بيروت
عدنان الراشد
عمر حبنجر
ناجي يونس
المحامي كريم بقرادوني، رئيس حزب الكتائب اللبنانية، لطالما كان علامة فارقة في سجل أحداث لبنان المعاصرة، منذ اندلاع شرارتها الأولى في أواخر الستينيات، ونافذة الانفتاح الكتائبية على الغير، مهما كانت القناعات متعارضة والحواجز عالية، فهو كان مهندس العلاقة بين الكتائب وبين منظمة التحرير بعد حقبة التدهور والصراع، ثم كان القائد لحركة التحول الكتائبي باتجاه سورية والأحزاب اللبنانية المتحالفة معها، وكانت له لقاءات مع الرئيس حافظ الأسد، وقبله مع ياسر عرفات، وشكل دائما حالة توفيقية داخل حزب اتسم بالمحافظة البالغة حد التزمت.
بداياته الكتائبية، في مصلحة طلاب الحزب أواخر الستينيات، وكان دائما محط الأنظار في أي موقع ومسؤولية، بدا الأقرب الى الرئيس أمين الجميل حين كان رئيس اقليم المتن الكتائبي في العام 1975، وسرعان ما وجد نفسه أكثر قربا من نهج وتفكير شقيقه الشيخ بشير الجميل، وبعد اغتيال الرئيس المنتخب بشير، سعى كريم الى تقليص مساحة التصادم بين الأقوى ميدانيا في «القوات» سمير جعجع والأقوى أمنيا إيلي حبيقة، ثم سرعان ما اعتمد مسار جعجع حينما انتفض الأخير على حبيقة، إثر توقيعه الاتفاق الثلاثي مع نبيه بري ووليد جنبلاط في دمشق عام 1985، وانضم الى «حلقة الأربعة» المؤلفة من نائب الحزب الآن، جوزف ابوخليل وانطوان نجم والمرحوم زاهي البستاني.
ومع اندلاع «حرب الالغاء» بين العماد ميشال عون، ود.سمير جعجع، والتي سماها عون «حرب التحرير» عامي 88 و89، انقطع اتصاله مع د.جعجع، فهو كان معه، لكنه ليس ضد عون، وتكرس هذا الانقطاع بدخول جعجع السجن عام 1994، وتوكل عنه الى جانب محامين آخرين في أواخر مراحل المحاكمة، ولفترة وجيزة.
يتميز بقرادوني بسعة الاطلاع وحدّة الذكاء وطيب المعشر، والقدرة على تدوير الزوايا ومعالجة التعقيدات وايجاد المخارج، وكذلك خلق الأدوار له على المستويات الأعلى دائما، لكن كونه أرمنيا، في بلد تحكمه الموازين الاثنية والطائفية حال دوما دون ارتقائه الصفوف الأول وبقي محكوما بموجبات هذا الواقع، محتفظا بتأثيره السياسي، المتجاوز لحدود موقعه في معظم الأحيان.
لم يكن عسكريا بأي معنى، ولو انه مارس دوره السياسي من المنطلق الحزبي والميليشياوي، ولا شعبويا مستقطبا للجمهور، لاختلاف جمهوره الأساسي عن جمهور حزبه، لكن رغم حدة الصراعات التي ألزم بخوضها تحت ضغط الأحداث، بقيت خطوط مفتوحة مع كل الأطراف ولم يدع علاقاته الشخصية تتأثر بتحولات الرياح.
لذلك نجد كريم بقرادوني ضمن الطاقم الاستشاري للرئيس الراحل الياس سركيس، وطبعا بعده الرئيس المنتخب بشير الجميل، واخيرا الرئيس اميل لحود الذي ساهم في فتح ابواب دمشق أمامه مرة أخرى.
وحاول بقرادوني في المرحلة الاخيرة التقريب بين حزب الكتائب والتيار العوني، لكنه لم يوفق، وبعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وما تلاه من مسلسل الموت الذي أخذ في طريقه الوزير الكتائبي الواعد بيار الجميل، عاد الحزب ومعه رئيس كريم الى المسار التقليدي، تحت ادارة «الرئيس الأعلى» الشيخ أمين الجميل.
ولمن يتحدثون عن زعزعة في حزب الكتائب قال بقرادوني ان حزبنا يكاد يكون الحزب الوحيد الذي اصيب بتشققات ثم اعاد توحيد نفسه، بينما ما من حزب لبناني آخر، تعرض للانشقاقات واستطاع العودة الى حالته الاولى، واعطى أمثلة.
في لقائه «الأنباء» كان المدخل تقييمه للخطاب الاخير للسيد حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله، والذي صدرت حوله ردود فعل كثيرة، خصوصا لجهة طرحه افتراض ان تكون اسرائيل وراء جرائم الاغتيالات السياسية في لبنان بدءا من الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وبعد سنتين من المقاومة السورية للمحكمة الدولية التي انشأها مجلس الأمن، وكان رأي بقرادوني ان نصرالله يتقن المقاومة جيدا، ومن دون ان ينسحب ذلك على اللعبة السياسية، وانه مهما كانت الانتقادات الموجهة اليه فهو الضمانة اللبنانية لمنع الفتنة المذهبية، ملاحظا انه يقدم احيانا على خطوات من دون ان يذهب الى النهاية، آخذا من سورية خيارا اساسيا، ومستندا اعجاب قاعدته الشعبية بشخصه.
بقرادوني اعترف بصعوبة الاتفاق على رئيس للجمهورية في الظروف الحالية، لذلك ركز على منع الاقتتال بين الفرقاء المسيحيين، مستبعدا قيام حكومتين، ومطمئنا ان الجيش سيتمكن من منع اي تحركات ميدانية حتى لو قامت حكومتان.
وفي رأي بقرادوني ان فك الحصار عن وسط بيروت مرتبط بشيء ما لم يقله، يتعين ان تقدمه الحكومة، مؤكدا على ان مشكلة سورية في لبنان الآن هي المحكمة الدولية، ونافيا في ذات الوقت ان يكون لحزب الله عدوان، بل له عدو واحد هو اسرائيل، وتحدث عن دراسات واجتهادات يملكها الرئيس اميل لحود «لكنه لم يفصح عنها أمامي، تخول له القيام بخطوات، بيد اني واثق من الوصول الى رئيس توافقي في ربع الساعة الاخير».
عن مرشح حزب الكتائب للرئاسة قال بصراحته المعهودة: الرئيس أمين الجميل مرشحنا، وهو واحد من اربعة اقوياء موارنة يفضل ان يكون الرئيس منهم الثلاثة الآخرون هم: العماد ميشال عون، د.سمير جعجع والنائب السابق سليمان فرنجية، بقرادوني وردا على حديث احد الصحف السورية عن تشرذم حزب الكتائب، قال: الكتائب هي الحزب الوحيد الذي تشرذم ثم عاد موحدا بينما باقي الاحزاب التي تشرذمت مازالت مشرذمة.
على الصعيد الاقليمي يرى بقرادوني ان مؤتمر واشنطن الدولي المقرر الشهر المقبل سيكون له مصير مؤتمر جنيڤ الشهير مع استمرار غياب القبول الاسرائيلي الواضح بالدولة الفلسطينية.
تفاصيل الحوار في ملف ( pdf )