بيروت - عمر حبنجر
هل يكون سحر ساحر ذلك الذي حصل في القاهرة؟ وزير الاتصالات اللبناني مروان حمادة يعتقد ان في الامر سحرا، اذ كيف يتسنى لوزراء 22 دولة عربية، بما فيهم سورية، الموافقة على الاعلان الذي اذاعه الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى متضمنا خارطة خروج لبنان من مأزق الفراغ الرئاسي الذي يتخبط به منذ شهر ونيف؟
لكن، بقراءة متأنية للتطورات تبدو الصورة اقل تعقيدا، زيارتان الى دمشق، الاولى لمستشار مرشد الجمهورية الاسلامية السيد علي خامنئي ود.علي لاريجاني، والثانية لرئيس حكومة قطر الشيخ حمد بن جاسم.
اضافة الى ذلك، فإن الاكثرية في لبنان سلمت القيادة الى الرياض والقاهرة لتركيب الحل المتوازن المقبول من مختلف الاطراف، وقد يكون مغايرا للحقيقة عدم ابراز جولة الرئيس الاميركي جورج بوش في المنطقة كمؤثر ضاغط على مختلف الاطراف، فالرئيس الذي بدأت تتساقط اوراق ولايته لا يريد ما يمكن ان يشغله عن موضوع جولته الاساسي، وهي اسرائيل، والحل الذي تقبله لمسألة الدولة الفلسطينية.
هذه الاسباب مجتمعة معطوفة على الشعور العربي والدولي بخطر انتشار «الانفلونزا اللبنانية» في المنطقة مرة اخرى، حثت الجامعة العربية على التحرك ورفع الصوت، وكانت الخطة المتكاملة التي اذاعها عمرو موسى مساء امس الاول بعد الاجتماع التحضيري للوزراء والتي تلحظ انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية بصورة فورية، يلي ذلك تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد مشاورات نيابية الزامية طبقا للدستور، ثم العمل على قانون انتخاب نيابية جديد على ان توزع المقاعد الوزارية على نحو تكون فيها الارجحية لرئيس الجمهورية، لا للمعارضة ولا للموالاة، على ان تعرض نتائج ما تم تنفيذه في اجتماع آخر للوزراء في 27 و28 الجاري، اي قبيل قمة دمشق في اوائل مارس، ليبنى على الامر مقتضاه من جانب الدول الداعمة لهذا الحال.
واوضح عمرو موسى ان ما اقر هو انصاف وليس توافقا، وقد صيغ بصورة جماعية بموافقة سورية.
وبمجرد اذاعة الاعلان، اتصل موسى بالرئيس نبيه بري الذي رحب في بيان مكتوب صدر باسم «رئاسة مجلس النواب»، كما رحب رئيس الحكومة فؤاد السنيورة بحفاوة حينما ابلغه عمرو موسى الامر نفسه، وكان الترحيب كذلك من رئيس تكتل المستقبل سعد الحريري الذي اصدر بيانا ملؤه الشكر والامتنان للدول العربية، ولم يكن بيان الرئيس السابق امين الجميل اقل حفاوة، لا بل ان الرئيس الاعلى لحزب الكتائب حذر من «الشروط الاضافية التي بدأت تسمع من جانب المعارضة»، وناشد الفريق المسيحي في المعارضة - قاصدا العماد ميشال عون والوزير السابق سليمان فرنجية - القبول بالمقترحات العربية للحل.
ردود الفعل الاولية من جانب فريق العماد عون وردت على لسان المسؤول السياسي لدى تياره جبران باسيل الذي اشترط تكريس الارجحية المقررة لرئيس الجمهورية في تركيبة الحكومة، بينما رحب عضو الكتلة العونية النائب سليم سلهب بهذه «السلة المتكاملة» المرسلة من الجامعة العربية، داعيا الى استئناف الحوار بين العماد عون والنائب سعد الحريري من حيث توقف.
حمادة يشرح البنود
الاكثرية النيابية صفقت ترحيبا بالقرار العربي دون ان تعتبره انتصارا، وقد تولى وزير الاتصالات توضيح وشرح بنود القرار العربي الذي لا يمثل وجهة نظر الحكومة اللبنانية او الاكثرية اللبنانية، لكنه يمثل حلا مقبولا للازمة. واشار حمادة الى اكثر من ساحر لعب لعبته في تطوير المبادرات السابقة انطلاقا من توق اللبنانيين الى ملء الفراغ، واعطى حلا متوازنا يقوم على اختيار العماد ميشال سليمان.
وفي قراءة لبيان عمرو موسى، قال حمادة: البيان لم يعط الاكثرية النيابية اكثرية الثلثين في الحكومة او القدرة على الترجيح، ولم تعط المعارضة القدرة على الاسقاط، مما يعني انه لن يكون للاغلبية الثلثان ولا للاقلية الثلث المعطل، واعطى الكفة المرجحة في الحكومة لرئيس الجمهورية.
وهو في هذا احترم المعادلة البرلمانية بتشكيل الحكومات تبعا للاصول، اي استشارات نيابية ملزمة يتبعها تكليف رئيس حكومة ثم تشكيل الحكومة، وهو بهذا ارضى المعارضة في سعيها للمشاركة، لكنها لم يعطها قدرة اسقاط قرارات الحكومة كي تسقط قرارا ما، عليها الحصول على موافقة رئيس الجمهورية، وكي تمرر الاكثرية قرارا عليها الاعتماد على رئيس الجمهورية.
وفي رأي حمادة ان هذا المخرج يرضي رئيس الجمهورية ويرضي الشريحة المسيحية، لأن المسيحيين تواقون لرؤية رئيس الجمهورية مستعيدا لدوره المميز، دور الحكم والحاكم في التركيبة اللبنانية، وهذا العرف اذا اعتمد الآن فمن شأنه ان يشكل تفسيرا لاتفاق الطائف.
سحر ساحر
واضاف حمادة موضحا بهذا الاغلبية ابقت على اغلبيتها، لكنها لم تأخذ الصفة المرجحة، والمعارضة حصلت على المشاركة من دون الثلث المعطل، ورئيس الجمهورية حصل على الكفة الراجحة، وهذا يرضي المسيحيين هنا سحر الساحر.
وعما يتوقعه من مواقف المعارضة، قال حمادة: هناك نوعان من المعارضة هناك معارضة يمكن الا تسكت ومعارضة يمكن ان تمشي بانتخاب الرئيس، وانا هنا اعول على موقف الرئيس نبيه بري.
وردا على قول الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله منذ بضعة ايام انه لا ايران ولا سورية ولا العالم كله يمكنه اقرار ما لا تريده المعارضة اللبنانية، قال حمادة: الذي حدث ان هناك تفصيلا معينا لنقاط كنا نرفض كأكثرية الخوض فيها قبل انتخاب الرئيس، فجاء الاقتراح العربي متكاملا، طبعا هو لا يستطيع القفز فوق المحطات، بمعنى لا نستطيع ان نضع قانون انتخاب قبل تشكيل الحكومة الجديدة، ولا هذه او تلك قبل انتخاب رئيس الجمهورية، لذلك جاءت المبادرة العربية لتضع المحطات الدستورية، وفي الوقت ذاته اعطت كل ذي حق حقه، مانعة الاستئثار بالقرار من اي طرف.
وعن سر النخوة العربية المتجددة بعد التحرك الفرنسي، قال حمادة: بين المبادرة الفرنسية التي اعطت نتائج مرحلية مهمة اسست للنقاط الثلاث التي طورتها الجامعة العربية، وكانت واردة في محضر لقاء الرئيس بري وسعد الحريري والوزير كوشنير.
ارتياح فرنسي
وكشف حمادة عن اتصال هاتفي بينه وبين برنار كوشنير وزير الخارجية الفرنسية الموجود في سلوڤينيا، وقد قومنا المبادرة العربية معا، وشعرت ان الفرنسيين مرتاحون كون جهودهم انتجت شيئا عن الطريق العربي الذي هو الافضل.
وقال: جريمة من يقطع يد المبادرة العربية الجديدة من خلال اثارة الشكوك والتفسيرات من جانب من كان مرشحهم الفراغ في لبنان.
وبالفعل، يبقى التعويل على موقف المعارضة ككل، فالرئيس بري صفق للاتفاق بصفته رئيسا لمجلس النواب، لكن وزير الخارجية المستقيل فوزي صلوخ المحسوب عليه سياسيا اعتبر ان ما تقرر في القاهرة يخدم قوى الاكثرية التي يمثلها وزير الثقافة طارق متري، وقال صلوخ لتلفزيون «المنار» ان زيارة موسى الى بيروت الاربعاء المقبل تهدف الى تسويق هذا المشروع.
موقف حزب الله تحت الدرس
موقف حزب الله مازال تحت الدرس، وهو المعول عليه في المعارضة، وقد انتقدت اذاعة «النور» الناطقة بلسان الحزب تصريحات وزير خارجية مصر احمد ابوالغيط الذي اعتبر ان الاولوية هي لانتخاب رئيس للبنان، وربطت موقف ابوالغيط والجامعة بموقف الرئيس الاميركي جورج بوش، وقالت: اننا امام طرح جديد يحتاج الى قراءة متأنية من قبل المعارضة التي تعتبر نفسها بالاصل غير ملزمة بأي قرار يصدر عن الوزراء العرب، على اعتبار ان لبنان غير ممثل رسميا، وان الحضور اللبناني هو لطرف ما، وهو فريق السلطة، الذي يعتبر من وجهة نظر المعارضة «اداة» في المشروع الاميركي، وما البيانات الصادرة باسم نواب هذا الفريق الا وحيدة المصدر وهو قريطم، كما النائب اسماعيل سكرية (كتلة الوفاء للمقاومة) ربط الاتفاق بزيارة بوش الى المنطقة، وطالب بضمانات للتنفيذ، مشيدا بتجربة العماد سليمان في قيادة الجيش، اما النائب حسن فضل الله فقد اعتبر ان الاتفاق يحتاج الى قراءة متأنية.
الصفحة في ملف ( pdf )