لندن - عاصم علي
في مقابلة مع «الأنباء» في لندن، كشف أحد كبار مساعدي السفير الأميركي في بغداد ريان كروكر أن أحداث البصرة كشفت حدود التأثير الايراني في العراق، وشدد على عزم القوات الأميركية على ملاحقة «العناصر الايرانية» و«مدربي حزب الله الموجودين هناك» و«اعتقالهم كما فعلنا مع رفاقهم»، في اشارة الى الايرانيين المعتقلين حاليا لدى «التحالف».
وتحدث مسؤول العلاقات العامة في السفارة الأميركية في بغداد فيليب ريكر بالتفصيل عن المبادرة الديبلوماسية الأميركية الحالية، وشدد على أهمية اجتماع دول جوار العراق في الكويت، نظرا الى أن «الكويت، وهي دولة مجاورة وعربية، تستضيفه».
وأضاف أن «هناك اجتماع كومباك الدولية لدعم اقتصاد العراق في السويد الشهر المقبل.
وهذا لا يصب فقط في مصلحة العراق وشعبه، بل في مصلحة المنطقة بأكملها».
وأكد سعي الولايات المتحدة الى زيادة التمثيل الديبلوماسي العربي في العراق، لأن «الوضع الأمني تحسن كثيرا منذ وقوع أحداث مأساوية قبل سنتين»، في اشارة الى خطف واعدام السفير المصري وتفجير السفارة الأردنية.
وشدد على أن «في الامكان التعامل مع الأمن والحكومات العربية تعرف ذلك.
والولايات المتحدة ليست الوحيدة التي لديها سفارة في بغداد، بل هناك دول أخرى ناشطة في هذا البلد مثل فرنسا ودول أوروبية وآسيوية أخرى. وهذه الدول تتولى أمن سفاراتها عبر وسائل متعددة».
مسودة اتفاق
وعن المسودة التي نشرت في لندن لاتفاق عن مستقبل القوات الاميركية بالعراق، أوضح ريكر لـ «الأنباء» أن «أي تفاوض يتعامل مع مسودات، ويجب ألا يكون ذلك مفاجأة لأن عليك البدء من مكان ما.
والتفاوض هو حول اتفاق على وضع القوات، ولدينا 80 اتفاقا من هذا النوع بين الولايات المتحدة وحكومات أخرى، علاوة على اجراءات ثنائية في أنحاء العالم.
وهذه الاتفاقات تعرف بأنها تنفيذية. وهذا الاتفاق بالتحديد لن يكون سريا، إلا أن طبيعة التفاوض تفرض ألا تكون العملية علنية. وعلى الناس أن يفهموا أن ما نفاوض عليه هو مجموعة سلطات تعمل القوات الأميركية وفقا لها في العراق لدعم الأهداف التي نتشارك فيها الآن (مع العراقيين).
نعمل الآن وفقا لسلطات منحها ايانا قرار لمجلس الأمن، والعراق أكد بوضوح أنه لا يريد قرارا جديدا لمجلس الأمن نظرا لارتباط ذلك بمسألة السيادة.
ونحن نتفهم ذلك، ونفاوض من أجل الوصول الى تدبير ثنائي يضع الاطار القانوني لعمليات محددة وللمعتقلين». ووفقا لريكر، فإن هذا الاتفاق الذي يعمل كروكر وفريقه على انجازه، «لن يتطرق الى قواعد دائمة، بل نتوقع أن ينص على استبعاد ذلك.
كما لن نتطرق الى حجم القوات ولأي فترة سيمكثون، بل سنضع فقط الاطار القانوني لوجودهم».
اتفاق غير ملزم
ورأى أن هذا الاتفاق سيجعل «العلاقة بين القوات والعراق شفافة كي يعلم الجميع وفقا لأي قوانين يعمل الجنود، ما يحول دون بروز مشكلات، ويضع الاطار الملائم للتعامل معها في حال بروزها»، على أن يكون مماثلا «ربما لاتفاق وضع الجنود في ألمانيا أو أي من 80 دولة توجد فيها قوات».
كما لن يلزم «الاتفاق الولايات المتحدة بأي مستويات للقوات أو أي نشاطات محددة، بل يضع فقط القوانين لكيفية تنفيذ هذه النشاطات».
ورأى أن «من الواضح أن القرارات المتعلقة بمستويات القوات يتخذها رئيس القوات المسلحة (الرئيس الأميركي).
ولهذا السبب سيكون الاتفاق تنفيذيا وليس ملزما مثل اتفاق الناتو، وهو الوحيد المتعلق بوضع القوات الذي طُرح على الكونغرس».
وتابع أن «الدافع الوحيد وراء هذا الاتفاق هو السيادة العراقية، لأن القرار الحالي لمجلس الأمن أُقر وفقا للفصل السابع الذي ينص على أن العراق يشكل خطرا على السلام والاستقرار الدوليين.
ولهذا فإن الحكومة العراقية تبتعد عن ذلك عبر التفاوض كحكومة ذات سيادة مع حكومة أخرى ذات سيادة لإقرار اتفاق سيوفر سلطات تسمح لنا في الولايات المتحدة بالقيام بأمور يتضمنها الاطار الاستراتيجي الأوسع».
التأثير الإيراني
ورأى مساعد كروكر أن التأثير الايراني يجب أن يكون حافزا لزيادة الدول العربية تمثيلها في العراق، بدلا من ابعادهم عن الساحة، مشددا على ضرورة عدم تضخيم نفوذ طهران.
وأوضح أن «على الناس أن يقلعوا عن استنتاجاتهم المسبقة عن التأثير الايراني، وينظروا بدلا من ذلك الى أفعال الحكومة الحالية.
لينظروا الى ما فعله المالكي ضد الميليشيات المدعومة من ايران، والجماعات المجرمة في البصرة.
يمكنك رؤية محاولات ايرانية للتأثير في الأمور في شكل لا يتطابق مع السياسة الايرانية المعلنة، أي دعم عراق آمن ومستقر، لكن هناك حدودا لقدرة ايران على التأثير، رغم أن تأثيرها أحيانا يكون مميتا كتزويدها المسلحين بالمعدات وتدريبهم. ونحن والعراقيون طالبناهم بوقف هذه النشاطات. واذا نظرت الى بيان المجلس السياسي للأمن الوطني، فإنك تلحظ مطالبته الجميع بالقيام بخطوات لوقف التأثير الخارجي المؤذي».
وريكر وجد في بغداد أن الحرب العراقية - الايرانية بعد مضي 20 عاما على نهايتها، «والتاريخ الطويل بين العرب والفرس يؤثر في كل عائلة، رغم العنف الحالي.
والناس مازالوا يعون هذا الأمر.
وعلى ايران أن تعي ذلك وأن مصلحتها الاستراتيجية تكمن في رؤية عراق آمن ومستقر وليس بلدا قد يخرج منه زعيم متسلط مثل صدام ويرتكب ضد ايران ما قام به الأخير خلال تلك السنوات الثماني الرهيبة».
لكن هذا المسؤول الأميركي أشار الى أن «على المرء أن يعترف بأن الايرانيين هناك (في العراق)، لديهم سفارة وينشطون في هذا الاطار، وهذا ما يفعله الديبلوماسيون، وما قد يفعله العرب لو كانوا هناك.
أعتقد أن العراقيين سيرحبون بذلك كثيرا.
ولم نقترح يوما انه يجب على ايران ألا يكون لديها علاقات جيدة مع العراق، بل يجب أن يحدث هذا، فهما بلدان جاران، وهذه خطوة مهمة لسيادة العراق ومستقبله.
إلا أن على هذه العلاقة أن تكون ايجابية، لا أن يُضعفها تأثير سلبي ومؤذ نراه متواصلا على شكل دعم الميليشيات والجماعات المسلحة عبر تزويدها بالأسلحة وتدريبها».
ورأى أن هناك «شريحة عريضة من القيادة العراقية ترفض هذا التأثير الايراني المؤذي. ولديهم رغبة في التعاطي مع الجار الايراني، لكن أيضا رغبة في التعامل مع الجيران الآخرين».
وأعرب عن اعتقاده «بأن على الناس أن يتجنبوا الربط بين الشيعة وايران. مثلا عبد العزيز الحكيم زعيم المجلس الاسلامي الأعلى أظهر عبر سياسته طبيعته العراقية».
وشدد على العلاقة الشائكة والمعقدة بين مقتدى الصدر وتياره من جهة وايران من جهة ثانية، إذ إن «التيار تأسس على ثلاثة مبادئ أساسية، الأول معاداة صدام، والثاني مناهضة الغرب، والثالث مناوءة للفرس.
إلا أن ذلك والوجود المتواصل لمقتدى الصدر في ايران يطرحان سؤالا معقدا! وكما أشار السفير كروكر، فإنه خلال أكثر من سنة من خدمته في العراق، الصدر كان في أغلبها خارج العراق بل في ايران.
لكنني أعتقد أن هناك حدودا للتأثير الايراني أظهرته بوضوح أحداث البصرة».
تقاعد كروكر
وأكد أن السفير كروكر سيتقاعد في يناير المقبل، ومن الآن حتى ذلك الحين «هناك مجموعة واسعة من النشاطات التي نتولاها على أربع جبهات: الأولى هي الأمن وهو حاسم ويقع في مجال الجنرال بترايوس والقوات المتعددة الجنسيات، والثانية سياسية مع اقتراب الانتخابات التي ستكون الأهم بالنسبة للعراق ونعمل مع الأمم المتحدة حتى تستعد لها، والثالثة اقتصادية، إذ هناك عمل كثير ينبغي القيام به لدعم العراق، والرابعة هناك مفاوضات حول اتفاقي وضع القوات والاطار الاستراتيجي والتي ستطغى على معظم هذه السنة».
الصفحة في ملف ( pdf )