بيروت - عمر حبنجر
احتلت اطارات المطاط المشتعلة واكوام الاتربة المداخل الجنوبية لمدينة بيروت، وحاولت التمدد الى بعض الاحياء الداخلية والشوارع الرئيسية المؤدية الى البنك المركزي في الحمراء والذي كان هدفا للتظاهرة العمالية التي دعا اليها الاتحاد العمالي، وعاد ليعلقها حسبما اعلن رئيسه غسان غصن.
مؤكدا ان التظاهرة ستبقى قائمة وسيتم تحديد موعد لاحق لها، مشيرا الى ان الغاءها جاء نظرا للاوضاع الامنية المتوترة.
واتهم غصن بعض الاطراف التي لم يسمها والتي قال انه يعرفها بالوقوف وراء القاء المنشورات التي تحذر من القيام بالتظاهرة وسلوك الطريق الذي حددته.
وقال غصن، في مؤتمر صحافي عقده امس، ان الاضراب الذي دعا اليه الاتحاد مستمر. وحمل الحكومة مسؤولية تأجيل التحرك العمالي لجهة عدم تامين الاجراءات الامنية اللازمة لحماية التظاهرة الى جانب تأمين الطريق لها، مشيرا الى ان الاتحاد العمالي سيعقد اجتماعا لتحديد موعد آخر لهذه التظاهرة.
وكان الاتحاد العمالي رفض قرار الحكومة برفع الحد الادنى للاجور من 300 ألف ليرة لبنانية (200 دولار اميركي تقريبا) الى 500 ألف (330 دولارا) واعطاء علاوات على الرواتب وتقديم مساعدات لطلاب القطاع العام معتبرا ذلك غير كاف.
زيادة في أسعار المحروقات
وساهم في توتر الأوضاع إعلان الحكومة وبالتزامن مع الاضراب، رفع سعر صفيحة البنزين الخالي من الرصاص 98 اوكتان و95 اوكتان 400 ليرة لبنانية، وسعر صفيحة الكاز 700 ليرة لبنانية، وسعر صفيحة المازوت 900 ليرة لبنانية، والديزل اويل للمركبات الآلية 800 ليرة لبنانية، وطن الفيول اويل (1% كبريت) 9 دولارات اميركية، وطن الفيول اويل للعموم 4 دولارات اميركية، وسعر قارورة الغاز زنة 10 كلغ 200 وزنة 12.5 كلغ 300 ليرة لبنانية.
النهار الاضرابي الطويل بدأ في السادسة صباحا مع الشروع باشعال اطارات المطاط في الطرق الرئيسية، خصوصا طريق المطار ومداخل بيروت الجنوبية مع محاولة قطع طريق المرفأ شمالي العاصمة والذي يربط غربها بشرقها، اضافة الى بعض الاحتكاكات المسلحة التي جرت في اكثر من شارع، خصوصا في كورنيش المزرعة، حيث القى شخص مجهول قنبلة صوتية اصابت ثلاثة مدنيين وعسكريين بجراح، وفي محيط دار الفتوى في عائشـــة بكار حيث حاول معارضون متقدمون من جهة حي اللجا في المصيطبة الوصول الى هذه المنطقة المحسوبة على تيار المستقبــــل، فتصدى لهم شبان المنطقة ودار عراك بالعصي والحجارة فضه الجيش وقوى الامن وعادت الامور الى طبيعتها.
واللافت، بحسب مشاهدات الاعلاميين والمصورين الذين نالهم الكثير من غضب مشعلي اطارات المطاط في الشوارع، هو مشاركة جرافات وشاحنات تابعة لمؤسسة جهاد البناء الايرانية في نقل الاتربة والمعوقات وافراغها في الشوارع.
وفي زغرتا، لم يصل انصار الوزير السابق سليمان فرنجية الى الطريق الساحلي في شكا لقطعها او التظاهر حولها، كما كان يفترض، وفي زحلة حيث زعامة رئيس الكتلة الشعبية ايلي سكاف حليف العماد عون في كتلة التغيير والاصلاح اشادت الموالاة بغياب اي مظهر من مظاهر الاضراب في هذه المدينة وحولها، غير ان وسائل اعلام المعارضة اظهرت العكس من خلال بث صور لشوارع شتورة وزحلة وهي خالية من الحركة، واقفلت بعض الجماعات طريق ضهر البيدر.
ووسط تشكيك الموالاة وتقليلها من اهمية التحرك في مناطق المتن وكسروان، اكد النائب عن كتلة التغيير والاصلاح نبيل نقولا ان الاضراب نجح في هذه المناطق المحسوبة على العماد ميشال عون مائة بالمائة، دون ان يرافق الاضراب اغلاق طرقات واحراق دواليب، كما حدث في المناطق الأخرى.
الجيش والقوى الأمنية
الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي واكبا حركة الاضراب بعدما سحب الجيش بعض وحدات التدخل من الجنوب الى بيروت، وبدا من طبيعة تحرك قواته على الارض انه راعى التواجد في الشوارع التي تشكل خطوط تماس بين فريقي الموالاة والمعارضة، وركز على استيعاب بعض الاحتكاكات التي حصلت بين الطرفين، خصوصا في كورنيش المزرعة وعائشة بكار.
وفي مجال مكافحة اغلاق الطرق، كان التركيز على فتح الطرق الرئيسية داخل العاصمة، بحيث منع بشدة اقفال طريق المرفأ التي تربط غرب العاصمة بشرقها، كذلك منع اقفال جسر فؤاد شهاب المعروف بـ «الرينغ» والذي يربط الحمراء بالاشرفية، وتولت اقفال هذه الطريق الاساسية مجموعة من حزب الله تقدمت من مخيم الاعتصام المعروف في وسط بيروت.
وبالنسبة لطريق المطار والطرق المحيطة بالضاحية التي شهدت اقفالا بالسواتر الترابية والاطارات المشتعلة، جرى الاهتمام الامني بطريق المطار دون تشدد، والغت بعض شركات الطيران رحلاتها او اجلتها من والى مطار بيروت، في حين حرص الجيش على فتح طريق الشويفات جنوب الضاحية وكذلك طريق عام بيروت - صيدا في خلدة باعتبار ان هذا يتجاوز حدود ما يسمح به.
ردات فعل نارية
في اعقاب الغاء التظاهرة، اندلعت مناوشات بالاسلحة الرشاشة وقذائف الـ «آر.بي.جي» الصاروخية في احياء النويري - البسطة بين تيار المستقبل وحزب الله، حيث اصيب مكتب للمستقبل بقذيفتين صاروخيتين دمرتاه واصيب ثلاثة من العاملين به، وفي رأس النبع بين المستقبل وامل وفي المصيطبة - كركون الدروز بين امل والحزب التقدمي الاشتراكي، وهرعت قوات التدخل التابعة للجيش الى امكنة الاشتباكات، فيما خلت شوارع هذا الجزء من بيروت من اي حركة سوى من الآليات العسكرية.
ولاحقا امتدت الاشتباكات الى منطقة الكولا وجامعة بيروت العربية ثم لم تلبث ان انحسرت.
وقد ذكرت مصادر امنية ان عناصر من حركتي أمل وحزب الله المعارضتين في لبنان سيطرت على مقر تيار المستقبل الذي يقوده السياسي سعد الحريري، زعيم الاكثرية النيابية، في منطقة بربور المتاخمة لمنطقة كورنيش المزرعة في بيروت. واشارت المصادر الى ان انصار المعارضة صادروا من المقر «كمية من الأسلحة والعتاد الحربي».
وكانت أنباء قد اشارت الى حدوث عمليات اقتحام مماثلة لمكاتب تيار المستقبل في منطقة رأس النبع.
في المحصلة الاولى يمكن القول ان التعامل مع اضراب المعارضة بوجه الحكومة من قبل المؤسسات العسكرية والامنية قد شكل نجاحا لهذه المؤسسات، وان بدت ممسكة بالعصا من الوسط في بعض الحالات الباردة او التي يمكن تجاوزها، فلم تقع مواجهات مسلحة مباشرة بين انصار الموالاة والمعارضة، ولا بين الجيش واي طرف مشارك في الاضراب او ضد الاضراب، وهذا يعكس حرص الطرفين على تجنب توريط المؤسسة العسكرية في مواجهات قد تهدد السلم الاهلي والاستقرار العام.
وعلى هذا الاساس، لم تتردد القوى الامنية في اعتقال قناصين كانا على سطح مبنى «المؤذن» في ساحة البربير، احدهما يدعى محمد قنديل والآخر علي قانصو وفق معلومات امنية، وقد احيلا الى القضاء العسكري مع سلاحيهما المزودين بمنظارين.
ما بعد الإضراب
ورغم ان المظاهرة لم تتم، الا ان ما جرى خلال الاضراب على الارض لم يحجب المخاطر الامنية المستمرة، خصوصا في بيروت، حيث تتداخل الشوارع والبيوت، وحيث ينتشر السلاح بين الاطراف، وكذلك الاقنعة التي عادت الى الظهور امس في مشهد ذكـــر اللبنانيــــين بمراحـــل ســـوداء من تاريخ حربهم الاهلية.
كما لم يحجب دخان الحرائق المشتعلة في الاطارات المطاطية الاحراجات السياسية الناجمة عن التطورات، حيث قررت المعارضة تفعيل المواجهة السياسية مع الحكومة على خلفية قراراتها الاخيرة المتصلة بوجود حزب الله و«الكاميرات الايرانية» حول المطار، اضافة الى شبكة اتصالات حزب الله، فضلا عن قرار مجلس الوزراء اعفاء رئيس جهاز امن المطار العميد وفيق شقير من مهامه واعادته الى ملاك الجيش.
هذا، واكد مصدر معارض ان الاضراب الذي شهدته بيروت أمس، وما رافقه من قطع طرق سيستمر ويتحول الى «عصيان مدني» حتى تتراجع الحكومة عن القرارات الاخيرة التي اتخذتها وتعتبرها المعارضة مساسا بأمن حزب الله. وقال المصدر: الاضراب الجاري بكل ما فيه سيستمر، وهو مثل العصيان المدني، وذلك حتى تتراجع الحكومة عن قراراتها الأخيرة.
الصفحة في ملف ( pdf )