فيما تسنى للعالم أن يلقي آخر نظرة على المقبور صدام حسين للحظات قليلة قبل تنفيذ حكم الإعدام فيه في آخر يوم من عام 2006، انفردت «سي.إن.إن» للمرة الأولى بالدخول إلى الزنزانة التي قضى فيها أيامه الأخيرة.
زارت «سي.ان.ان» زنزانة المقبور المغلقة على كل شيء باستثناء مغسلة ومبولة من الكروم في إحدى زواياها، ودرجة خشبية للارتقاء إلى السرير الاسمنتي الرمادي المرتفع على الزاوية الأخرى تلك التي عاش المقبور صدام أيامه الأخيرة فيها قبل الإعدام.
لسخرية الأقدار، «كان المقبور يعيش لحظاته الأخيرة داخل زنزانة في سجن شيده بنفسه» لقد بناها بنفسه ليقيم فيها معارضوه، ولم تكن أكثر من حجرة صغيرة ظهرت مطلية باللون الذهبي.
نقرأ من مذكرات المقبور، التي حرص على كتابتها بشكل يومي ونتابع علاجه ورياضته في قاعة أخرى، ثم أحواض النباتات التي كان يزرعها ويهتم بها قبل أن ينقل إلى غرفة الإعدام ليلقى مصيره العادل جزاء ما اقترفت يداه.
في غرفة الرياضة، ثمة رفوف من الأدوية وجهاز رياضي يمكن من خلاله معرفة ضغط دمه ودقات قلبه وحرارته.
وحتى وهو يعلم أنه بصدد تمضية آخر أيام حياته، حرص المقبور على أن يرعى حديقة صغيرة خارج الغرفة، كان من الواضح أنه يسقيها بالماء، كلما تسنى له، قبل أن يهاجم الذبول النباتات التي بدت شاحبة.
وفي الحديقة، وهي أشبه بغرفة تحيط بها الجدران المرتفعة من كل جانب ولكنها من دون سقف، كانت تتوسطها 3 كراسي وطاولة بلاستيكية.
ووفقا لمسؤول مركز الاعتقال، الميجر جنرال دوغ ستون، عندما أفاق المقبورصدام من النوم قيل له «إن هذا اليوم هو الذي سيُعدم فيه فقام بالاستحمام، وكان الجو شتاء، فأصيب بالبرد، ثم ارتدى ملابسه، وارتدى فوقها المعطف الأسود وأصبح مستعدا للخروج فودّع الحراس وركب في العربة وتوجه إلى مكان الإعدام».
وأوضح دوغ ستون أن المقبور قال لأحد الحراس، في الدقائق العشر الأخيرة قبل توجهه إلى غرفة الإعدام، إنه سيعطيه جميع المتعلقات الخاصة به، طالبا منه أن يسلمها لمحاميه «وكان الحراس والمسؤولون عن الزنزانة والمعتقل في حيرة من أمرهم باللقب الذي سينادون به على المقبور، رغم أن لكل معتقل رقما يحمله وينادى به وذات مرة سألهم المقبورعن السبب وراء مناداته بحروف استهلالية vic قبل النطق باسمه وإلى ماذا ترمز، فقالوا له إنها تعني «مجرم خطير للغاية» very important criminal، فطلب منهم مناداته بها.
في أيامه الأخيرة في الزنزانة كانت الحديقة، التي سمح له بزراعتها تحت المراقبة، هي المكان الذي يشعر فيه بالراحة أكثر من غيره وكانت المكان المفضل غير أن ستون يوضح أن المفارقة الغريبة تمثلت في أنه لم ينجح في زراعة الحديقة وأن النباتات كانت تذبل، وأن النباتات لم تكن تزهر.
وأوضح ستون أن المقبورصدام كان يدخن سيجاره في الحديقة، لكنه لم يكن مرتاحا لذراع الكرسي، ما اضطرهم إلى معالجته بصورة يدوية.
وكان المقبور صدام حسين يحرص على كتابة مذكراته وقصائد شعرية ومن الواضح أنه كان يريد أن يقول فيها للعالم إنه يرغب في أن يكتب التاريخ عنه ما يريد هو أن يقال عنه.
وقال الميجر جنرال دوغ ستون:«لقد كان حقا خائفا من ألا ينقل التاريخ ما يعتبره هو حقيقة».
وجاءت قصائد المقبور ونصوصه مليئة بالألم والكراهية، ووصفت السماء في الليل و«غياب النجوم والأقمار».
ثم الصورة الأخيرة للمقبور قبل إعدامه والتي تظهره غاضبا تجاه أمر ما، فقد كانت في الزنزانة آخر صورة التقطت للرئيس المخلوع، وهو يرتدي المعطف الأسود الذي شاهده به العالم، وهو على المقصلة.
على أنّ الصورة تظهره أيضا وهو يرتدي قبّعة عراقية.
غير أنّ المقبور صدام ظهر في الصورة وعلى وجهه علامات الغضب، وأوضح ستون أنّ سبب حنقه يعود لرغبة السّجانين العراقيين على كتابة اسمه على لوحة خلفه عندما كانوا يلتقطون الصورة، لكنّهم أخطأوا في كتابته، مما دعا المقبور إلى الالتفات نحوهم قائلا «أنا صدّام حسين».
الصفحة في ملف ( pdf )