قضايا
ماذا حدث لفريق الصقور اليميني المتشدد في الادارة الأميركية؟ سؤال اصبح على كل لسان في الولايات المتحدة وربما في العالم خاصة بعد حملة النقد العنيفة التي شنها المتشدد جون بولتون ضد الرئيس جورج بوش واصفا ادارته بالتخلي عن مبادئ اليمين المتشدد بعد تحوله إلى سياسة أكثر براجماتية وواقعية.
«لقد تعثرت الجهود التي بذلها البيت الابيض في كبح جموح ايران، بسبب استمرار فشله الديبلوماسي طوال الاعوام الاربعة ونصف العام الماضية، اما سياساته ازاء كوريا الشمالية، فهي ليست سوى احتيال وانحراف خطيرين، ثم ان البيت الابيض لايزال يتطلع الى تحقيق مهمة احلام سلام مستحيل في منطقة الشرق الاوسط، على حساب اتخاذ موقف ثابت وراسخ ضد مخاطر الانتشار النووي في تلك المنطقة»، من كان يصدق ان تصدر عبارات نارية كهذه في انتقاد ادارة بوش من شخصية مثل «جون بولتون» الذي كان يعد في نظر بوش احد اوفى مؤيديه وأكثرهم ثباتـــا في الدفاع عنه في المنــــابر الداخلية والدولية، بما فيها الجمعية العامة للامم المتحدة التي كان يعمل بها سفيرا لبلاده حتى قبل أقل من عام من الآن؟
عراك قانوني
فعلى رغم نظرة خصوم بوش من الليبراليين الى «جون بولتون» على انه من اشد الموالين للرئيس والمدافعين عن نهجه وسياساته طوال السنوات الماضية من عمر الادارة، الا انه تحوّل اخيرا الى أحد اشد وأقسى منتقديه، سواء كان تعبيره عن موقفه الانتقادي الجديد هذا، عبر ما كتب من مقالات رأي في مختلف الصحف الأميركية، او من خلال اللقاءات الصحافية التي أجريت معه، غير ان التطور الاهم فيها، انه وضع آراءه هذه في كتاب كامل خصصه لانتقاد الادارة نفسها التي ظل من أقوى مؤيديها وأعلاهم صوتا في صفوف اليمين والمحافظين الجدد حتى وقت قريب، وبالنسبة لشخص قانوني مثله - هرع الى ولاية فلوريدا في عام 2000 ولم يتوان في ترك كل ما أمامه، لينضم الى العراك القانوني الذي نشب حينها بشأن اعادة فرز الاصوات الانتخابية لحملة بوش - فلا شك ان الشعور بالاحباط ازاء اداء الادارة الحالية هو ذو طابع شخصي بحت، ومثلما عبر هو بنفسه عن هذا الاحباط بقوله: «فلم أكن لأقضي 31 يوما في ولاية فلوريدا عام 2000 لينتهي بنا الحال الى ما نحن عليه الآن».
وفي الحقيقة، فإن تنامي هذا الموقف الانتقادي لدى «بولتون»، انما يعكس شعورا عاما بالملل لدى بعض المحافظين، منشؤه الاحساس بالضعف الذي ألمّ بالادارة جراء استمرار الحرب الاستنزافية في العراق، الى جانب مأخذهم على الادارة من تخليها عن أهم المبادئ التي كانت واجبة مراعاتها لحل الازمة، بما فيها تبني سياسة اكثر اعتدالا تقوم على منهج التفاوض، والى جانب «جون بولتون»، هناك نواب جمهوريون على شاكلة «بيتر هيوكسترا» من ولاية «ميتشجان»، من عبروا عن الرأي القائل: «فإنك ترى مثل هذه الامور، وهي تحدث عادة في نهاية كل ادارة سُدّ أمامها الطريق وتعثرت مسيرتها، فلا تكون لها من حيلة سوى ما تفعله الادارة الحالية في مفاوضاتها الجارية مع «بيونغ يانغ» بشأن تفكيك برنامجها العسكري النووي»، يذكر ان «هيوكسترا» يعد من اشد منتقدي مفاوضات واشنطن - بيونغ يانغ، اما النائب الجمهوري «إلينا روس - ليهتنن» من ولاية فلوريدا، فقد نشرت مقال رأي مؤخرا في صحيفة «وول ستريت» دعت فيه الى رفع السرية عن معلومات استخباراتية تفيد بتوجيه اسرائيل ضربة عسكرية ضد موقع سوري في سبتمبر الماضي، ثارت حوله الشكوك في ان يكون موقعا نوويا تعمل «بيونغ يانغ على تزويده بالمعدات والتكنولوجيا النووية التي تلزمه، وقال «هيوكسترا» أثناء لقاء صحافي هاتفي أجري معه، انه سيتابع عن كثب ما تقوم به الادارة ازاء «بيونغ يانغ»، «كما سأتابع بالاهتمام ذاته ما تفعله الادارة بشأن النزاع الاسرائيلي الفلسطيني».
تغير السياسة
غير ان تحول بوش نحو سياسة اكثر براجماتية وواقعية قد ارتبط او تصادف مع مغادرة عدد من صقور ادارته لمناصب ومواقع مسؤولياتهم التي كانوا يؤثرون من خلالها على عملية صنع السياسات واتخاذ القرارات، مصحوبا بتولي «كوندوليزا رايس» لمهام وزارة الخارجية، وبالنتيجة فقد انتقلت بعض الحوارات التي كانت تدور يوما في اروقة الادارة خلف الابواب المغلقة، الى العلن الآن، وقال «بولتون» انه شعر بأنه لا أمل البتة في تصحيح مسار الادارة، ولذلك فقد آثر التخلي عن منصبه مع تلازم لحظة انتهاء مدة عمله مع نهاية الكونغرس الماضي الذي كان يسيطر عليه الجمهوريون في اواخر شهر ديسمبر من العام الماضي.
ومما ساعد خطوة التقاعد هذه، ان البيت الابيض كان قد زكى «بولتون» لمدة عام آخر في تمثيل الولايات المتحدة ديبلوماسيا في الامم المتحدة، الا ان المؤكد ان مجلس الشيوخ الجديد لن يوافق مطلقا على تلك التزكية، ومضى «جون بولتون» اثناء حوار أجري معه مؤخرا في معهد «أميركان إنتربرايز» - مؤسسة جمهورية بحثية، عاد إليها مؤخرا - بقوله: «ولكن الذي تكشف لاحقا ان الادارة لم تكن تمضي في الاتجاه الخاطئ فحسب، بل هي قد عقدت العزم فعلا على المضي في هذا الطريق الى نهايته، لذلك، وعندما نظرت الى أمر بقائي في الحكومة من ميزان الخسارة والربح، فقد أدركت ان بوسعي ان أفعل الكثير وانا خارجها، خاصة فيما يتصل بمجال السياسات، وهو مجال خلافي الرئيسي معها».
يذكر ان الرئيس بوش كان قد وصف تنحي «بولتون» بأنه خطوة محبطة حينها، وبالنظر الى شدة حساسية هذه الادارة ازاء الانتقادات الموجهة لها، فقد اتضح ان ذلك الوصف كان في محله تماما، الى ذلك قال احد كبار مسؤولي الادارة - رفض ذكر اسمه -: ان التعليق الوحيد الذي صدر عن بوش عندما ورد ذكر اسم «جون بولتون» خلال حوار هو قوله: «انه شخصية مثيرة للاهتمام»، ثم سرعان ما تعمد تغيير الموضوع نفسه.
اما السبب في ذلك فيعود الى انشقاق كبير في مجموعة الصقور المسيطرين على البيت الابيض.
ستيڤ لي مايرز
الصفحة في ملف ( pdf )