هي محرقة بكل معنى الكلمة تلك التي شهدها قطاع غزة امس في اليوم الثاني من الاجتياح البري الذي استخدم فيه الجيش الاسرائيلي كل صنوف الاسلحة بدباباته ومدرعاته ومشاته الى جانب طائرات الـ ف 16 والاباتشي والقصف الذي نفذته البحرية قبالة شواطئ غزة، ورغم عدم تكافؤ الطرفين، شهدت محاور الاجتياح الاسرائيلي في بيت حانون وبيت لاهيا في شمال قطاع غزة ومعبر ايريز مقاومة عنيفة من كتائب القسام وفصائل المقاومة الفلسطينية لدبابات وقوات مشاة الاحتلال الاسرائيلي بعد ان اخفقت 8 ايام من الغارات الجوية المدمرة في وقف الهجمات الصاروخية التي تشنها الفصائل الفلسطينية على اسرائيل.
وواكب الاجتياح الاسرائيلي البري غارات جوية وقصف مدفعي مهد لتوغل طابور من الدبابات الإسرائيلية داخل القطاع غزة.
وقال شهود ان البحرية الاسرائيلية منعت الحركة على طول الطريق الساحلي في غزة لتقسم القطاع إلى منطقتين فعليا.
وقال مسعفون فلسطينيون ان القوات الاسرائيلية اغتالت خلال الاشتباكات المبدئية 8 من سكان غزة 5 منهم نشطاء.
وقالت مصادر ان 4 مواطنين من عائلة واحدة استشهدوا عندما استهدفت مدفعية الاحتلال منزلهم القريب من معبر رفح البري بقذائفها.
وفي بيت لاهيا شمال قطاع غزة تمكنت سيارات الإسعاف من نقل جثماني طفلين شهيدين سقطا صباح امس في قصف مدفعي استهدف منطقة العطاطرة شمال البلدة التي تتوغل فيها قوات الاحتلال.
وقالت المصادر ان مواطنين آخرين أصيبا بجراح في عملية القصف هذه التي طالت منازل عدة في هذه البلدة.
وفي خان يونس استشهد مقاوم فلسطيني واصيب آخر بجراح في غارة جديدة استهدفت تجمعا للمقاومين في المدينة جنوب قطاع غزة.
وقال شهود عيان لإحدى الإذاعات المحلية ان طائرات اسرائيلية اطلقت صواريخ عدة على تجمع للمقاومين في منطقة هارون الرشيد بمدينة خان يونس ما اسفر عن استشهاد محمد الحيلة (22 عاما) من كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة (حماس) واصابة آخر بجروح.
حصيلة المواجهات
في حين ذكرت مصادر طبية فلسطينية ان عدد الشهداء على الجانب الفلسطيني بلغ 45 منذ انطلاق العدوان البري اول من امس ليرتفع عدد الشهداء الى اكثر من 500 والجرحى الى ما فوق 2500 منذ بدء العدوان.
في المقابل اعترف ناطق باسم الجيش الاسرائيلي فجر أمس بمقتل جندي وجرح 30 آخرين في الهجوم البري على قطاع غزة.
وقد اعلنت قناة العربية الفضائية ان إسرائيليان بينهما ضابط قتلا في حين ان الجرحى تجاوزوا 32.
مضادات جوية
من جهة اخرى افادت مراسلة قناة العربية بأن مقاومة عنيفة شهدتها القوات الاسرائيلية في مخيم البريج شرق قطاع غزة وكذلك في حي الزيتون.
وفي تطور ميداني لافت، قالت القناة ان فصائل المقاومة امتلكت مضادات جوية هي عبارة عن «رشاشات 500» تمكنت من التصدي للمروحيات الاسرائيلية التي كانت تحلق على ارتفاع منخفض في المنطقة واصابت واحدة من هذه المروحيات باعتراف الجيش الاسرائيلي.
ورغم العمليات المكثفة، الا ان اسرائيل فشلت في تحقيق واحد من اهم اهدافها واستمرت فصائل المقاومة في اطلاق الصواريخ والقذائف على اسرائيل التي تجاوزت 43 امس بحسب ما اعلنته كتائب القسام الجناح العسكري أمس مؤكدة انها قصفت قاعدة «تسليم» البرية الإسرائيلية بصاروخي غراد.
وقالت القسام في بيان صحافي لها «إن هذه القاعدة هي أكبر قواعد الجيش الإسرائيلي في المنطقة الجنوبية».
تقطيع أوصال غزة
وقال شهود عيان ان دبابات اسرائيلية اطلقت نيران اسلحتها الرشاشة نحو منازل المواطنين الفلسطينيين في بلدة المغراقة جنوب مدينة غزة. واكدوا أن عددا من هذه الدبابات يتمركز في مستوطنة نتساريم جنوب غرب مدينة غزة وتقوم بإطلاق النار من هناك نحو منطقة المغراقة لاجبار اهلها على ترك منازلهم.
وتمركز الدبابات الاسرائيلية في مستوطنة نتساريم يعني انها فصلت مدينة غزة عن جنوب القطاع.
ومع تطور الاعتداءات الاسرائيلية، تفاقمت محنة 1.5 مليون فلسطيني يعيشون في قطاع غزة. ويقبع الناس في بيوتهم منذ أيام، فيما قالت وكالات إغاثة انسانية إن المواد الغذائية الاساسية والمياه والامدادات الطبية قد نفدت او كادت.
واعلنت وزارة الصحة الفلسطينية ان قطاع غزة بات الان «منطقة منكوبة» على الصعيد الصحي بسبب العدوان الاسرائيلي المستمر.
وقالت الوزارة في بيان لها «ان حركة سيارات الاسعاف باتت مشلولة بشكل شبه تام وان العشرات من النداءات التي تستقبلها مراكز الطوارئ تفيد بوجود عدد من الشهداء والجرحى في البيوت او الشوارع ولكن لا تستطيع سيارات الاسعاف الوصول اليهم».
واوضحت انه اصبح من المتعذر تحرك سيارات الاسعاف وسط القصف الشديد من طائرات الاحتلال او دباباته خصوصا مع استهداف عدد من سيارات الاسعاف بالقصف.
وقالت ان عملية قصف طالت عددا من سيارات الاسعاف حيث اصيب العديد من ضباط الاسعاف اثنان منهم بجراح خطيرة نتيجة قصف سيارتهم التي يستقلونها من طائرات الاحتلال في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة.
أسر جنديين
في غضون ذلك، رفضت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس تأكيد أو نفى أنباء أسرها اثنين من الجنود الإسرائيليين اثر التوغل البري للمناطق الحدودية في قطاع غزة.
وقال أبو عبيدة الناطق باسم القسام لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) »من السابق لأوانه تأكيد أو نفى أسر جنود لكن ما نؤد التأكيد عليه أننا نكبد العدو الصهيوني خسائر فادحة وهو يعجز عن أي تقدم في مناطق القطاع الصامد».
وأكد أبو عبيدة أن عناصر القسام والمقاومة الفلسطينية صامدة في وجه التوغل البري الإسرائيلي وتمنع أي تقدم للجيش، معلنا أن «المقاومة تمكنت من قتل وجرح العشرات من الجنود منذ الساعات الأولى للتوغل».
ومن جهتها أكدت مصادر عسكرية إسرائيلية نقلا عن وسائل إعلام إسرائيلية تأكيد فقد الاتصال باثنين من الجنود في التوغل شمال قطاع غزة.
وكانت قناة الاقصى التابعة لحماس نقلت عن الحركة ان مقاوميها أسروا جنديين إسرائيليين في حي الزيتون جنوب شرق غزة.
ولم يوضح المصدر طبيعة عملية الأسر وقال مصدر في حركة حماس ان الجنديين «هما في مكان آمن» على حد تعبيره.
أولمرت يبرر
وفي حرب التصريحات السياسية، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت لدى افتتاحه اجتماع الحكومة الأسبوعي عقد في مقر وزارة الدفاع في تل أبيب امس إنه لم يكن أمام إسرائيل خيار سوى شن عملية عسكرية برية في قطاع غزة وأن إسرائيل ليست مهتمة بتوسيع القتال إلى جبهات أخرى خصوصا في الضفة الغربية ولبنان.
وخاطب أولمرت أمهات الجنود الإسرائيليين الذين يشاركون في العملية البرية قائلا «لقد فكرت فيكن كثيرا منذ بداية العملية وبشكل أكبر كلما اقترب موعد اتخاذ القرار بشن عملية برية وترددت كثيرا بيني وبين نفسي ومع رفاقي الوزراء وهل ثمة خطوة أخرى أو مخرج آخر أو جهد آخر لم ننفذه قبل أن نرسل ابناءنا إلى مكان مليء بالمخاطر وهو مكان قد لا يعود بعضهم منه».
واكد اولمرت انه امر بالاستعداد لمواجهة أي تطور في حال فكر أحد ما بأن هذه فرصته لاستغلال تركيز إسرائيل على الجبهة الجنوبية من أجل محاولة تغيير الواقع المستقر في أعقاب الاستقرار الحاصل بعد أحداث الماضي» في رسالة واضحة إلى حزب الله وتوقف إطلاق صواريخ من لبنان باتجاه إسرائيل بعد حرب لبنان الثانية.
من جانبه كرر وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك امس تصريحات سابقة له وقال إن العملية العسكرية البرية في القطاع «هي عملية ليست سهلة وليست بسيطة وسيتم توسيعها وتعميقها بقدر ما يتطلب الوضع».
واضاف باراك ان «الامتحان الحقيقي ليس هنا في تل أبيب وإنما هناك عند مشارف غزة ونحن ندعم المقاتلين بكل طريقة ممكنة».
وتابع ان «القتال يجري مثلما تم التخطيط له والعملية ستكون مليئة بالمفاجآت والامتحانات وستتطلب شجاعة وحزما وإذا كنا موحدين فسوف ننتصر في نهاية العملية».
تغطية خاصة في ملف ( pdf )