في تقييم مصادر ديبلوماسية فرنسية قريبة من الاليزيه لزيارة الرئيس السوري بشار الاسد الى باريس واللقاءات التي عقدت هناك تعكس هذه المصادر شعورا بأن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قام بمخاطرة سياسية برهانه على الاسد، وان الانفتاح الفرنسي على سورية مازال حذرا، وان زيارة ساركوزي الى دمشق مشروطة ومربوطة بتنفيذ الاسد لالتزامات وتعهدات قطعها، لاسيما ما يتعلق بإقامة علاقات ديبلوماسية بين سورية ولبنان.
تنقل هذه المصادر أجزاء من كلام ساركوزي للاسد وللرئيس اللبناني ميشال سليمان وفي القمة الرباعية.
حسب هذه المصادر فإن ساركوزي تقصد وجود الشيخ حمد الى جانبه في هذه القمة حتى يكون شاهدا على الالتزام الذي قدمه الاسد بإقامة علاقات ديبلوماسية مع لبنان.
وفي القمة الرباعية، توجه الرئيس ساركوزي الى الرئيس الاسد وقال له انه يعتبر التزامه بإقامة علاقات ديبلوماسية مع لبنان «وعد شرف»، وبالتالي فإنه «يعوّل عليه حتى يضعه موضع التنفيذ».
اضافة الى ذلك، قال الرئيس الفرنسي للاسد انه «يربط اتمام زيارته» الى سورية التي أعلن عن اجرائها في سبتمبر المقبل بصدور «اعلان رسمي حكومي سوري بقرار اقامة العلاقات الديبلوماسية مع لبنان، لأن ما تحقق حتى الآن «وعود» تحتاج الى ترجمة سياسية وقانونية، وهو ما ينتظره لبنان وفرنسا والأسرة الدولية من دمشق».
ويعتبر المصدر المذكور ان صدور القرار السوري الرسمي «لن يتأخر»، وهناك عدة مناسبات لاصداره، منها الزيارة الرسمية التي سيقوم بها الرئيس سليمان الى سورية في الأسابيع المقبلة.
ولاحظت المصادر انها غير متيقنة مما اذا كان التبادل الديبلوماسي اللبناني - السوري سيحصل قبل زيارة ساركوزي لدمشق.
لكنها أملت في الا تكون هناك عراقيل للحؤول دون هذه العلاقات، وأضافت ان ثمة شهودا على التعهدات التي قدمها الاسد، ومنهم أمير قطر.
وأوضحت ان باريس تنظر الى تطبيع العلاقات اللبنانية - السورية وحصول تبادل ديبلوماسي وفق مراحل وخطوات متدرجة، وهي لا يمكن ان تتوقع حصولها دفعة واحدة لكونها تشمل عددا من الملفات التي تتناول اضافة الى العلاقات الديبلوماسية، مصير مزارع شبعا وتدفق الأسلحة عبر الحدود بين البلدين وترسيم هذه الحدود.
وتضيف المصادر ان الرئيس الفرنسي أبلغ سليمان انه يدرك تماما مخاطر خطوته، وانه كان صريحا عندما قال انه ما لم يلمس تجاوبا من السوريين فسيوقف ما بدأه.
أضاف ان ساركوزي يأمل في تطبيع سريع للعلاقات بين لبنان وسورية في الأسابيع القليلة المقبلة قبل ان يزور دمشق في سبتمبر المقبل «ما لم تحصل معوقات»، وانه يتوقع من الاسد تطبيقا سريعا لتصريحاته العلنية، والا فعليه ان يتحمل نتائج تلكئه في تنفيذ وعوده.
وأوضح المصدر ان ساركوزي أكد لسليمان ان فرنسا لن تساوم أبدا على سيادة لبنان واستقلاله.
وقالت المصادر ان ساركوزي يأمل في الأسابيع المقبلة «الترجمة للارادة القوية» التي عبر عنها الاسد.
وقد قال ساركوزي لسليمان: انه رهان على الثقة بالاسد.
فإذا فعل ما وعد القيام به، فهذا جيد وستكون له نتائج جيدة وستؤثر على العلاقات الثنائية الفرنسية - السورية، أما اذا لم يتقيد بما تعهد به، فستكون لذلك نتائج أخرى.
وقال ساركوزي: ان الرهان على ان سورية ستنفذ عمليا ما وعدت به أفضل من الجمود، من الأفضل أن أثق ببشار، وان خيب ثقتي فسأتحمل تبعة ذلك شخصيا.
أما اذا وفى فإن العلاقات الفرنسية - السورية ستتحسن بشكل ملموس.
وتنقل المصادر ان ساركوزي «طمأن الرئيس سليمان الى انه في كل خطوة خطاها في اتجاه سورية كان يفكر في لبنان، وقد كانت فرنسا وستزال الى جانب سيادة لبنان واستقلاله».
من جهة اخرى، مسؤول سوري رافق الاسد الى باريس قال في نتائج هذه الزيارة: «القطار انطلق، وساركوزي يتصرف كزعيم لفرنسا يعرف ما يريد، وان ما يجمعه والاسد هو انهما يملكان القلب القوي والشجاع والجرأة لخوض غمار تجربة لإزالة أي عراقيل أمام تطوير العلاقات الثنائية وجعلها استراتيجية.
في حين قال مسؤول آخر ان من أهم جوانب الزيارة «حصول كيمياء قوية بين الرئيسين وبناء علاقة شخصية قوية».
وتابع ان الرئيس الفرنسي أراد الافادة من التطورات الايجابية وهي اتفاق الدوحة لحل الأزمة اللبنانية، والمفاوضات غير المباشرة بين سورية واسرائيل، واتفاق التهدئة بين «حماس» واسرائيل، واتفاق تبادل الأسرى مع حزب الله، أي ان الأجواء تحولت من سلبية الى ايجابية، فبادر ساركوزي بجرأة بالانفتاح على دمشق.
وبناء على ذلك، يتوقع المصدر ان «يعمم» الجانب الفرنسي هذه التجربة على بقية حلفائه الاوروبيين خلال رئاسته الاتحاد الاوروبي.
هذا، ويقول محلل سياسي فرنسي خبير بشؤون الشرق الاوسط في «لو موند»: يتراءى في ضوء الوقائع هذه، مسعى اسرائيلي استراتيجي يعضده الرئيس ساركوزي، يرمي الى حمل سورية الرئيس بشار الاسد على التخلي عن حلفها مع ايران، القوة الصاعدة ومصدر التهديد في المنطقة.
وفي جعبة ساركوزي وسيلتان: الحوار الذي استأنفه مع سورية بصدد لبنان، وحزمه في الملف النووي الايراني، والحزم هذا يطمئن اسرائيل.
واذا جرت الأمور على ما تشتهي السفن الفرنسية، يتوقع ان يبادر الرئيس الى اعلان موعد زيارة الى دمشق، وهذه خطوة غير مسبوقة منذ العام 2000.
وتشبه استراتيجية ساركوزي مع بشار الاسد تلك التي انتهجها جاك شيراك في أوائل العقد قبل ان يضطر الى الاقرار بإخفاقها وقطع العلاقة.
وتعول الاستراتيجية هذه على تحرر المسؤول السوري الشاب من وصاية «المتشددين» في عشيرته، وحثه على انجاز الاصلاحات والانفتاح على الغرب، وذلك عن طريق مكافأته على خطوه الخطوات المطلوبة.
وعاد النهج هذا على ساركوزي بتوتير العلاقة بالسعودية ومصر.
وعلى هامش لقاء المنظمة العالمية للغذاء في روما، حذر الرئيس المصري حسني مبارك نظيره الفرنسي من التسرع في التعاطي مع مسؤول لا يثق به، وتخوفت الرياض من تراجع التأييد الغربي للشق السني من لبنان.
وعودة النفوذ السوري الى لبنان مسألة قيد المناقشة والمداولة، فإسرائيل تنظر الى استئناف سورية «تائبة» دورا مؤثرا في لبنان بعين الرضا، شريطة ان يتلازم الدور هذا مع لجم تهديد حزب الله أمن اسرائيل، غداة سنتين على حرب الـ33 يوما.
والى اليوم، لا تبدو المبادرات أو الاجراءات السورية واضحة، ففي لبنان لم يؤد انتخاب رئيس الجمهورية في 27 مايو الى الحل.
وذهب بعضهم الى ادانة انفتاح الرئيس الفرنسي المتعجل قبل تسديد سورية ثمن الحوار معها وخروجها من عزلتها على ما يتبادر الى قارئ مقابلات بشار الاسد الكثيرة عشية زيارته فرنسا.
ويلاحظ مراقبون كثر ان سياسيي الشرق الأدنى يقطعون الوقت في انتظار الادارة الاميركية الجديدة، ويشاع ان بشار الاسد أسر انه لن ينخرط في مفاوضات مباشرة مع اسرائيل قبل انتخاب الرئيس الاميركي العتيد.
وخلص الايرانيون الى ان ابرام اتفاق على أنشطتهم النووية في عهد ادارة بوش، غير مجد، وليونتهم الظاهرة ليست الا من باب كسب الوقت.
من جهة اخرى، يقول محلل سياسي عربي ان سورية نجحت في اعطاء نفسها صورة غير صورتها السابقة، ولا شك في انها تمكنت من فك بعض أطواق العزلة المنسوجة حولها.
لكن يبقى ان العبرة بالنتائج وان الحكم على الأمور سيكون في النهاية من خلال مدى نأي دمشق بنفسها عن ايران، وهذا غير ممكن وغير متوقع الا بالنسبة للذين لا يعرفون حقيقة ما بين هذين البلدين من روابط تتضاءل عندها السياسات الدنيوية العابرة، ومن خلال استبدال موقفها التاريخي من لبنان والتعامل معه كدولة شقيقة مستقلة بحدود ثابتة ومعروفة وبعلاقات ديبلوماسية متبادلة كالعلاقة مع باقي الدول العربية.
ورغم كل أجواء التفاؤل التي ترافقت مع انفراج الولادة العسيرة بالنسبة لحكومة فؤاد السنيورة والتي ذهبت الى حد التأكيد على ان تبادل السفراء بين دمشق وبيروت بات مسألة أيام وأسابيع فقط وليس أشهرا، وان ترسيم الحدود سيتبع ذلك على الفور، فخارج أحلام اليقظة الوردية والجميلة لا يمكن الجزم بأي شيء وبخاصة ان المفاوضات «غير المباشرة» بين سورية واسرائيل لا تزال تدور في حلقة مفرغة، وانها لم تحرز أي تقدم فعلي ملموس، وان العلاقات السورية الاميركية لم تشهد أي تحسن جدي ولم يطرأ عليها أي جديد.
ان دمشق المشهورة تاريخيا باتقان فنون البيع والشراء لا يمكن ان تعطي أي شيء لا للبنان ولا لغير لبنان من دون ثمن مجز ومضاعف.
ولا يمكن ان ترفع سورية يدها عن لبنان بالصورة التي يجري الحديث عنها الآن، على هامش الزيارة التاريخية للرئيس الاسد الى باريس، ما لم يتقرر سلفا مصير الاحتلال الاسرائيلي لهضبة الجولان ومصير مزارع شبعا ومصير المحكمة الدولية التي هي عامل رئيسي على هذا الصعيد، وما لم تعطَ وفقا لمعادلة دولية واقليمية جديدة حق «الڤيتو» في الواقع اللبناني الداخلي، فهذه أمور لا نقاش فيها وهي تعتبر، كما في السابق، كذلك الآن أمور حياة أو موت لا يمكن التهاون فيها وغير مسموح بالمساومة عليها.
الصفحة في ملف ( pdf )