ريان كابلان
نسمع كثيرا من المزاعم عن الديموقراطية الأميركية وجدواها وهي مزاعم حقيقية، ورغم ان ملايين الاميركيين تواقون بالفعل لسماع شيء عن سباق 2008 الانتخابي فاننا نجد تكرارا مغالطات وخرافات عن الناخبين والانتخابات لاتقل سوءا عن بعض الأخبار المنشورة بل هي أكثر وقاحة.
من أهم تلك المزاعم:
1- ان الاميركيين يصوتون لمصالحهم الذاتية:
في الحقيقة، هناك فقط ارتباط ضئيل جدا بين الدخل والحزب. فالبلد ليس منقسما الى معسكرين: الفقراء الذين يصوتون للديموقراطيين، والأغنياء الذين يصوتون للجمهوريين. واذا تأملت تجاربك الخاصة، فان هذا لا يكاد يكون مدهشا: فهل أصدقاؤك الأغنياء جمهوريون حقيقة وأصدقاؤك الفقراء ديموقراطيون؟
ان المصلحة الذاتية مؤشر سيئ أيضا على وجهات النظر حول مسائل معينة. صحيح أن كبار السن مثلا يؤيدون بقوة موضوع «الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية»، ولكن كل انسان آخر يفعل ذلك ايضا. لقد وجد القائمون على استطلاع الآراء استثناءات قليلة تهم فيها حقيقة المصلحة الذاتية، مثل القيود المفروضة على التدخين، والتي يميل المدخنون بوضوح الى معارضتها، ولكن اجمالا، فان المكان الذي يقف فيه الناخبون ليست له صلة بأين يجلسون.
2- تصويت بلا أنانية يعني حلا لمشاكلنا:
غالبا ما نلقي باللائمة في مشاكلنا السياسية على أنانية بني وطننا. يقول البعض «لو ضحى الناس بمصالحهم الخاصة من أجل خير البلد، لحُلت مشاكلنا»، هل هذا صحيح؟
لا يكاد ذلك يكون كذلك، فالأنانية ليست السبب الوحيد في النزاع والصراع السياسي، فجماهير الناخبين الأميركيين منقسمون بمرارة بفعل الأيدلوجية والدين، وهذا هو ما يجعل خلافاتنا السياسية معقدة ومتشابكة جدا، وعلى أي حال لو كان الناخبون أنانيين حقا لتفاوضوا حول تسويات ودية سلمية واخذوا ما يمكن أن يحصلوا عليه، بدلا من خوض نفس المعارك بحماسة وعصبية سنة بعد أخرى.
وحتى لو طرحت الجماهير الأميركية جانبا الاختلافات الأيدلوجية والدينية، فان عملية التصويت التي ليست فيها أنانية يمكن بسهولة أن تكون خطيرة، اذا كان الناس مخطئين بشأن كيفية جعل مجتمعهم أفضل حالا، فان نواياهم الطيبة ستنتج عواقب سيئة. فالطبيب غير الأناني الذي يعتقد أن الحجامة ستشفي السرطان هو طبيب خطير، وكذلك الناخب غير الأناني الذي يعتقد حقا ان الرسوم الجمركية المرتفعة ستعالج مشكلة الباحثين عن عمل.
3 - توازن أخطاء الناخبين:
من الرائع صرف القلق عن أخطاء الناخب المتوسط العادي بامتداح «حكمة الحشود أو الجماهير» كما قالها جيمس سوروفيكي، بالتأكيد فان الناخب العادي يعرف القليل عن السياسة والاقتصاد... الخ. ولكن بالنسبة لكل ناخب يفرط في تقدير وتقييم فوائد الرسوم الجمركية والضرائب على الكربون وحرب العراق، أليس هناك ناخب آخر يرتكب الخطأ المقابل أو المعاكس؟
اليست هذه حقيقة؟ فالناخبون يكونون مخطئين مرارا على نفس النحو، هذا واضح بشكل خاص في الاقتصاد، اذا لم تكن قد درست قط الاقتصاد، فلن يكون من المرجح بالمثل أن تهول أو تهون من فوائد التجارة الحرة، ولكن بدلا من ذلك، فان الناس الذين لا يعرفون شيئا عن الاقتصاد هم من المنادين والمؤيدين بشدة لمذهب حماية الانتاج الوطني، والناس الذين يعرفون كثيرا عن الاقتصاد هم مؤيدون بشدة للتجارة الحرة. والسؤال هو لماذا تكون لدى الناس آراء قوية عن موضوع لم يدرسوه قط؟ الاجابة البسيطة هي أن كثيرا من الناخبين راشدون وعاقلون، كما يتضح الأمر. في السياسة والاقتصاد يعتقد الناس فيما يجعلهم يشعرون بأنهم جيدون، حتى لو كان الدليل ضدهم، وبالنسبة لمعظم الأميركيين من المريح والأفضل كثيرا جعل المكسيكيين والصينيين كبش فداء عن الويلات الاقتصادية في أميركا من دراسة وفحص الحقائق بهدوء.
4- خلاف سياسي حول القيم أم الحقائق؟
اذا ما اعترفنا بأن الناخب العادي لديه سيطرة ضعيفة على الحقائق، فاننا نقلل بشكل نمطي من الخطر لأدنى درجة. صحيح أن جماهير الناخبين ليسوا مطلعين على نحو مذهل - كما يقول بعض الناس - ولكن ذلك لا يُحدث أي فرق لأن المجادلات والنقاشات الكبيرة تكون حول القيم، لا حول الحقائق الجوهرية.
ان القيم تهم بقدر كبير، ولكن الحقائق تهم أيضا، ففي كل مسألة كبرى تقريبا، يكون لكلا الطرفين قصة وحكاية مختلفة، وليست نسيجا مختلفا أو حبكة مختلفة. فعلى سبيل المثال وجد استطلاع للرأي أجراه معهد «هاريس» في عام 2004 حول حرب العراق أن مؤيدي الرئيس بوش ومؤيدي السيناتور جون كيري كانت لديهم اعتقادات مختلفة جذريا عن نظام صدام حسين، فنسبة 58% من أنصار بوش اعتقدوا أن العراق كانت لديه أسلحة الدمار الشامل عندما غزته الولايات المتحدة في عام 2003، مقابل نسبة 16 فقط بين أنصار ومؤيدي كيري.
ان الحقائق الفعلية تهم حتى بالنسبة للسياسات التي تقترب مما هو مقدس لدى الجماهير، ففي عام 1996 أجرى معهد «جالوب» دراسة مسحية حول الحد الأدنى للأجور، وقد تم سؤال المستطلعة آراؤهم عما اذا كانوا يحبذون زيادة في الأجور، فقال أكثر من 80% منهم نعم. وتم سؤال الباقين بدلا من ذلك عما اذا كانوا يحبذون رفع الحد الأدنى للأجور (اذا كان ذلك يؤدي الى وظائف أقل متوافرة للعمال ذوي الأجر المنخفض)، فهبط التأييد الى 40%.
5 - الاميركيون يريدون تغييرا جديا:
يحب العارفون ببواطن الأمور اخبارنا بأن الناخبين «قد فاضت بهم» السياسة كالعادة، ويصر المرشحون الانتخابيون على أنهم - على العكس من منافسيهم - يستمعون حقيقة الى الشعب الأميركي.
وتؤكد بيانات الرأي العام بقوة أن الوضع الراهن يحظى بالشعبية، فكل المقومات الكبرى في الميزانية الفيدرالية تحظى بدعم وتأييد واسع، وعند السؤال عما اذا كانت الحكومة يجب أن تفعل شيئا أقل أو شيئا اكثر أو تتمسك بالوضع الراهن، يقول الناخب العادي انه متمسك دائما تقريبا بما لديه. والمثال المعاكس غير المتغير الوحيد هو المساعدات الخارجية، فمعظم الأميركيين أرادوا الأقل منها لعقود، ولكن حيث ان المساعدات الخارجية تمثل حوالي 1% من الميزانية الفيدرالية الأميركية، فاننا يمكنا أن نسميها بأمان الاستثناء الذي يثبت القاعدة.
بالتأكيد يريد الأميركيون تغييرا جديا في العراق، أتقولون ذلك؟ صحيح أن حوالي 60% من الأميركيين يقولون الآن ان الحرب كانت خطأ، ولكن على ضوء الآراء المتوافرة، مازال الناخبون يحصلون على ما يريدون، لو كان العراق حليفا مستقرا متحمسا، لوددنا أن نغادره اليوم، ولكن ذلك ليس قائما. ان معظم الأميركيين يحبذون الآن جدولا زمنيا للانسحاب، ولكن كم عدد من يتمسكون بجدول اذا كان ذلك يعني تسليم العراق للراديكاليين المتشددين؟ في سنوات قليلة يمكن ان تكون الأغلبية مستعدة لـ «سلام بأي ثمن»، ولكن ليس بعد.
وكما قالها الكاتب الساخر جوش بيللينجز ذات مرة ان المشكلة لدى الناس ليست في أنهم لا يعرفون ولكن في أنهم يعرفون كثيرا جدا.
عن «واشنطن بوست»
صفحة قضايا في ملف ( pdf )