من يزور مدينة حمص، لابد أن يزور معلمين أساسيين فيها فمدينة ابن الوليد، تضم في جنباتها الكثير من المعالم والتحف الفنية الأثرية، لاسيما الدينية منها.
وأبرز هذه المعالم جامع خالد بن الوليد، وكنيسة أم الزنار.
يقع جامع خالد بن الوليد، حيث يضم بين جنباته ضريح القائد الإسلامي الصحابي الجليل خالد ابن الوليد، إلى الشمال من مدينة حمص القديمة مضفيا على المكان جوا من السكينة والنورانية والإشعاع الروحي.
ويعتبر الجامع وبشهادة كل من يزوره، آية بديعة في فنون العمارة الإسلامية، ومعلما تاريخيا وأثريا مهما، يجذب إليه أنظار السائح العربي والأجنبي.
مكونات الجامع
يتألف المسجد من صحن مربع الشكل طول ضلعه 30.5م تعلوه تسع قباب، أعلاها القبة الوسطى والتي يبلغ ارتفاعها نحو 30 مترا، وقطرها 12 مترا، وتستند إلى أربع ركائز مربعة وضخمة، والقباب الباقية تستند من جانب، إلى هذه الركائز، ومن جانب آخر إلى جدران الحرم.
وفي صدر صحن الجامع توجد ثلاثة محاريب لكل منها عمودان من الرخام الأبيض، إلا أن المحراب الأوسط قد زين برخام له أشكال هندسية، جميلة وملونة بالأحمر والأسود والأبيض.
ويضم الجامع في جهته الشمالية عددا من الأروقة والأقواس، المبنية وفق نمط البناء الأبلق، أي توالي الحجارة السوداء والبيضاء، وهو النمط المعماري السائد في حمص منذ أقدم العصور.
وفي الجهة الشرقية من الصحن يرى الزائر أربع غرف، أعدت إحداها للوضوء، والأخرى أعدت كمتحف للآثار الإسلامية، والغرفتان الباقيتان خصصتا لطلاب العلم الشرعي.
مئذنتان مضلعتان
وتزيد جمال الجامع مئذنتان مضلعتان من الحجر الأبيض الكلسي الشاهق البياض، وتزين أطراف المئذنتين قرانص بسيطة، تنتهي كل واحدة منها بمخروط عثماني.
الواقع أنه لا بد لمن يزور جامع خالد بن الوليد، أن يتوقف أمام تلك التحفة المعمارية الرائعة في مدينة حمص، وأن يزور المتحف الإسلامي فيه، حيث يجري تطوير هذا المتحف باستمرار وإضافة الجديد إليه من الآثار الإسلامية.
ويضم المتحف حاليا مقتنيات عديدة هي ـ كما يحددها الكاتب نضال بشارة ـ تقع في خزانة تضم خزفيات وقطع فخار بينها جرار كبيرة وصغيرة، وهناك مخطوطات منسوخة بخط الثلث تتعلق بمواضيع الطب والحكمة واللغة.
تاريخ الجامع
قبل الدخول بتفاصيل نشأة الجامع نشير إلى أنَ أغلب المصادر التاريخية توضح أن البقعة التي دفن فيها الصحابي القائد خالد بن الوليد كانت قرية سميت الخالدية، تبعد عن مدينة حمص القديمة مسافة 1200م، وتحولت هذه القرية اليوم إلى حي من أحياء حمص الكبرى بالاسم نفسه.
وكان أول من اهتم بإبراز عمل هذا البطل وتحويله إلى أثر تاريخي هو السلطان الظاهر بيبرس، حيث بنى جامعا يليق بمقام وضريح هذا البطل وذلك سنة 1266م أثناء عبوره مدينة حمص متوجها للإغارة على مدينة (سيس) بعد انتصاره في (عين جالوت) على المغول.
ويرجع بناء الجامع الحالي إلى أواخر العهد العثماني، إذ أقيم على أنقاض المسجد القديم الذي كان قائما وفق الطراز المملوكي أيام السلطان الظاهر بيبرس في القرن السابع الهجري والثالث عشر الميلادي.
وفي عهد السلطان عبدالحميد حصل والي الشام (ناظم باشا) على فرمان من الباب العالي لتجديد عمارة جامع خالد بن الوليد الذي سبق للظاهر بيبرس أن أدخل عليه بعض التحسينات.
وجاء بعده السلطان رشاد الذي لم يهتم بالأمر وصار الاعتماد كله على البنائين في حمص وتبرعات الأهالي.
وفي الفترة الواقعة ما بين 1895 - 1900م صدر فرمان(مرسوم) بتكليف عبدالحميد باشا الدروبي رئيس بلدية حمص حينها، بالإشراف على مراحل البناء.
المعلم الثاني هو كنيسة أم الزنار، إحدى أهم معالم مدينة حمص الأثرية، وأقدم كنيسة في حمص، كما لا يمكن للسائح أن يزور حمص دون أن يعرج عليها.
وتقع الكنيسة في حي بستان الديوان، وأول ما شيدت كانت صغيرة بسيطة بشكل قبو تحت الأرض في القرن الأول الميلادي.
وفي شهر أبريل عام 1953م وأثناء تصفح إحدى المخطوطات لوحظ أنها جلدت بعدة أوراق، وكدس بعضها فوق بعض وبعد فتح هذه الأوراق وجد أنها مؤلفة من 46 رسالة بالكرشوني والعربي تخص أبرشية حمص وتوابعها للسريان، ومكتوبة منذ أكثر من مائة عام.
إحداها وهي كرشونية طولها 38 سم وعرضها 20 سم، كتبها عام 1852 وجهاء أبرشية سورية إلى وجهاء مدينة ماردين السورية، تتضمن أحوال أبرشيتهم، حيث ذكروا فيها أنهم هدموا كنيستهم المسماة باسم السيدة العذراء أم الزنار في حمص بغية توسيعها وتجديد بنائها لقدمه وصغره.
ووجدوا زنار السيدة العذراء موضوعا في وعاء وسط مائدة التقديس في المذبح.
وبناء على هذه المعلومات كشفت المائدة المقدسة صباح يوم 20 من يوليو عام 1953م، فوجد رقيم حجري مكتوب بالكرشوني، يذكر أنه في سنة 59م بنيت هذه الكنيسة وذلك في زمان البشير ملا، المدعو أيضا إيليا ثم ذكر تاريخ تجديد الكنيسة سنة 1852م.
ووجد تحت الحجر جرن قديم مغطَى بصفحة نحاسية مدورة داخل الجرن، ووجد وعاء معدني تفتت لقدَمه، وكان يحوي الزنار الشريف ملفوفا بعضه فوق بعض وعلامات القدم بادية عليه، وكان إلى جانبه أنبوب معدني رقيق يقع في طرف الوعاء الأعلى.
وفي وصف الجرن فهو من الحجر البركاني على شكل تاج وعمود بسيط ارتفاعه 12 سم، وطول ضلع سطحه العلوي 24 سم وطول ضلع قاعدته 29 سم في منتصف ضلع سطحه العلوي قرص نحاسي قطره 15 سم مزين بدوائر متحدة المركز، يغطي حفرة نصف بيضوية تقريبا قطرها العلوي 16 سم.
زنارالعذراء مريم
يبلغ طول الزنار 74 سم وعرضه 5 سم وسمكه 3 ملم ولونه بيج فاتح تقريبا، وهو مصنوع من خيوط صوفية، طولانية في الداخل، يرجح أنها من الكتان، نسج عليها خيوط من الحرير، وطرز الزنار بخيوط من الذهب على سطحه الخارجي، وقد تآكل من أطرافه وظهرت عليه أملاح وتأثَر بتأكسد العلبة المعدنية.
وما زال حتى يومنا هذا الجزء الباقي من زنار السيدة موجودا في الكنيسة وموضوعا في مكان يليق به.
صفحة شؤون سورية في ملف ( pdf )