واشنطن - أحمد عبدالله
تتشكل الآن على مضمار السباق الرئاسي الاميركي عقدة صعبة قد لا يتسنى للحزب الديموقراطي حلها قبل مؤتمر الحزب الذي سيعقد في اغسطس المقبل لاختيار اي من ثنائي اوباما - هيلاري. فقد اسفرت نتائج التصويت يوم الثلاثاء الكبير عن غياب الحسم بالضربة القاضية ومن ثم اللجوء الى حصر النقاط، اي «المندوبين» الذين حصل عليهم كل من المتسابقين الديموقراطيين الاساسيين.
ولكن ماذا لو لم يحصل اي منهما على عدد كاف من النقاط لاعلان فوز واضح في اغسطس في دينفر؟ ثم كيف توزع هذه النقاط «المندوبين» اصلا؟ولماذا يتعذر اعلان فوز من يحصل على اغلبية بسيطة حتى لو كانت بفارق مندوب واحد؟
تتصل هذه الاسئلة جميعا بقضية واحدة هي التعقيد البالغ الذي يسم قواعد اختيار المرشح الذي يمثل الحزب في السباق الاخير. واذا جاز تبسيط هذه القواعد فان من الممكن وضعها على النحو التالي: يشارك في المؤتمر القومي للحزب الديموقراطي نحو 4050 مندوبا منهم نحو 800 من المعينين من قبل قيادة الحزب الديموقراطي. وفيما يلتزم المندوبون المنتخبون من الولايات بالتصويت للمرشح الذي يمثلونه دون قدرة على تغيير التزامهم الا اذا اجاز لهم المرشح نفسه ذلك فان المعينين لا يلتزمون الا بمواقفهم الخاصة.
بعبارة اخرى اذا حصلت هيلاري مثلا على 50 مندوبا في ولاية ما وحصل اوباما على 40 مندوبا في الولاية ذاتها فليس بوسع اي من هؤلاء تعديل التزامه خلال المؤتمر القومي. وهكذا فان السباق في جوهره هو سباق للحصول على عدد اكبر من المندوبين ولاقناع المعينين بان مرشحا محددا يمنح الحزب فرصة كبرى للفوز في السباق الاخير.
ويوزع الحزب الديموقراطي المندوبين المخصصين لكل ولاية على اساس التناسب مع عدد الاصوات التي حصل عليها كل مرشح. فاذا نالت هيلاري 55% من اصوات الناخبين في ولاية خصص لها الحزب 100 مندوب فانها تحصل على 55 مندوبا يلتزمون بدعمها في المؤتمر القومي. واذا حصل اوباما على 45% من اصوات القواعد الديموقراطية في تلك الولاية فان ذلك يعني آليا حصوله على 45 مندوبا من مندوبيها المائة. ويتحدد وزن كل ولاية اي عدد المندوبين الذين سيمثلونها في المؤتمر القومي على اساس عدد السكان وعدد الدوائر الانتخابية ودور منظمتها الحزبية المحلية على مسرح الحزب بصفة عامة.
ولكن ماذا عن عدد المندوبين المعينين؟ يسمى هؤلاء «المندوبين السوبر» او «المندوبين غير الملتزمين». ويتحدد عددهم في كل ولاية بناء على اعتبارات متعددة منها عدد الدوائر الانتخابية وعدد المسؤولين السابقين في ادارات خلت ممن خرجوا من الولاية ونفوذ الولاية في صفوف القيادات الحزبية القومية. وتحصل الشخصيات الحزبية العامة مثل الرؤساء والوزراء السابقين والحزبيين النشطين الكبار على هذه الصفة اي التحول الى مندوب معين بقرار من قيادة الحزب.
واذا افترضنا حدوث السيناريو الصعب اي حصول هيلاري واوباما على عدد متساو من المندوبين في المؤتمر القومي فان الثقل الذي سيرجح كفة اي منهما هو الوجهة التي سيذهب اليها المندوبون السوبر او المعينون. الا ان هذا السيناريو لم يحدث منذ عام 1952 فقد كان الفائز يحدد مسبقا قبل عقد المؤتمر القومي للحزب. ويسمى المؤتمر في حالة حدوث هذا السيناريو الافتراضي «المؤتمر التفاوضي» اي ان قيادة الحزب تحاول التوسط بين المرشحين الاساسيين بعد عجز اي منهما عن الحصول على اغلبية المندوبين المنتخبين وهي تقوم بذلك مدعومة بوزن المندوبين المعينين الذين لم يحددوا اختيارهم بعد والخاضعين عادة لنفوذ قيادة الحزب.
ذلك ان من حق المندوبين المعينين اختيار هذا الجانب او ذاك خلال العملية الانتخابية التمهيدية ودون الالتزام برغبة قيادة الحزب. الا ان ما يحدث عمليا هو ان حصة منهم تؤجل اعلان اختيارها حتى اللحظة الاخيرة للقيام بدور مؤثر في عملية التفاوض المتوقعة.
فما الصورة الآن بين هيلاري واوباما؟ اذا حسبنا عدد المندوبين المنتخبين فاننا سنجد ان لدى هيلاري 892 مندوبا مقابل 716 لاوباما. واذا اضفنا المندوبين المعينين ممن اعلنوا حتى الآن التزامهم بهذه الكفة او تلك فسنجد ان لدى هيلاري نحو الف مندوب على وجه الاجمال من معينين ومنتخبين ولدى اوباما 902 مندوب. ويتعين على اي منهما الحصول على 2025 مندوبا في المؤتمر القومي للحصول على ترشيح الحزب. ويعني ذلك ان احتمالات تحول مؤتمر الحزب في اغسطس الى مؤتمر تفاوضي هو احتمال قائم بل يتزايد مع كل دورة تمهيدية ومع الانقسام الشديد للناخبين الديموقراطيين بين هيلاري واوباما. وتتسم عملية المؤتمر التفاوضي باحتكاكات شديدة وانفعالات حادة كما انها تهدد بانقسام اعمق في صفوف الحزب لذا فان اللجوء الى هذه الآلية ليس قرارا سهلا.
وهكذا فان رئيس اللجنة الوطنية للحزب الديموقراطي هوارد دين قال اول من امس «نأمل الا نلجأ الى المؤتمر التفاوضي وفي رأيي ان ذلك لن يحدث اذ سيحسم الديموقراطيون خياراتهم في شهر مارس المقبل على ابعد تقدير». فهل يبدو دين متفائلا بأكثر مما ينبغي عليه ان يكون؟ الاجابة ببساطة هي نعم. فالقاعدة المؤيدة لاوباما باتت اكثر تصميما على دعم مرشحها واذا قرر المرشح الاسمر الانسحاب فان انصاره سيعتبرون ذلك تخليا مهينا عن مبادئه وسيكون قد انهى بذلك مستقبله السياسي. لقد حصل اوباما في الساعات التي تلت انتخابات الثلاثاء الكبير على 3 ملايين دولار على هيئة تبرعات عبر الانترنت فيما قامت هيلاري باقراض حملتها 5 ملايين دولار لمواصلة المعركة.
وفي نفس الوقت فان قيادة الحزب الديموقراطي تقع في حصة كبيرة منها تحت تأثير بيل كلينتون الذي يتمتع بولاء تيار مؤثر بين اعضائها. ويعني ذلك ان كلا من اوباما وهيلاري والحزب الديموقراطي نفسه سيحاولون بكل الوسائل الوصول الى اللحظة التي ستؤدي فيها الانتخابات التمهيدية المتبقية الى حسم الخلاف ومن ثم تجنب اللجوء الى تحويل مؤتمر الحزب الى مؤتمر تفاوضي بكل ما يجلبه ذلك من مرارات. الا ان كل السيناريوهات لا تزال مفتوحة بما في ذلك المؤتمر التفاوضي حتى تحدد تكساس وبنسلفانيا وفيرجينيا والولايات الباقية ما اذا كان بالامكان حقا تجنب المؤتمر التفاوضي. ولعل الحزب الديموقراطي، والجمهوري ايضا، يقرران الغاء كل هذه الحسابات السياسية المحيرة وتطبيق نظام بسيط للانتخابات كما يفعل بقية خلق الله حتى يجعلوا الامر مفهوما لهؤلاء الخلق ويوفروا علينا وعلى الجميع وجع الرأس هذا.
الصفحة في ملف ( pdf )