جيفري ساكس
الكثير من مناطق الحروب الدائرة حاليا حول العالم - مثل أفغانستان، اثيوبيا، العراق، باكستان، الصومال والسودان - لديها عدد من المشكلات المشتركة التي تشكل جذور نزاعاتها. فهي أراض فقيرة تعصف بها الكوارث الطبيعية بصورة متكررة ويعيش فيها سكان نموهم سريع ويستنفدون إلى الحد الأقصى الإمكانيات الغذائية لكل بلد من تلك البلدان، ونسبة الشباب فيها مرتفعة جدا في جميع الأحوال.
الطريقة الوحيدة لحل جميع هذه المشكلات تكمن في التنمية الاقتصادية المستدامة على المدى الطويل. بيد أن الولايات المتحدة تصر، مع ذلك، على الانشغال بالأعراض وليس بالأمراض الحقيقية، بينما تواجه كل نزاع من تلك النزاعات بوسائل عسكرية، حيث تساند الجيش الإثيوبي في الصومال وتحتل العراق وأفغانستان وتهدد بقصف إيران وتدعم الديكتاتورية العسكرية في باكستان، لكن أيا من تلك الأعمال العسكرية لا يعالج المشكلات الحقيقية التي سببت تلك النزاعات. لا بل على العكس من ذلك، إذ عادة ما تفجر السياسات الأميركية الوضع بدل أن تحله.
هذه الاستراتيجية العسكرية عادة ما تنتهي متحولة ضد الولايات المتحدة نفسها. فلقد ساندت واشنطن شاه إيران بإرسال كميات كبيرة من الأسلحة وقعت بيد الحكومة الثورية منذ عام 1979. ومن ثم دعم الأميركيون صدام حسين عندما هاجم إيران، حتى قاموا هم بأنفسهم بمهاجمة صدام نفسه.
والولايات المتحدة دعمت أسامة بن لادن في أفغانستان خلال الحرب ضد السوفييت واضطرت أخيرا إلى محاربته. ومنذ عام 2001 والولايات المتحدة تدعم برويز مشرف في باكستان ولقد سلمته مساعدات تصل قيمتها إلى أكثر من 10 مليارات دولار وهي تقف الآن أمام نظام غير مستقر إلى حد كبير هناك.
إن سياسة الولايات المتحدة الخارجية قليلة الفاعلية إلى هذا الحد لأن العسكريين هم الذين يتحكمون فيها، فحتى محاولة إعادة إعمار العراق إثر الحرب قادتها الپنتاغون. والميزانية العسكرية الأميركية تسيطر على كل ما له علاقة بالسياسة الخارجية، فإذا جمعت ميزانيات الپنتاغون، حربي العراق وأفغانستان، وزارة الأمن الداخلي، برامج التسلح النووية وعمليات المساعدات العسكرية لوزارة الخارجية، فإن مجموع نفقات الولايات المتحدة خلال عام 2007 في هذا الميدان سيصل إلى 800 مليار دولار مقابل أقل من 200 مليار دولار تخصصها للتنمية الاقتصادية.
هذه العسكرة تدفع العالم إلى حلقة مفرغة من العنف والنزاع. فكل منظومة سلاح جديدة «تبيعها» أو تهديها الولايات المتحدة إلى منطقة مثل الشرق الأوسط أو إفريقيا تزيد من احتمالات الحرب والانقلابات العسكرية وكذلك إمكانية أن تستخدم تلك الأسلحة في نهاية المطاف ضد الأميركيين أنفسهم. ومن نافلة القول ان شيئا من كل ذلك لا يساعد على حل المشكلات الأساسية كالفقر ووفيات الأطفال وشح المياه ونقص وسائل العيش التي تعصف بأماكن مثل الإقليم الواقع على الحدود الجنوبية الشرقية من باكستان أو إقليم دارفور السوداني أو الصومال.
علما أنها أمكنة تغص بالناس الذين يعانون بصورة متزايدة من الضغوط الناجمة عن نقص الأمطار وتراجع الأراضي الصالحة للرعي، وفي هذه الحالة، فإنه من الطبيعي أن ينضم الكثيرون إلى قضايا راديكالية.
لكن حكومة بوش لا تستوعب تلك المشكلات السكانية والبيئية ولا تدرك أن 800 مليار دولار مخصصة للأمن لا تخدم بشيء في إرواء عطش أفغانستان أو باكستان أو السودان أوالصومال وبالتالي فإنها لا تساهم في بناء السلام.
لا يمكن الوصول إلى عالم أكثر سلما إلا عندما يبدأ الأميركيون والآخرون برؤية الأشياء بعيون أعدائهم المفترضين وإدراك أن النزاعات الحالية المولودة من اليأس والعجز يمكن أن تجد طريقها إلى الحل عن طريق التنمية الاقتصادية وليس بالحروب.
عن «كريستيان ساينس مونيتور»
الصفحة في ملف ( pdf )