من لم يزره، لم يعرف دمشق، ذلك لما يتمتع به جبل قاسيون من إطلالة فريدة على مدينة دمشق، إضافة إلى شهرته الخاصة، ومكانته الدينية، بسبب احتوائه على العديد من المواقع السياحيةوالمزارات والأوابد.
ورد في التاريخ أن سبب تسمية هذا الجبل بـ «قاسيون» يعود إلى طبيعته القاسية، حيث قسا، فلم تنبت الأشجار على سفوحه وقممه.
وقد سمي قاسيون بجبل الصالحية، وجبل دير مران، ولكن تبقى كلمة قاسيون، هي المعتمدة لهذا الجبل الشامخ، الذي يشاهده الزائر لدمشق، من كل شارع وزقاق ومنزل مرتفع.
أحد المشاهد الجميلة التي يمكن لكل زائر أن يتأملها من على سفوحه، تلك اللوحة الفسيفسائية الجميلة، التي ترسمها أبنية حي المهاجرين في عناق أبدي بين المساجد والكنائس.
أما جمالية الإطلالة على دمشق، فتزداد ليلا، حيث تتزين المدينة بمصابيحها وأنوارها وفوانيس حاراتها القديمة.
ولذلك أقيمت فوق قممه الاستراحات والمطاعم ليتمكن الزائر من التمتع بمنظر المدينة التاريخية بمشاهد بانورامية قل نظيرها.
فعليه ترتاح النفس بنظرة إلى دمشق، ولذلك فقد كان السكن الأول لأهل دمشق ثم نزلوا إلى دمشق جنوبا.
مغارتا الدم والجوع
على السفح الشرقي للجبل ثمة مغارة الدم، التي تعرف اليوم بمقام الأربعين، وهو مكان مشهور كان يزوره الكثيرون، ولا سيما الحجاج، يتناقلون معلومات وأساطير تشير إلى أن الجبل فتح فاه لفظاعة العمل الذي قام به قابيل، يريد بذلك أن يبتلع مرتكب أول جريمة نكراء في تاريخ البشرية، وأخذ الجبل يبكي وتسيل دموعه حزنا على هابيل (ولايزال يقطر حتى الآن).
وبقي لون الدم على صفحة الصخرة التي قتل عليها هابيل ظاهرا باديا.
وفي سقف المغارة علامة لأصابع قالوا إنها أصابع سيدنا جبريل عليه السلام، حينما أمسك السقف حتى لا يقع على قابيل القاتل.
وفوق المغارة أقيم مسجد، يضم أربعين محرابا، بناه الوالي العثماني أحمد باشا عام 1599م.
وبالقرب من مغارة الدم توجد مغارة الجوع، التي يذكرها الشعراء كمأوى للصائمين من الأنبياء والمتعبدين.
كهف جبريل
بالقرب من مغارتي الدم والجوع، ثمة كهف جبريل، حيث يعتقد بأنه الكهف الذي ورد ذكره في سورة الكهف، وهذا أحد أسباب شهرة جبل قاسيون.
فمن يقصد الآن ذلك الكهف عليه أن يتجه نحو حي سكني أنشئ فيه مسجد، ومما يروى أن آدم عليه السلام، كان يسكن في كهف جبريل، وقد أتته الملائكة لتعزيه بابنه هابيل.
الربوة مهد عيسى ( عليه السلام )
من يقصد جبل قاسيون عليه أن يعرج على الربوة، التي يعتقد بأنها الموطئ الذي ورد ذكره في القرآن الكريم، في قوله تعالى: (وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين) والمقصود بذلك السيدة مريم وطفلها عيسى عليهما السلام.
ومن هنا كان قاسيون موضع مدح وثناء، يصف قدسيته حيث قال ابن عساكر:
يا صاح كم في قاسيون وسفحه من مشهد يستوجب التعظيما فالربوة العليا يفضلها الذي أضحى بتفسير الكتاب عليما.
«المهاجرين» والصالحية
أعلى قاسيون، ثمة منطقة المهاجرين، الممتدة بين دير مران غربا، والضاحية شرقا، والتي ظهرت أواخر العهد العثماني لإسكان المهاجرين الذين جاءوا من ولايات الدولة العثمانية.
بعضهم من ولاية القرم التي احتلها الروس، والبعض الآخر من جزيرة كريت، التي احتلها اليونان.
وإلى الشرق من المهاجرين يوجد حي الصالحية، حاضرة قاسيون الكبرى، الذي توسع باتجاه الشرق، فظهرت عليه، أحياء الأكراد وركن الدين، نسبة للمدرسة الركنية الأيوبية، التي لاتزال تتوسط ساحة شمدين.
وما تزال الصالحية تحتفظ بعدد من المباني التاريخية، مساجد ومدارس تتميز بقبابها الحمراء ومآذنها، كجامع الحنابلة، الذي كان أول جامع كبير يشاد فيها، وجامع الشيخ محيي الدين.
ومن المدارس، المدرسة العمرية، التي تسمى اليوم الشركسية، إضافة إلى مدرسة الأشرفية، والأتابكية.
مقام محيي الدين بن عربي
وكذلك ما يمكن أن يجده الزائر أيضا مقبرة تخص زوجة السلطان نور الدين، والتي تزوجها بعده صلاح الدين، واسمها خاتون عصمة الدين، وذلك داخل الجامع الجديد،إضافة إلى وجود جامع الشيخ محيي الدين، ذلك العارف بالله، الصوفي، الذي يزوره السياح، من كل بقاع العالم.
قبتا السيار والنصر
لقمة قاسيون قبتان، الأولى تعرف بالسيار، والتي تعلو موقع الربوة، ويمر بمحاذاتها الطريق الجبلي المؤدي إلى دمر.
ويذكر أنها تنسب للأمير سيار الشجاعي، أحد أمراء المماليك. وهي تمتاز بطراز معماري أيوبي.
أما القبة الثانية، فتعرف بقبة النصر. وقد سميت بذلك تخليدا لذكرى انتصار أحد نواب مملكة السلطنة المملوكية. ولكنها وللأسف تهدمت إثر زلزال دمشق عام 1759م.
صفحة شؤون سورية في ملف ( pdf )