع شعبي، ساكون في الصفوف الامامية من اجل التصدي لاي هجوم قد ياتي من الخارج».
واضاف ان انصار القذافي «يقولون انني خائن، لا، لدي مبادئ»، واوضح اللواء عبدالعزيز البوستا «امرونا بمهاجمة الشعب فرفضت، لا يمكن استعمال السلاح ضد شبابنا».
بدوره اكد خالد عبدالعزيز الرقيب في الشرطة «انهم لم يقوموا باي شيء في الشرق، كل ما ترونه يعود الى ما انجزه الملك» ادريس الذي اطاح به القذافي سنة 1969.
من جهة أخرى، دمر سكان بنغازي الغاضبون ثكنة مرتزقة أفارقة استخدمهم العقيد معمر القذافي في قتال محتجين على حكمه في مدينة بنغازي الشرقية، وتحول المبنى الذي قال سكان من المدينة إن المرتزقة كانوا يقطنونه الى أنقاض وكتب على جدرانه المهدمة «ليبيا حرة» و«يسقط القذافي».
وقال محام في بنغازي إن لجنة أمنية شكلها مدنيون هناك يوم الاثنين بعد أن سيطروا على المدينة اعتقلوا 36 من المرتزقة القادمين من تشاد والنيجر والسودان استخدمهم حرس القذافي للقتال في المدينة، واستخدمت الجرارات والحفارات في تدمير المبنى، وتفحم مركز شرطة قريب وبدت آثار الرصاص على جدرانه.
وقال عوض حسين سعدي (45 عاما) وهو واقف عند المبنى «حتى لو جاءوا بمرتزقة العالم كله سنقف هنا ونقاتل في بلادنا»، وأضاف «الشعب الليبي يد واحدة»، وتعهد سكان بنغازي عند المبنى بمواصلة القتال.
وفي مدينة طبرق في شرق ليبيا أيضا قال أحد السكان إن القبائل لن تساند القذافي بعد الآن، وقال رجل عرف نفسه باسم بريق «بعد مقتل ألف شخص لن تدعم أي من القبائل القذافي»، وأضاف «لا نعرف من الذي سيحكم البلاد الآن لكن الليبيين يجب أن يوحدوا صفوفهم، يجب الا يحكم أحد الشرق فقط أو الغرب».
الناتو لن يتدخل
وعلى صعيد ردود الفعل الدولية وفيما تحدث الرئيس الاميركي باراك اوباما للمرة الاولى أمس الأول عن الازمة الليبية معتبرا حمام الدم الجاري «مشينا»، اعلن الامين العام لحلف شمال الاطلسي اندرس فوغ راسموسن خلال زيارة أمس الى كييف ان الحلف لا ينوي التدخل في ليبيا.
وقال راسموسن في مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الاوكراني فيكتور يانوكوفيتش «ارغب في ان اشدد على ان الحلف الاطلسي لا ينوي التدخل» في ليبيا، واضاف «لم نتسلم اي طلب» بهذا المعنى، واضاف «في اي حال، يجب ان يستند كل تحرك الى تفويض واضح من الامم المتحدة»، وقال الامين العام للحلف ان اعمال العنف في ليبيا قد تكون لها «عواقب» على الدول المجاورة.
واضاف «لا اعتبر ان الوضع في ليبيا تهديد مباشر للحلف الاطلسي وشركائه، لكن بالطبع قد تكون له عواقب»، لاسيما على مستوى تدفق اللاجئين الى الدول المجاورة، من دون تقديم المزيد من التوضيحات.
من جهته ذكر ديبلوماسي كبير بالاتحاد الأوروبي أمس ان التكتل يدرس إطلاق مهمة عسكرية إنسانية في ليبيا.
وقال الديبلوماسي: «إننا نعد خططا طارئة، وخططنا الطارئة من أجل سيناريوهات مختلفة وهذا أحد الاحتمالات»، وأضاف المصدر، مشيرا إلى انه ينقل عن تقديرات منظمة الهجرة الدولية والأمم المتحدة، ان بين خمسة الاف وثمانية الاف شخص فروا من ليبيا ويتوجهون لتونس بينما يسعى «عدد أصغر» إلى التماس ملاذ في مصر.
اللحظات الأخيرة
من جهته، قال وزير الدفاع الفرنسي آلان جوبيه أمس انه يأمل أن يكون عهد الزعيم الليبي معمر القذافي في طريقه للانتهاء، وقال جوبيه في مقابلة مع راديو فرانس انتر «أرجو من كل قلبي أن يكون القذافي في لحظاته الأخيرة كزعيم».
وكرر نداءات فرنسا بفرض عقوبات على ليبيا بعد الحملة الدامية التي يشنها القذافي للقضاء على الانتفاضة، وسئل الوزير الفرنسي عما اذا كانت العقوبات يجب ان تشمل وقف شراء النفط من ليبيا فقال «اذا طرح هذا فسأؤيده».
ما حقيقة المرتزقة في ليبيا؟
تشير العديد من التقارير الى ان الزعيم الليبي معمر القذافي يستخدم مرتزقة أجانب ضد شعبه في محاولته المستميتة للبقاء في السلطة.
وذكرت صحيفة الجارديان البريطانية في تقرير لها انه وفقا للتكهنات فان هؤلاء ينتمون الى دول عديدة مثل تشاد والكونغو الديموقراطية والنيجر ومالي والسودان وبعضهم من آسيا وشرق أوروبا.
من جهته قال علي العيسوي السفير الليبي في الهند لوكالة رويترز للأنباء «انهم من افريقيا ويتحدثون الفرنسية وقد دفع وجودهم بعض وحدات الجيش الى الانضمام للشعب».
كما قال العيسوي لقناة الجزيرة «يقول الناس انهم افارقة سود وهم يتحدثون العربية وهم يقتحمون المنازل ويقتلون النساء والأطفال».
ونسبت «رويترز» لاحد سكان طرابلس العاصمة القول «يبدو ان القذافي ليس له حدود، اننا نعرف انه مجنون، ولكنها صدمة فظيعة ان نراه يلجأ الى المرتزقة ضد شعبه».
وقال صدام، البالغ من العمر 21 عاما وهو من مدينة البيضاء، ان المرتزقة قتلوا 150 شخصا في يومين. واضاف قائلا «لقد شاهدنا مرتزقة من تشاد وتونس والمغرب وكانوا يتحدثون الفرنسية ويهاجموننا ولقد اسرنا بعضهم وقالوا ان القذافي امرهم بالقضاء على المتظاهرين».
ويحيط الغموض بعدد هؤلاء المرتزقة الاجانب حيث يعتقد البعض انهم مقاتلون من الحروب الاهلية في غرب افريقيا.
ورجحت بعض التقارير ان يكون المرتزقة البيض من جيش جنوب افريقيا الذين تركوه بعد انتهاء الحقبة العنصرية فاصبحوا مطلوبين في مناطق الصراعات مثل افغانستان والعراق، ولكن لا يوجد دليل على وجودهم في ليبيا.
ويرى الخبراء ان القذافي لديه خيارات عديدة «فقد كانت له تقليديا شبكة من الجنود المهرة من كل أنحاء غرب افرقيا» وفقا لادمز روبرتس مؤلف كتاب «وانجا كوب» الذي يحكي عن محاولة الانقلاب الفاشلة التي قادها سيمون مان ومرتزقة اخرون ضد رئيس غينيا الاستوائية عام 2004.
واضاف قائلا «هناك الكثير من الافارقة خصوصا من السودان الذين ذهبوا الى ليبيا من أجل المال».
وقال روبرتس «ان القذافي وغيره من الحكام الطغاة يميلون الى احاطة أنفسهم بمقاتلين موالين لهم والمرتزقة اكثر استعدادا لاطلاق النار على الشعب». واضاف قائلا «وهم افضل تدريبا، ووحدات صغيرة يمكن الاعتماد عليها، وربما يكونون اكثر خبرة في خوض المعارك وبالتالي اقدر على مواجهة الأسوأ».
وبوسع القذافي ان يمنح المرتزقة ما يريدون اكثر من اي شيء آخر وهو المال وقال سابيلو جوميو الباحث بمعهد الدراسات الأمنية في جنوب افريقيا «ان المرتزقة لا يدفعهم سوى الربح فطالما يكسبون المال فسيقومون بما هو مطلوب، واناس مثل القذافي لديهم المال».
ولكن بعض الخبراء ضد القفز الى الاستنتاجات في ليبيا التي يوجد من بين سكانها من هم سود البشرة ويمكن ان يخدموا في الجيش ويشمل هذا التشاديين الذين وقفوا الى جانب القذافي في الماضي في صراعاته مع تشاد وتمت مكافأتهم بالمنازل والوظائف والمواطنة الليبية.
واقرأ ايضاً:
محمد الصباح: اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب الأسبوع المقبل لبحث التطورات في المنطقة
أول طائرة مساعدات كويتية تنطلق اليوم إلى ليبيا
ديبلوماسيون ليبيون يرفضون لقاء معارضين بحرينيين بسفارتهم بالمنامة
معارضون ليبيون يؤكدون أن كتيبة خميس قتلت 135 جندياً.. وسيف الإسلام القذافي يعلن فتح ليبيا أمام الصحافيين ..والساعدي يرى والده «جداً» ناصحاً لأي نظام قادم
تنظيم القاعدة يتوعد العقيد ويتضامن مع المتظاهرين.. ومندوب ليبيا بالجامعة العربية: لو امتلك القذافي قنبلة نووية لاستخدمها ضد شعبه
النشمي: هيّا أحفاد السنوسي وعمر المختار.. نظام القذافي لا يقل كفراً عن الاستعمار.. وداعية سعودي: القذافي سفيه عُرف بالأقوال الكفرية ولا ولاية شرعية له
برقيات مسربة: نظام القذافي ابتزّ شركات النفط وحث على بث الشقاق في السعودية
صفية فركاش «زوجة العقيد».. الممرضة المليارديرة التي حكمت ليبيا 40 عاماً
عائشة القذافي تنفي رفض مالطا استقبال طائرتها والأمم المتحدة تنهي مهامها كسفيرة للنوايا الحسنة