باتريك بوكانان
رئيسنا المقبل سيواجه روسيا يقودها رئيس وزراء هو فلاديمير بوتين، العاقد العزم على الوقوف في وجه غرب يعتقد الروس أنه عاملهم كأنهم أغبياء عندما سعوا إلى أن يكونوا أصدقاءه. سيرفض الأميركيون الذين يظنون أن بوتين لم يكن سوى بلطجي الـ «كي جي بي» الاتهامات حول أي دور للولايات المتحدة في التسبب بتدمير العلاقات بيننا.
غير أن غطرسة بيل كلينتون وجورج بوش الأب، والخوف الروسي لدى أولئك الذين جلبوهم معهم إلى السلطة، كانا سببا رئيسيا للعلاقة الممزقة. وحماقة ما أقدموا عليه لم يعد واضحا اليوم، في الانتصار الكاسح الذي حققه حزب بوتين، روسيا الموحدة، معتمدا على سيل من الإساءات والإهانة ضد الغرب.
وكان بوتين، في خطاب له أمام حشد يتألف من 5 آلاف شخص، قد وجه ضربة ممزقة لتحالف روسيا الأخرى بقيادة بطل الشطرنج غاري كاسباروف بوصفه أعضاء التحالف بأنهم الكلاب المدللة للولايات المتحدة، «الذين يعتاشون على حساب السفارات الأجنبية، ويعتمدون على دعم من مصادر وحكومات أجنبية، وليس على شعبهم».
وصاح بوتين: «أولئك الذين يعارضوننا لا يريدون أن نكتمل خططنا. إذ لديهم مهام مختلفة ونظرة مختلفة تماما لروسيا. ويريدون دولة ضعيفة ومريضة، ومجتمعا مقسما يعاني الاضطرابات، لكي يتمكنوا من الانخراط من وراء ظهره في أفعالهم القذرة والتكسب على حسابك وحسابي».
يشير بوتين إلى زمن «أوليغاركيي» عهد يلتسين، الذين نهبوا روسيا عندما بيعت ممتلكات الدولة بثمن بخس. كما أن بوتين يتهم خصومه بمحاولة استخدام تكتيكات احتجاجات الشارع الجماهيرية المستنبطة من الغرب للإطاحة بحكومته. «والآن بما أنهم تعلموا بعض الأمور من اختصاصيين غربيين وجربوها في الجمهوريات المجاورة، فإنهم سيجربونها في شوارعنا».
تحدث بوتين عن الثورات «المرمزة بالألوان» والتي خططت لها السفارات الأميركية وسفارات الناتو، والوقف الوطني من أجل الديموقراطية، والمؤسسات الحليفة وجماعات خط المواجهة في أوكرانيا وجورجيا. والحكومات التي تميل نحو موسكو تم التخلص منها ونصبت مكانها أنظمة مؤيدة للغرب - من أجل التقدم للعضوية في الناتو والاتحاد الأوروبي.
النتائج غير المقصودة هي مصطلح مستخدم بشكل واسع في مجال التجسس لوصف العواقب غير المقصودة للعمليات السرية. والثورة التي جلبت نظام الحكم الحالي في إيران إلى السلطة يقال إنها نتيجة غير مقصودة للانقلاب المدبر من الولايات المتحدة للإطاحة بمصدق عام 1953 وتنصيب الشاه.
إن النزعة القومية ونزعة العداء لأميركا اللتين تنتشران في روسيا في عهد بوتين هما بمنزلة نتائج غير مقصودة لعدم اكتراثنا المفعم بالازدراء لحساسيات روسيا وتوغلاتنا التي تعكس غرورا وتصلبا في المجال الروسي. كيف خسرنا روسيا التي كان رونالد ريغان وبوش الأب قد حولاها بالفعل إلى حليف لنا؟
لقد دفعنا بالناتو في وجه موسكو حيث جلبنا 6 دول من الأعضاء السابقين في حلف وارسو و3 جمهوريات سوڤييتية سابقة هي لاتفيا وأستونيا إلى تحالفنا العائد إلى الحرب الباردة وتآمرنا لجلب أوكرانيا وجورجيا إلى ذلك التحالف.
وقمنا بتمويل خط أنابيب يمتد إلى باكو عبر جورجيا إلى البحر الأسود لإبعاد روسيا عن التجارة النفطية القزوينية. وبعد الحصول على إذن موسكو باستخدام القواعد السوڤييتية القديمة في وسط آسيا لغزو أفغانستان، انطلقنا لجعل هذه القواعد قواعد دائمة.
وانسحبنا من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ البالستية على الرغم من اعتراض موســـكو، ثم أعلنا خططا لوضع أجهزة رادار متقدمة لرصد هذه النوعية من الصواريخ في جـــمهورية التشــــيك ولوضع نوعيات أخرى من الصواريخ في پولندا.
والآن رد بوتين بالأسلوب نفسه. ومن ذا الذي يمكنه أن يلومه في ذلك؟
وكما حاولنا إبعاده عن نفط أذربيجان بخط أنابيب البحر الأسود، فإنه يعمد إلى خفض الدعم فيما يتعلق بنفط أوكرانيا ويتواطأ مع ألمانيا حول خط أنابيب يمتد إلى بحر البلطيق لإبعاد پولندا عن تجارة النفط مع أوروبا الغربية. وكما نقلنا حلفنا وقواعدنا إلى جبهته وفنائه الخلفي، فإنه بدوره قد دخل ما يشبه التحالف مع الصين و4 دول تنتمي إلى وسط آسيا لطرد القوى العسكرية الأميركية من هذه المنطقة.
كما تخلينا عن معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ البالستية فإن البرلمان الروسي اقترع في الشهر الماضي بأغلبية 418 صوتا مقابل لا شيء على إيقاف المشاركة في معاهدة القوات التقليدية، في أوروبا التي تقيد نطاق وجود الجيش الروسي غربي جبال الأورال.
وإذا اعترفنا بكوسوڤو كدولة مستقلة على حساب صربيا فإن بوتين يهدد الآن بالاعتراف بأوستيا الجنوبية وأبخازيا وهما الجمهوريتان الانفصاليتان عن جورجيا وترانزدنيستر التي تطالب مولدوڤا بضمها.
وحيث أيدنا الثورة البرتقالية في أوكرانيا والثورة الوردية في جورجيا فإن روسيا تؤيد القادة المفضلين لديها في كييڤ وتدعم احتجاجات الشوارع في تبليسي ضد نظام ميخائيل ســــكاشفيلي الذي يحظى بالتأييد الأميركي والذي تبدو الولايات المتحدة أنها عاجزة عن مساعدته.
لم يكن الناتو هو الذي حرر أوروبا الشرقية. وإنما حررته موسكو بالانسحاب ومغادرة الجيش الأحمر لها بعد نصف قرن. فلماذا إذن نعتقد أن تحريك الناتو إلى أوروبا الشرقية كان ضمانة أقوى لاستقلال أوروبا الشرقية من حسن نية روسيا؟
إن الكثيرين في صفوف نخبنا المعنية بالسياسة الخارجية الآن يتحدثون عن حرب باردة ثانية. ويريد جون ماكين طرد روسيا من مجموعة الدول الثماني الكبرى. ولكن أليس لدينا ما يكفي بالفعل من الأعداء فنسعى إلى أن نضيف إلى هؤلاء الأعداء أكبر أمة على وجه الأرض؟
عن «وول ستريت جورنال»
صفحة قضايا في ملف ( pdf )