أكدت المناظرة التلفزيونية الأولى بين مرشحي الرئاسة الديموقراطي باراك أوباما والجمهوري جون ماكين، عمق الهوة بين المتنافسين في ملفات الحرب في العراق وأفغانستان والقضاء على الارهاب، إلا ان الأزمة المالية الأسوأ التي تعصف بالاقتصاد الأميركي منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي هيمنت على المناظرة حيث اتهم اوباما خصمه بأنه تابع لسياسات الرئيس الأميركي جورج بوش معتبرا ان الازمة هي حكم ادانة نهائي على فشل هذه السياسات.
وكما تباينت التناقضات بين الخصمين ازاء الموقف من قضايا السياسة الخارجية والاقتصادية كان المشهد الشخصي متباينا بين عجوز أبيض أمضى أكثر من 4 فترات في عضوية مجلس الشيوخ إلى شاب أسمر لم يكمل بعد فترته الأولى في المجلس.
ولم تسفر المناظرة عن جديد يؤثر في موقف الناخب الأميركي الذي مايزال متحيرا في اختياره -حسبما تكشف عنه استطلاعات الرأي من تقارب شديد بين المتنافسين- حيث جاءت بمثابة تجميع لما سبق أن ردده المرشحان في حملتهما الرئاسية من تصريحات وبرامج.
وقد استغل اوباما في بداية المناظرة فرصة سؤال حول ازمة النظام المالي للربط بين منافسه الجمهوري وحصيلة اداء الرئيس جورج بوش الذي لا يتمتع بشعبية كبيرة.
وقال سيناتور ايلينوي «يجب القول ان هذه الازمة هي حكم ادانة نهائي على ثماني سنوات من سياسات اقتصادية فاشلة انتهجها جورج بوش ودعمها السيناتور ماكين».
وفي وقت لاحق ذكر ان ماكين صوت في مجلس الشيوخ «في 90% من الحالات» تأييدا لمشاريع بوش.
ورد ماكين ان «السيناتور اوباما يحمل الرقم القياسي في عمليات التصويت الاكثر ميلا الى اليسار» في محاولة منه لاظهار خصمه على انه معزول على الساحة السياسية.
وقال ماكين «انا اعارض الرئيس بوش في مسائل الانفاق والتغير المناخي وتعذيب المعتقلين وغوانتانامو والطريقة التي اديرت بها حرب العراق، لدي سجل طويل والاميركيون يعرفونه جيدا».
وتجنب المرشحان اتخاذ موقف حاسم من حزمة الإنقاذ المالي التي اقترحتها إدارة بوش ويجري الكونغرس مداولات مضنية بشأنها والتي تتضمن رصد 700 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب الأميركيين لشراء الديون المعدومة والأصول المجمدة لدى البنوك.
وحث كلاهما أعضاء الكونغرس على التكاتف معا والخروج بتشريع متوازن يحول دون فقدان الملايين من الأميركيين لوظائفهم ومنازلهم.
الا ان الخصمين اختلفا بشأن التعامل مع العجز الشديد في الميزانية الذي بلغ نحو 500 مليار دولار حيث تعهد ماكين بتجميد جميع برامج الإنفاق الحكومية فيما عدا ما يتعلق برعاية المتقاعدين من العسكريين والإنفاق العسكري وبعض المسائل الحيوية الأخرى.
تقليص الإنفاق
في حين تعهد أوباما بأن يقلص الإنفاق من خلال وقف تمويل الحرب في العراق والتي قال انها تبتلع 10 مليارات دولار شهريا بينما ترفل ميزانية العراق بفائض يزيد على 80 مليار دولار.
وقال ان هناك برامج حكومية لا يمكن أن تجمد وعلى رأسها برامج تعليم الطفولة.
وهو ما دفع ماكين الى اتهام خصمه الديموقراطي بالتصويت لصالح مشروع قانون يقطع التمويل عن القوات الأميركية في العراق وأفغانستان وبدس مخصصات لصالح ولايته إلينوي في التشريعات المالية بلغت 900 مليون دولار رغم معارضة ماكين على طول الخط لأي مخصصات تمثل زيادة في الإنفاق غير الضروري.
ورد أوباما بأنه جمع كل طلباته برصد مخصصات لولايته وبأن ماكين عارض مشروع قرار يتيح تمويل القوات في العراق لأنه تضمن جدولا زمنيا لسحب هذه القوات بينما يزداد الوضع سوءا في أفغانستان التي كان يتعين منذ البداية أن تجري الحرب فيها على القاعدة وطالبان وليس في العراق التي لم يكن بها أثر للقاعدة التي هاجمت الولايات المتحدة في عقر دارها.
وأقر أوباما تصويته لمشروع القانون الذي يمنع التمويل عن القوات ليس لأنه ضد هذه القوات لكن لأن مشروع القانون يمنح الپنتاغون صكا على بياض للبقاء في العراق.
وردا على تأكيد ماكين «اننا نربح في العراق» وجه أوباما خطابه لخصمه قائلا «لقد كنت مخطئا حينما أيدت غزو العراق، وكنت مخطئا حينما زعمت أنت ورئيسك أن العراق لديه أسلحة دمار شامل، وكنت مخطئا حينما توقعت أن العراقيين سيستقبلونكم استقبال المحرريين، وكنت مخطئا حينما استبعدت حدوث صراع بين الشيعة والسنة في العراق».
وقال أوباما ان ماكين يتحدث عن حدوث تقدم في العراق بفضل التعزيزات التي أرسلها بوش العام الماضي وكأن الحرب بدأت فقط العام الماضي، مشيرا الى أن الحرب في العراق بدأت في مارس 2003 والقول بأن الدفع بقوات إضافية قد حقق نجاحا هو تجاهل لسنوات طويلة وخسائر هائلة قبلها.
وحاول ماكين البالغ من العمر 72 عاما، استغلال عنصر السن لصالحه زاعما أن الخبرة والمعرفة والحكمة هي خصال تزكي صاحبها، مضيفا أن خصمه أوباما الذي لم يتجاوز 47 عاما ينقصه المعرفة والخبرة التي تؤهله لمنصب القائد العام للقوات المسلحة.
الا انه كرر عدة مرات لفظ «أنت لاتفهم» لأوباما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والاستراتيجية العسكرية ونفوذ الولايات المتحدة في الخارج.
إيران
في الملف الايراني دعا المرشح الديموقراطي الى اعتماد «سياسة حازمة ومباشرة» مع ايران.
واضاف انه يؤيد ماكين في ان الولايات المتحدة لا تستطيع التساهل مع ايران مزودة بالسلاح النووي، ودعا الى فرض عقوبات شديدة لحمل طهران على التخلي عن برنامجها النووي.
وقال اوباما «يتعين علينا ايضا ان نطبق سياسة حازمة ومباشرة مع ايران».
ورد ايضا على ماكين بأنه «يحتفظ لنفسه (بصفته رئيسا) بحق الاجتماع مع الاشخاص الذين يريدهم وفي الزمان والمكان اللذين يريدهما».
واضاف «نعم، اعتقد ان ذلك يمكن ان يساهم في امن الولايات المتحدة».
وسخر ماكين من «سذاجة» اوباما، مؤكدا ان الاستعداد للاجتماع مع رئيس دولة مثل ايران، هو اضفاء للشرعية على تصريحاته.
وذكر أن محمود احمدي نجاد توعد مرارا بـ «محو اسرائيل من الخريطة».
وقال ماكين «انا مقتنع بأننا جميعا مع الفرنسيين والبريطانيين والالمان والبلدان الاخرى والديموقراطيات في العالم، نستطيع التأثير على التصرف الايراني».
واضاف ان «السناتور اوباما قال مرتين خلال المناظرة انه سيتفاوض مع احمدي نجاد وتشاڤيز وكاسترو بلا شروط».
وقال ماكين «لا نستطيع ان نسمح بحصول محرقة ثانية».
واضاف ان «قراءتي للتهديد الايراني هي انه اذا ما حازت ايران السلاح النووي، فسيشكل تهديدا وجوديا لاسرائيل والبلدان الاخرى في المنطقة لان البلدان الاخرى في المنطقة ستشع ربانها مدفوعة لاقتنائه ايضا».
الإرهاب
وفي موضوع الارهاب قال ماكين لأوباما انه لم يكن يجب أن يهدد بإرسال قوات أميركية لتعقب زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن داخل حدود باكستان وانه حينما يريد أن يفعل ذلك فلا ينبغي أن يقولها علنا، لكن ما لبث أوباما أن سارع بالرد مصححا تأويل ماكين لتصريحاته قائلا انه بالنسبة لباكستان أشار إلى أن على الباكستانيين أن يتحركوا للقيام بما يتعين عمله لتعقب الإرهابيين على أرضهم خاصة أن جورج بوش قدم «لنظام برويز مشرف الديكتاتور» مايقرب من 10 مليارات دولار ليقوم بهذه المهمة.
وأضاف أنه قال انه إذا لم تتحرك باكستان للقيام بذلك فإن الولايات المتحدة ستقوم بها بنفسها.
وقال أوباما: إذا كان ماكين ينتقده لأنه هدد بتعقب الإرهابيين بنفسه داخل حدود باكستان فقد كان ماكين، الذي هدد بقصف كوريا الشمالية مما جعلها تمضي قدما في نشر المعرفة النووية وتجرب صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية.
تغطية خاصة في ملف ( pdf )