ريك هامبسون
كان العرب المسلمون الذين قدموا للعمل في سلسلة مصانع «هنري فورد» الجديدة قبل ثمانية عقود يعتقدون أن مستقبلهم في أميركا لاحدود له، لكن بعد خمس سنوات قضوها في الجبهة الداخلية لما يسمى الحرب على الإرهاب، صار العديد من أبنائهم يتخفون ويصارعون من أجل البقاء، وفي محافظات ولايتي «نيوجيرسي» و«بروكلين»، يقول العديد من العرب المسلمين إن طائفتهم تنغلق على نفسها مبتعدة عن مجتمع يميل أكثر فأكثر إلى تشبيه الإسلام بالإرهاب.
وقالت رنا عباس شامي، من اللجنة الأميركية - العربية بولاية «متشغان» لمحاربة التمييز العنصري: «إن الوضع سيئ كما كان عليه بعيد الحادي عشر من سبتمبر.
أناس كثيرون يتملكهم الخوف. لقد تغيرت نظرتهم للأشياء». وبعض هؤلاء يلزمون أماكنهم ولا يرغبون في السفر عبر الحدود الكندية أو التسوق من التجمعات التجارية خارج المدينة.
وقال أسامة سبلاني، وهو يعمل موزع جرائد في المدينة: «إن الإحساس السائد هو أنه يمكن أن يحدث لك أي شيء إذا ما ابتعدت خارج ديربورن».
وبعضهم يتنكرون ويتخذون لهم أسماء إنجليزية عوضا عن أسمائهم العربية (كأسامة نايمر، كهربائي، الذي أصبح يدعى «سامويل نايمر»، أو محمد بازي، ممرض، الذي صار إسمه «أليكس كولدسميث»).
إنهم يحلقون لحاهم، وأمام الناس، يتكلمون بالإنجليزية بدل العربية.
ويظهرون العلم الأميركي ويعتمرون قبعات فريق البيسبول المحلي. وبعضهم انطوائيون.
بل إنهم لا يتبرعون لصالح الجمعيات الخيرية الإسلامية، على الأقل ليس عن طريق شيكات أو إذا كانت تلك الجمعيات تنشط خارج الحدود.
إنهم حذرون جدا بخصوص ما يقولون، خاصة في الهاتف.
وهم يفكرون أكثر من مرة قبل إقدامهم على استئجار شاحنة أو الحصول على رخصة قنص أو أخذ دروس في الطيران.
وبعضهم يعتبرون «ديربورن»، والتي تقطنها أكبر جالية عربية مسلمة، جزيرة محصنة، بينما يرى البعض الآخر أنها فخ محتمل.
بعد الهجوم الياباني على «بيرل هاربر» في العام 1941 أدت المخاوف من أعمال تخريبية داخل الولايات المتحدة إلى احتجاز الأميركيين من أصل ياباني.
ويتساءل بعض العرب المسلمين عما إذا كان من الممكن أن يتكرر ذلك الأمر، خاصة إذا ما حدث هجوم إرهابي جديد على التراب الأميركي.
والناس هنا تنتابهم الريبة تجاه الجواسيس ورجال الاستعلامات المتخفين وسطهم وكذا من التنصت والرقابة التي تفرضها الحكومة والمعتقلات السرية إذا ما كان هناك 11 سبتمبر جديد.
وطفت هذه المواضيع إلى السطح بشكل متكرر في الاستجوابات التي أجرتها صحيفة «يو إس آي توداي» مع ما يقارب عشرين عربيا مسلما عبر أرجاء الوطن.
آمال لم تتحقق
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية في سنة 2001، والتي ارتكبها 19 عربيا مسلما كانوا قد جابوا أنحاء البلاد، كان العرب المسلمون الذين يعيشون هنا يأملون أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه بالتدريج. ثم جاءت الحروب الطويلة والفوضوية في كل من أفغانستان والعراق، فالمبادرات الأمنية التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر كقانون حماية الوطن، ثم تفجيرات القطارات في كل من لندن ومدريد بإيعاز من القاعدة، وأخيرا الحرب بين إسرائيل وحزب الله في لبنان.
وقال «مايكل» سليمان، خبير سياسي من جامعة ولاية «كانساس»، إن التمييز العنصري ضد العرب المسلمين لا يمكن في الواقع تفاديه في ظل وجود حكومة عازمة على عدم تكرار أحداث الحادي عشر من سبتمبر وشعب يعاني من صور العنف في العراق، واستنكار ما أسماه الرئيس بوش «الفاشية الإسلامية».
واليوم يشعر العرب المسلمون (حتى أولئك الذين لم يسبق لهم أن تعرضوا للمساءلة من طرف الاستخبارات الأميركية أو الذين لم تقع لهم مشاكل مع رؤسائهم في العمل أو الذين لم يعاكسهم معتوه يمر على متن سيارته) بأنهم أضعف من أي وقت مضى.
وأضاف سليمان: «كلما أتت أزمة ازدادت الأمور تعقيدا. الناس يتساءلون متى سيأتي الوقت الذي نكون فيه أميركيين بالفعل؟»
وارتفع عدد التقارير بخصوص الحوادث ضد المسلمين بنسبة 30% خلال السنة الماضية، استنادا إلى مجلس العلاقات الأميركية الاسلامية، الذي يرجع الأمر إلى الجو «السلبي والمشحون سياسيا» عبر الإنترنت والبرامج الحوارية الإذاعية.
ووصل عدد الشكايات المتعلقة بالتحرش والعنف والتمييز العنصري إلى 1972 مظلمة، وهو أعلى رقم يسجله المجلس منذ سنة 1995، تاريخ شروعه في تدوين تلك الشكايات.
والأميركيون يبدون غير متعاطفين، إذ يقول 39% إن لديهم على الأقل أحكام مسبقة ضد المسلمين، استنادا إلى استطلاع رأي أجرته »يو اس إيه توداي» في وقت سابق، وتفضل نفس النسبة من المستجوبين أن يطالَب المسلمون (بمن فيهم المواطنون) بحمل بطاقات هوية خاصة، بينما يقول ما يقارب الثلث إن المسلمين الأميركيين متعاطفون مع تنظيم القاعدة.
وعبر الزعماء السياسيون بدورهم عن هذه المخاوف، حيث اتهم النائب الجمهوري «بيتر كينغ»، والذي ينظر إليه عادة على أنه جمهوري معتدل، الزعماء الأميركيين المسلمين بأنهم لم يدينوا هجمات الحادي عشر من سبتمبر بالشكل الكافي، كما أنه كان قد زعم أن 85% من المساجد في أميركا لديها «قيادة متطرفة».
لكل حكاية من يحكيها
في «ديربورن» الشرقية التي يسكنها الكثير من العرب، كل شخص تقريبا (من المهاجرين الجدد إلى الأميركيين من الجيل الرابع الذين لم يسبق لهم أن ذهبوا إلى الشرق الأوسط) له قصة يرويها أو يعرف شخصا كذلك.
قصص كتلك التي حصلت مع فاروق الفتلاوي الذي كان يستقل الحافلة إلى «شيكاغو» فتم إخراجه منها وحقائبه في «توليدو» بعدما أخبر السائق أنه من العراق. كما أن هناك حالات أخرى استقطبت اهتمام الرأي العام.
منع الناشط في مجال حقوق الإنسان، رائد جرار، من ركوب طائرة بسبب ارتدائه قميصا يحمل عبارة «لن نسكت» باللغتين العربية والإنجليزية.
ستة أشخاص شوهدوا وهم يصلون في مطار «مينيابوليس» فمنعوا بعدها من السفر بعدما أخبر أحد الركاب المضيفة بأنهم كانوا يتصرفون بشكل مريب على متن الطائرة.
ونفى الأشخاص الذين تم استجوابهم قبل أن يطلق سراحهم، تلك الاتهامات، ورفع خمسة منهم دعوى قضائية ضد شركة الطيران «يوإس إيروايز» التي قالت إن طاقم الطائرة قام بواجبه عندما أبعد أولئك الأشخاص عن الطائرة.
تعرض «كيث إيليسون»، أول مسلم ينجح في انتخابات الكونغرس الأميركي، للإهانة بسبب عزمه أداء القسم الدستوري على القرآن.
ويقول العرب المسلمون الذين استجوبتهم «يو إس إيه توداي» إن على الأميركيين أن يفهموا أنهم يصلون خمس أوقات في اليوم في العمل أو في الشارع، إذا ما اقتضى الأمر، وأن عليهم أن يؤتوا الزكاة للفقراء وأن ذلك صعب تحقيقه عندما تغلق الحكومة الجمعيات الخيرية الإسلامية، وأن الحجاب الذي ترتديه النساء واللحية التي يطلقها الرجال هما رمزان للإيمان وليسا تحديا للعرف الأميركي.
وتأمل معي هذا: ما من أحد سيتضرر من هجوم إرهابي جديد أكثر من العرب المسلمين.
ما يخيف البعض يحفز البعض الآخر، ومن ذلك التصويت في الانتخابات وإعلاء الصوت في المطالبة بالحريات الأميركية التي تغنى بها كل من «فرانكلين روزفيلت» و «نورمن روكويل».
والنتيجة هي شقاق طائفي على حد تعبير عماد حمد، عن لجنة محاربة التمييز العنصري، الذي أضاف: «إننا في حكم المنسي».
واعترف «دانييل ساذرلاند»، رئيس قسم الحقوق المدنية في وزارة الأمن القومي الأميركية، بالشكايات التي تصدر عن العرب المسلمين، وقال إن محاربة الإرهاب مع احترام الحقوق المدنية تتطلب «تحديات صعبة».
وقال «ساذرلاند» إن الحكومة تحتاج إلى مساعدة العرب المسلمين الأميركيين من أجل محاربة الإرهاب في الداخل وأضاف: «إن رهان الأمن القومي لن يربحه أناس قابعون داخل بناية محاطة بسياج».
عن «يو إس إيه توداي»
صفحة قضايا في ملف ( pdf )