اختتمت أعمال مؤتمر ميونيخ الدولي للسياسة الأمنية أمس بمناقشات حول تطورات الوضع في أفغانستان واستمرار العنف رغم تمركز عشرات الآلاف من قوات الأجنبية تحت قيادة حلف شمال الأطلسي (ناتو).
ولعل أبرز النتائج الايجابية للمؤتمر عودة الأصوات المتصالحة بين الغرب وروسيا ودعوة الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا لمنح روسيا دورا أكبر في الجهود المتعلقة بإيجاد حلول للصراعات الدولية وفي مقدمتها الملف النووي الإيراني.
في الوقت نفسه، أحدثت «النغمة الجديدة» التي استخدمها نائب الرئيس الأميركي جو بايدن حول نظام الدرع الصاروخية المزمع نشره في شرق أوروبا واهتمامه بالتشاور مع الحلفاء وموسكو رد فعل إيجابي لدى روسيا التي أبدت استعدادها لخفض ترسانتها النووية.
وأعربت أيضا دول حلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي عن رغبتها في فتح طرق جديدة للتعاون مع موسكو رغم إدانة الحرب الروسية في جورجيا والخلاف مع أوكرانيا حول إمدادات الغاز.
وانعكست اللهجة التصالحية الغربية، على روسيا حيث قال سيرغي إيفانوف نائب رئيس الوزراء الروسي أمس ان العرض الأميركي «بالعودة إلى نقطة البداية» فيما يتعلق بالعلاقات بين حلف شمال الأطلسي وروسيا إيجابي للغاية.
وأجاب إيفانوف ردا على سؤال للصحافيين عن رده على كلمة بايدن قائلا إنها كانت «إيجابية للغاية»، وكان إيفانوف يتحدث قبل اجتماعه مع بايدن.
وردا على سؤال بشأن ما وجده على وجه التحديد إيجابيا في تصريحات بايدن، قال إيفانوف «العودة إلى نقطة البداية»، واضاف ان هذا الامر سيتيح «اعطاء الاشارة» لاعادة اطلاق العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة.
الملف الافغاني كان حاضرا بقوة في المؤتمر، من خلال مطالبة وزير الدفاع الألماني فرانس جوزيف يونغ حلف شمال الأطلسي (الناتو) بالإسراع في وضع استراتيجية جديدة بشأن مستقبل المهمة الدولية في أفغانستان.
وقال يونغ خلال مؤتمر ميونيخ الدولي للسياسة الأمنية امس إن الاستراتيجية التي ينتهجها حلف الاطلسي حاليا يرجع تاريخها إلى عام 1999 وإن الحلف في حاجة إلى استراتيجية جديدة.
كما أشار يونغ إلى ضرورة تكثيف الجهود المبذولة في عملية إعادة الاعمار المدني في أفغانستان، مؤكدا في الوقت نفسه أن المجتمع الدولي لن يستطــــيع أن يحقق نجاحا هناك بالطرق العسكرية وحدها.
وقال يونغ إن حلف الأطلسي لم يقر استراتيجية شاملة بشأن أفغانستان إلا أثناء انعقاد قمته المقررة في بوخارست عام 2008 رغم وجود قوات حلف الأطلسي في أفغانستان منذ عام 2003.
ومن المنتظر أن يتم طرح استراتيجية جديدة لحلف الأطلسي بشأن أفغانستان خلال مؤتمر الحلف المقرر عقده مطلع أبريل المقبل في مدينتي ستراسبورغ الفرنسية وكيل الألمانية.
من جانبه، أكد الرئيس الأفغاني حامد كرزاي في ختام أعمال مؤتمر ميونيخ الدولي للسياسة الأمنية أمس أن «الحرب ضد الإرهاب» في بلاده لم تنته بعد.
واعترف كرزاي بعدم اكتمال نجاح عودة الأوضاع الأمنية لطبيعتها وبعدم التركيز في مكافحة «الإرهاب» في السنوات الأخيرة على ضرب معسكرات التدريب ومعاقل «الإرهاب» التي انسحب منها «الإرهابيون».
وأشار الرئيس الأفغاني إلى الاهتمام غير الكافي بإعادة بناء الشرطة والسلطات القضائية، ولكنه أشاد في المقابل بالنجاح في عودة ستة ملايين تلميذ وطالب للمدارس وانتشار الجامعات ونشاط محطات التلفزيون والصحف مع منح قدر كبير لحرية الصحافة بالإضافة إلى عمليات تمهيد الطرق.
واقترح كرزاي من ميونيخ على عناصر طالبان غير المرتبطين بالقاعدة او بـ «الشبكات الارهابية» العودة الى افغانستان.
ولأول مرة منذ اندلاع الحرب على طالبان، اعترفت واشنطن على لسان مستشار الأمن القومي الأميركي الجديد جيمس جونز بارتكاب أخطاء في السياسة المتبعة حيال أفغانستان.
وقال جونز خلال المؤتمر الأمني امس إن «ناتو» والمجتمع الدولي تأخرا جدا في إدراك حجم المشكلات في المنطقة بأكملها والدفع بعجلة بناء الشرطة والنظام القضائي في أفغانستان إلى الأمام.
وأضاف جونز قائلا «لقد ركزنا بشكل كبير على البناء العسكري»، شاكيا في الوقت نفسه من عدم كفاية الجهود المبذولة في مكافحة زراعة المخدرات في أفغانستان وغياب التنسيق الدولي للمهمة في أفغانستان.
من ناحية أخرى، أكد جونز ضرورة وضع استراتيجية جديدة طويلة الأمد لأفغانستان، وقال إن «أفغانستان ليست مشكلة أميركية فحسب لكنها مشكلة دولية».
وذكر جونز أن الأمر في أفغانستان يتعلق بـ «درء المخاطر الحالية وخلق هياكل دائمة وقدرات تحمي شعوبنا ومصالحنا في المستقبل».
وشدد جونز على مطلب الرئيس الأميركي باراك أوباما بضرورة طرح أفكار لوضع استراتيجية جديدة لأفغانستان.
وقال جونز إن الولايات المتحدة تريد «البحث عن شراكات أكثر قوة مع أصدقائنا الأجانب ما من شك في أن مهمة حلف الأطلسي والمؤسسات الدولــــية في أفـــغانستان، وهي الوصــول بالوضع هناك إلى نهاية سعــيدة، كبيرة جدا».
في الوقت نفسه، ذكر جونز أن تحديات الأمن في القرن الحادي والعشرين مختلفة وأكثر انتشارا من القرن الماضي، وقال «التحديات تتسم بتنوع أكثر مما نتصور، وقدراتنا في مواجهة تلك التحديات لا تطابق حجم المقتضيات الأمنية اللازمة».