بيروت - عمر حبنجر
اقفل امس، ونهائيا ملف الاسرى اللبنانيين في السجون الاسرائيلية، وتمت عملية التبادل في الناقورة، حيث مقر القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان، وطار سمير قنطار ورفاقه الاربعة بالمروحية الرئاسية من الناقورة الى مطار بيروت، حيث كان الرئيس ميشال سليمان على رأس الاستقبال الرسمي للمحررين محاطا برئيسي مجلس النواب نبيه بري ومجلس الوزراء فؤاد السنيورة فيما ارجئ نقل رفات الشهداء الـ 199 بواسطة شاحنات جهزها حزب الله، تحت عنوان «عملية الرضوان» بينهم سبعة من حزب الله سقطوا في حرب يوليو ومعظم الاخرين فلسطينيون من مجموعة دلال المغربي. كل شيء كان جاهزا لعملية التبادل منذ الفجر، الرايات والمنصات والصور والمجسمات واناشيد حزب الله والخيالة، والاستعدادات السياسية والرسمية للمشاركة من جانب جميع الاطياف اللبنانية السياسية والدينية والحزبية.
انكسار الممانعة الإسرائيلية
فبمعزل عن كل الاعتبارات والتباينات الداخلية، فإن المعاني السياسية الكبرى التي ترتبت على هذه العملية، واخصها بالذكر كسر الممانعة الاسرائيلية باطلاق القنطار المحكوم بالسجن 560 سنة، قزمت جميع التناقضات الاخرى، وقبلها كسر الممانعة الاسرائيلية في مفاوضة حزب الله، ومثلها الممانعة الاسرائيلية في اطلاق من تلوثت يداه بدماء الاسرائيليين.
ان عملية الامس، اظهرت مرة اخرى وبما لا يدع مجالا للشك، ان القوة الاسرائيلية لم تعد مطلقة، وهذه بداية لما بعدها بالتأكيد.
نقل الأسرى الخمسة
الاسرى الخمسة نقلوا بواسطة ناقلات جند مدرعة الى الحدود اللبنانية عبر مستوطنة نهاريا منذ الصباح الباكر، باستثناء عميدهم سمير قنطار الذي استقدم عبر طريق التفافي، تجنبا للمرور به في المستوطنة التي اسر وهو ينفذ عملية فيها. في وقت كانت شاحنات جهزها حزب الله بالاعلام والورود تحت عنوان «عملية الرضوان» نسبة لعماد مغنية الذي قاد عملية اسر الجنود الاسرائيليين في 12 يوليو 2006، تنتظر ومعها اللجنة الدولية للصليب الاحمر وصول رفات الشهداء، وتم تسليم جثتي الجنديين الاسرائيليين اللذين كشف الحزب امس، وعند نقطة الناقورة، انهما قتلا نتيجة اصابة سيارتهما «الهامر» بقذيفة صاروخية مدمرة.
الصليب الأحمر الدولي تولى مسؤولية التعرف على الرفات بواسطة الحمض النووي وفق المعطيات التي تسلمها من الجانبين اللبناني والاسرائيلي، علاوة على اعداد الاسرى الخمسة للعودة وهم:
سمير قنطار، حسين علي سليمان، خضر زيدان، ماهر كوراني ومحمد سرور.
وقد نصبت خيمة على الجانب اللبناني من الحدود للفريق اللبناني المتابع لعملية التبادل والمؤلف من اللواء وفيق جزيني المدير العام للامن العام والحاج وفيق صفا مسؤول الارتباط في حزب الله اللذين كانا يتابعان الوضع من خلال الوسيط الالماني الذي كان يقوم بجولات بين جانبي الحدود مثل رقاص الساعة.
الجنديان الأسيران ميتان
في التاسعة والنصف صباحا، بدأت عملية التبادل انطلاقا من تسليم رفات او اشلاء الجنديين الاسرائيليين اللذين سقطا في معركة 12 يوليو 2006. تقدمت كاميرا تلفزيون «المنار» من الحاج وفيق صفا مسؤول الارتباط بالحزب الذي اعلن قوله:
على اسم الله تعالى نبدأ تنفيذ «عملية الرضوان» بتقديم الجنديين الاسرائيليين الداد ريغيف وايهود غولدفاسر اللذين سقطا في 12 يوليو 2006، حيث بقي مصيرهما مجهولا حتى اللحظة رغم الحرب والضغوط التي مورست علينا من اجلهما، كاشفا - ولاول مرة - انهما ميتان.
في هذا الوقت بالذات اقتربت سيارتا اسعاف تبين ان كلا منهما تحمل صندوقا اسود كبيرا، وبدا واضحا للتو ان بداخل كل منهما بقايا جثة او رفات واحد من الجنديين اللذين «داخت» حكومة اولمرت من اجل معرفة مصيرهما حيين او ميتين لكن دون جدوى.
السرية العصية على الخرق
ورأى مراقبون ان عجز اسرائيل او الدول الصديقة لها عن اختراق السرية التي احاط بها الحزب مصير هذين الجنديين شهادة بامتياز على حديدية امن الحزب، وهو ما ادى الى شيوع حالة من البلبلة والارباك للحكومة الاسرائيلية ورئيسها الى حد التداعي والانهاك.
وبعد نقل التابوتين الاسودين الى سيارتين تابعتين للصليب الاحمر الدولي، توجهت السيارتان الى المقر المؤقت للصليب الاحمر الدولي، حيث جرى فحصهما نوويا، وبعد التأكد من انهما المعنيان جرت اعادتهما الى بقعة تابعة للصليب الاحمر بانتظار شروع اسرائيل بعملية المبادلة من جانبها، وقد تم ذلك عند الساعة 12 ظهرا بتسليم رفات 12 شهيدا بينهم 7 من شهداء حزب الله في حرب يوليو 2006 والخمسة الآخرون من جنسيات عربية مختلفة.
تأجيل تشييع الشهداء إلى اليوم
وكانت قيادة حزب الله قررت تأجيل الاحتفال بتشييع رفات الشهداء المئة والتسعين الى المثاوي الاخيرة الى اليوم لاعتبارات متصلة بالابعاد الاعلامية والسياسية للمسألة باعتبار ان يوم امس، كان حافلا وحاشدا بالاستقبالات الرسمية والشعبية من الناقورة الى المطار فطريق المطار الى الضاحية، مرورا بالمدن الساحلية، ووصولا الى اللقاء الجماهيري مع الاسرى العائدين، حيث كان هناك خطاب دولي وعربي للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بحيث يمكن اعطاء هؤلاء الشهداء الاهتمام الاوسع الذي يستحقونه.
وبسبب هذا تأخر وصول الدفعة الاولى من الجثامين الى الثالثة والنصف من بعد الظهر بدلا من الثانية عشرة.
وهذا الواقع افضى الى تأجيل الاحتفال بوصول الاسرى المحررين الى بيروت للسادسة والنصف من بعد الظهر، وتبعا لهذا بقي توقيت الاحتفال الشعبي في ملعب الراية بالضاحية الجنوبية الى ما بعد هذا الوقت.
وبوصول الشاحنة الحاملة لجثامين الشهداء الاثني عشر الى بقعة الاستقبال الرسمي في بلدة الناقورة الحدودية الساعة 3.50 دقيقة اديت لهم التحية العسكرية.
وكانت الشاحنة مزينة بالورود والصور وقد لفت النعوش بالعلمين اللبناني والفلسطيني وقد خاطبهم عريف الحفل بالقول: شكرا لكم من مقاومتكم ايها الشهداء، لقد انتصرنا وفرحت الامهات المنتظرات، شكرا لكم باسم مقاومتكم، والعهد هو العهد، ان تبقى المقاومة وحدها للرد وان تبقى قوافل الشهداء لتصنع النصر. وتوجهت القافلة الأولى بعدئذ باتجاه بيروت تمهيدا للتشييع الرسمي اليوم.
نصرالله يفاجئ الأسرى
ومساء، استقبل الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الأسرى المحررين في مكان الاحتفال في الضاحية الجنوبية لبيروت أمس وألقى كلمة الى جانب الأسرى جدد فيها لجمهور المقاومة انه ولى زمن الهزائم وجاء زمن الانتصارات. وقال هذا البلد اعطى صورة واضحة للعالم انه لا يمكن ان يهزم.
فبتأخير ساعة عن الموعد الذي أعلن وبسبب ازدحام الحشود على الطرقات، وصل الأسرى المحررون الخمسة إلى ملعب الراية، وتم التمهيد لدخولهم إلى المنصة الرئيسية حاملين الأعلام اللبنانية وأعلام حزب الله، بتسجيل مستوحى من التحدث عبر اللاسلكي خلال العمليات العسكرية، بدأ بـ «ألو عمليات» والرد بـ «أنا سمير القنطار لقد عدت» ثم أغنية خاصة من وحي المناسبة.
وقد فاجأ بعدها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الجماهير بحضوره شخصيا في ظهور نادر بعد عدوان يوليو 2006 وعانق سمير القنطار ورفاقه المحررين بحرارة.
وتوجه السيد نصرالله إلى الحضور بالقول باسما «ما رح أخطب هون لا يمكن ان تكون في خمس دقائق، ولكن لكم النصر.
وللشباب احببت ان ابارك بعودة الشباب الأسرى، كما سبق وتحدثنا في العام 2000.
لقد ولى زمن الهزائم وجاء زمن الانتصارات. لا يمكن لهذا الشعب ان تلحق به هزيمة، انا احببت عن قرب ان اسلم عليكم وهلق بظمط. وبيكونوا الشباب خطبوا وعملوا كم نشيد، وسأتحدث على الشاشة ان شاء الله.
اعدكم انا على الشاشة عم اسحب (أتكلم) ساعة وساعة وثلث وساعة وربع. الليلة ما رح طول وكل عام وانتم بخير» وقبل ان يغادر السيد طلب من القنطار الاقتراب منه ممازحا اياه بالقول: خليك حدي، ما كل الحرب كانت كرمالك.
القنطار على نهج المقاومة
بعد مغادرة السيد نصرالله المنصة أعرب الأسير اللبناني المحرر سمير القنطار عن سروره لمعايشته زمن الانتصارات بفضل الشهداء الذين سقطوا في مواجهة عدو غاصب. ونوه في كلمة له خلال الاحتفال الشعبي الحاشد الذي اقامه حزب الله في ملعب «الراية» بالجماهير الذين ضحوا وقدموا الأبناء والمال وتحملوا الأذى ولم يساوموا على مقاومتهم.
وتعهد بالعمل على حفظ المقاومة مؤكدا ان المقاومة لن تهزم وهي تقترب من تحقيق الحلم ومعتبرا ان السلاح أصبح ثقافة تبني وطن المقاومة وأصبح ثقافة الاجيال لتحقيق الانتصار، كما تعهد بمواصلة نضاله في صفوف المقاومة اللبنانية، مشيرا الى ان أحد سجانيه كان يقول له ان الله لم يخلق بعد الانسان الذي سيخرجه من السجن.
وقال انني اقول لهذا السجان لقد خلق الله آلاف الرجال الذين سيخرجون جميع الأسرى من سجون الاحتلال. وأضاف القنطار قائلا انه لم يخرج من فلسطين اليوم الا ليعود اليها، وأهاب بالقوى الفلسطينية التوحد على قاعدة برنامج سياسي موحد لتحقيق النصر.
وركز القنطار في خطابه على ولائه لحزب الله وزعيمه السيد حسن نصرالله الذي وصفه بأنه رجل أوفى بوعده وضمن إطلاق سراحه من «سجون العدو» كما أشاد بالرئيس اللبناني السابق إميل لحود الذي حضر التجمع الحاشد ووصفه بأنه «زعيم وطني».
وبدا القنطار الذي كان يرتدي زيا عسكريا سعيدا وهادئا في خطابه أمام الحشد الكبير الذين كانوا يرددون «سمير.. سمير» أثناء حديثه.
وبعد انتهاء القنطار من إلقاء كلمته أطل الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مجددا عبر شاشة عملاقة ليؤكد قوله الشهير: «ان زمن الهزائم ولى وجاء زمن الانتصارات»، مشددا على ان مسار المقاومة واحد وان تعددت احزابها وفصائلها.
وقال نصرالله ان «مشروع المقاومة واحد ومسارها واحد ومصيرها واحد وان تعددت احزابها وفصائلها».
وأردف قائلا ان حركات المقاومة في هذه المنطقة خاصة في لبنان وفلسطين هي حركات متكاملة لتحقيق نفس الاهداف في تحرير الارض والانسان.
وقال ان الهوية الحقيقية لشعوب المنطقة هي «هوية المقاومة وإرادة المقاومة ورفض الذل والهوان، راية المقاومة لا تسقط وتنتقل من مجموعة الى مجموعة».
واشار الى انه لو «هزمنا في حرب يوليو 2006 لما عاد سمير القنطار ورفات الشهداء، وضاع لبنان والمنطقة».
وقال ان اسرائيل خشيت من عملية اسر جديدة لجنودها يقوم بها حزب الله اذا ما اعلن عن فشل المفاوضات حول تبادل الاسرى.
وقال انه لا يمكن ان تلحق بلبنان هزيمة، مضيفا «ان زمن الهزائم ولى وجاء زمن الانتصارات».
وناشد العالم العربي عدم نفض يده من معاناة 11 ألف أسير فلسطيني في السجون الاسرائيلية.
وأعلن نصرالله انه «مصرّ على مناقشة موضوع استراتيجية تحرير الاراضي المحتلة واستراتيجية الدفاع عن لبنان الذي لم يخرج من دائرة الخطر والتهديد وهدفنا حماية بلدنا».
واضاف «سنطالب الجميع بالدفاع عن البلد ومن يتخلى عن ذلك فهو خائن».
تغطية خاصة في ملف ( pdf )