تعتبر مجموعة القرارات التي أصدرتها وزارة الاقتصاد والتجارة وفتح باب الاستيراد للكثير من السلع، خطوة مهمة تجاه تحرير التجارة الخارجية ومساعدة الصناعيين على استيراد ما يلزم لصناعتهم، بغية الاستفادة من تحسين الجودة.
وأوضح معاون وزير الاقتصاد لشؤون التجارة الخارجية خالد سلوطة أن الغاية من تلك القرارات توفير سلع تجارية في الأسواق السورية بأسعار مناسبة، واتاحة الفرصة للخزينة العامة للدولة، للحصول على عائدات من الرسوم الجمركية لهذه السلع المستوردة.
والسؤال المطروح ما الآثار المتوقعة لهذا التحرير على مختلف الانشطة الاقتصادية في سورية؟ وما انعكاس ذلك على قطاعي التجارة والصناعة؟
احتيال على الاتفاقيات
عماد الدين المصبح، باحث اقتصادي، ينظر إلى موضوع تحرير الاستيراد من محورين أساسيين: الأول يرتبط بمبدأ تحويل التجارة، والثاني مرتبط بخلق مناخ التجارة.
ومادامت سورية مرتبطة بتحرير التبادل التجاري مع الدول العربية، (في إطار منطقة التجارة العربية الحرة) واشتراط هذه الاتفاقيات، بأن يتم السماح لدخول السلع والبضائع من الدول العربية، بشرط تحديد قيمة مضافة لا تقل عن 40% خلافا للاتفاقيات الأخرى، خاصة اتفاقية منظمة التجارة العالمية، التي تشترط قيمة مضافة مقدارها 60%.
وكان هدف الدول الموقعة على هذه الاتفاقية، ومن ضمنها سورية، تشجيع الصناعة والتبادل التجاري للسلع المصنعة عربيا.
وكل ذلك يندرج في إطار تشجيع الصناعة والتبادل التجاري للسلع المصنعة عربيا، وتشجيعا للتجارة العربية.
لكن ما حصل مغاير تماما لمضمون تلك الاتفاقيات، إذا علمنا أن بعض الدول العربية قامت بإنشاء صناعات تجميعية شكلية، اعتمدت على اعادة تغليف المنتجات التي استوردتها من الصين وكوريا، وبعض الدول الأخرى، التي لا ترتبط باتفاقيات مناطق تجارة حرة مع سورية، وإضافة لواصق تفيد بأن هذه المنتجات مصنعة في بعض الدول العربية، واستطاعت من خلال علاقاتها استخراج شهادات منشأ محلية، تفيد بأن هذه المنتجات مصنعة محليا، بنسبة تزيد على 40%، وهي شهادات غير واقعية، استطاعت غرفة تجارة دمشق في كثير من الأحيان الإشارة إليها، كأجهزة التلفزيون والزيوت.
ما ذكرناه يبين أن تحويل التجارة هو احتيال على الاتفاقيات نصا وروحا، ويؤدي إلى خسائر جمّة للاقتصاد السوري أولها: فوات الرسوم الجمركية بالفرق بين المتحصل الفعلي والمتحصلات المتوقعة، في حال تم الاستيراد من بلد المنشأ مباشرة، وثانيها: ارتفاع أسعار السلع المستوردة.
المديرية العامة للجمارك أفادت بأن تحرير عدد من السلع، والسماح باستيرادها يجلب إيرادات إضافية للخزينة، ولكنها ليست كبيرة، خاصة في ضوء التخفيض الكبير الذي أصاب الرسوم الجمركية، في التعريفة المتناسقة النافذة حاليا، التي لا يتجاوز أكبر رسم مقرر لها 50% من قيمة البضاعة، باستثناء السيارات التي تزيد سعة اسطوانة محركها على 3000 cc، فرسومها 60%.
ومع هذا، فإن هذا الإجراء من شأنه، أن يحث أصحاب العلاقة (مالكي البضائع) على استقدام هذه البضائع مباشرة من بلد المنشأ، خلافا لما كان يجري العمل به سابقا، من استيراد هذه البضائع بلبوس عربي، بهدف الالتفاف على أحكام التجارة الخارجية، وبذلك تحرم الخزينة العامة للدولة من حقها في الرسوم الجمركية الواجبة على هذه البضائع، بغض النظر عن مقدارها.
ومثال على ذلك الألبسة في التعريفة القديمة تخضع لرسوم مقدارها 102%، وقد كانت ممنوعة سابقا من الاستيراد.
الآن في حالة السماح باستيرادها من منشأ أجنبي، برسم 50% من القيمة، تحقق رصيدا للرسوم الجمركية.
بينما لو بقيت 102% تبقى المداورة للإعفاء من الرسوم الجمركية.
وبفتح باب الاستيراد نكون قد دفعنا التاجر للعمل وفق النظام، ولم نضيق عليه الخناق.
وبذلك يحقق منافسة من أجل تطوير المنتج الوطني، بدل الاحتكار، كونه وحيدا في السوق، ويؤدي ذلك أيضا إلى تحقيق منافسة سعرية.
وتجدر الإشارة إلى أن سعر متر السيراميك الوطني قبل فتح باب الاستيراد في الدول العربية كان 625 ليرة والآن 350 ليرة، معنى ذلك أن المنافسة بين عدة منتجات، تجعل المنتج المحلي يعطي سعرا قريبا من التكلفة.
وترى مصادر ادارة الجمارك، أن فتح باب الاستيراد يكافح التهريب، لأن أكثر المواد الممنوعة كانت تدخل السوق عن طريق التهريب.
يؤكد غسان القلاع، نائب رئيس غرفة تجارة دمشق، أنه مع الحفاظ على الصناعة، والمنتج الوطني، ووضع جميع التسهيلات التي تحافظ على استمراريته من حيث دراسة جميع عناصر التكلفة ومقارنتها مع مثيلاتها في البلدان المجاورة، وإزالة العقبات من أمام المنتج الوطني، حتى يحافظ على تنافسيته واستمراريته.
وبفتح باب الاستيراد سيكون هناك من ينتج في العالم بتكاليف أقل من تكاليفنا، وفي حال دخول هذه المنتجات إلى أسواقنا المحلية، ستؤثر على المنتج الوطني والمواطن، من حيث عدم تمــــييــزه بين المنتــج الجيد والأقل جودة، وبذلك سيبـــــحث حتما عن الأرخص.
ترحيب بالسلع عالية الجودة
يرى بشار حتاحت، الصناعي في قطاع الألبسة، أن فتح باب الاستيراد لا يشكل مشكلة للصناعيين، بقدر ما يتطلب هذا الإجراء، حصر دخول السلع والمنتجات من حيث الجودة، ومثالا على ذلك الألبسة التي تأتي من الصين، لا توازي -حسب رأيه - جودة المنتج المحلي، مع العلم أن هناك بضائع تماثل المنتج المحلي، من حيث الجودة، ونرحب باستيرادها.
ويؤكد حتاحت أن هناك مواصفة قياسية سورية، تدل على الجودة العالية، ويجب التقيد بها.
وفيما يخص تحديد الرسوم الجمركية، يشير إلى أن المسألة تتم من قبل إدارة الجمارك بمزاجية. إذ يعتبرون بعض المنتجات ليس لها أساس للتسعير.
صفحة شؤون سورية في ملف ( pdf )