مع ارتفاع أسعار مشتقات الطاقة، ارتفعت ايجارات الشقق في جميع الأحياء، وشمل ذلك الارتفاع معظم المباني القديم منها والجديد، ولم يكن مبررا، بل استغربه العاملون في مكاتب العقار أنفسهم، لأنه لم يكن مرتبطا بالتزامات مالية جديدة، يتحملها أصحاب العقار، أو أي شيء من هذا القبيل.
فغدا ارتفاع الإيجارات حديث المجالس في جميع الأوقات، لأنه الهم الأكبر والمعضلة الحقيقية التي ترهق كاهل الأسر منخفضة ومحدودة الدخل، لأنه شكل عبئا إضافيا على الضعفاء، الذين لم يمتلكوا القدرة على شراء أبسط حاجاتهم الاستهلاكية اليومية، حتى صدموا بأصحاب المساكن وقد أصابتهم عدوى الجشع والطمع.
استنساخ الشقق
اشتكى العديد من المستأجرين من وجود ظاهرة جديدة، فرضها تغير أحوال سوق العقار، تتمحور في قيام بعض الملاك بتغيير الوحدات السكنية، من أجل زيادة سعتها، وبالتالي ضمان عائد إيجاري أعلى، واعتبروا أنَ لهذه الظاهرة تداعيات كثيرة على المستأجرين.
ويعاني الكثير من سكان الشقق من ظاهرة «استنساخ الشقق» التي يقوم بها البعض، بقسم الشقة الواحدة وجعلها شقتين منفصلتين.
كما يقوم بعض الملاك باستخراج رخص للصيانة العامة، ويفاجأ السكان بأن الغرض منها هو القيام بعمل تقسيم للوحدات السكنية، بحيث تصبح العمارة ذات الشقق الأربع، عمارة ذات ثماني شقق.
المستأجرون أكدوا أن الإيجارات بلغت حدا مرتفعا جدا، ودون أي مبرر، فليس هناك أي علاقة لارتفاع إيجار المنازل والشقق السكنية، بالارتفاعات العالمية التي جعلوها شماعة تعلق عليها أسباب ارتفاع الإيجارات. والمشكلة أن الشقق متوافرة، فالعروض كثيرة.
منيرة العبد الله، تقول: «لا يختلف اثنان على أننا نمر بأزمة حقيقية، وهي ارتفاع الإيجارات. وكثير من الناس في حالة مادية ليست ميسرة، ونرجو مساعدتنا في حل هذه الظاهرة، خاصة في مدينة دمشق وريفها، لأن إيجار المنزل فقط، بغض النظر عن ارتفاع المواد والسلع الاستهلاكية الأخرى، كاف للقضاء على دخل الأسرة بكاملها». وتبين منيرة أن «متوسط الأجور يبلغ نحو 10 آلاف ليرة سورية، وأرخص إيجار بيت يبلغ 7 آلاف ليرة، في حي متواضع».
سعيد أحمد: «ارتفاع الإيجارات أصبح ظاهرة مبالغا فيها، وهناك بيوت قديمة عمرها أكثر من خمس وعشرين سنة، يتجاوز إيجارها 10 آلاف ليرة، فما بالك بالشقق السكنية الجديدة، التي يختلف سعر إيجارها من مكان إلى آخر. ولكن عموما الأسعار مبالغ فيها كثيرا». يضيف سعيد: «أنا أتكلم بهذا الكلام، لأني صاحب مكتب عقاري، وأنا أعرف خفايا ارتفاع الإيجارات. وهذا لا يشمل الشقق فقط. فحتى الأراضي ارتفع سعرها بصورة خيالية».
وعن الأسباب قال سعيد صاحب المكتب العقاري: «لا يوجد أي سبب منطقي لارتفاع إيجارات المنازل، فمعظم الشقق السكنية التي يتم تأجيرها بنيت قبل ارتفاع أسعار مواد البناء، مثل الحديد والإسمنت. والذي جرى هو طمع بعض أصحاب العقارات بجني أرباح أكثر، من خلال عملية التأجير التي يقومون بها».
المؤجرون: الأسعار تناسب الجميع
على الطرف الآخر يعتقد أصحاب العقارات، وبالأخص المؤجرون، أن هذا الارتفاع طبيعي، ومن حقهم استثمار ماعندهم من شقق سكنية، من خلال عملية التأجير.
ويوضحون أنه يوجد في السوق العقاري بيوت وشقق تناسب أسعارها كل الشرائح والفئات، فمثلا هناك بيوت أسعارها لا تتجاوز 5000 ليرة سورية، وهناك بيوت يتجاوز إيجارها 50 ألف ليرة سورية.
حسن خير الله (أحد المتعاملين في سوق الإيجارات) قال: «إن الزيادة الحاصلة في أسعار الإيجارات تأتي بسبب الزيادة في أسعار جميع المواد في السوق».
وأضاف: «ليس من المعقول أن الأسعار جميعها ترتفع وتبقى الإيجارات على حالها، فهذا بالتأكيد سيؤثر على الجميع». ويقول: «إن الحل كان لابد أن يتحقق، من خلال دراسة مستفيضة من قبل الجهات المعنية، وتقدير حاجة السوق، وبالتالي تأمين السكن الملائم لجميع طبقات المجتمع».
ويضيف: «جميع الأسعار في السوق في الواقع مرتبطة ببعضها؛ فعندما ترتفع سلعة معينة فبالتأكيد ستتبعها سلعة أخرى، وهكذا، إلى أن يتعمم ذلك على جميع السلع، وبالتالي تصل إلى ما هو أهم لدى المواطن، وهو أسعار العقارات والإيجارات».
أما ياسر عباس الذي يمتلك 7 شقق سكنية يقوم بتأجيرها، يرى أن «الأسعار تناسب الجميع، فالأسعار متفاوتة من منطقة إلى أخرى ومن بيت إلى آخر، والأسعار تحدد بناء على كسوة البيــت وفرشه»، إلا أنه يعترف بوجود ارتفــاع في أسعار الإيجارات.
أسباب كثيرة والنتيجة واحدة
في الفترة السابقة، تحدث الجميع عن أسباب ارتفاع أسعار العقارات في سورية، والعوامل التي أدت إليه.
وبعد فترة، تحدث خبراء العقارات عن الركود الشديد الذي يلف قطاع العقارات، وتفاءلوا بل وأكدوا أن الفرج سيكون قريبا، فبعد ركود الأسعار سيكون انخفاضها.
ولكن كما يقال «الماء يكذب الغطاس»، فالبعض قال إن النمو السكاني الذي يوصــف «بالانفجار» ساهم في نمو الطلب علــى العقــارات في سوريــة، فقد تضاعــف عدد سكان سورية منذ عام 1960 أكثر من أربعة أضعاف، كمــا ساهمت الهجــرة الداخليــة من الريف إلى المدن السوريــة فــي تعزيــز الطلب على العقارات في المدن.
صفحة شؤون سورية في ملف ( pdf )